الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه: لدى النخبة مهام جسيمة لإنشاء دولة القانون والديمقراطية

أكد أن القذافي رفع شعار «لا نجم» غيره في ليبيا على مدى 42 عاما

أحمد إبراهيم الفقيه («الشرق الأوسط»)
TT

أكد الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه، الأديب الليبي المعروف، أن فصلا مؤلما وقاسيا من تاريخ الشعب الليبي انتهى بسقوط نظام العقيد المخلوع الهارب معمر القذافي، مشيرا إلى أن القذافي الذي تمتع بالحكم المطلق على مدى 42 عاما أبى أن يغادر ليبيا إلا بعد تخريبها وتدميرها وسقوط مئات الآلاف ما بين قتلى وجرحى.

وقال الفقيه الذي جرى تعيينه، قبل يومين، مستشارا إعلاميا في السفارة الليبية في القاهرة، إن الليبيين سعوا منذ وقت مبكر إلى التخلص من القذافي طوال 4 عقود قبل أن ينجحوا، أخيرا، عبر الثورة الشعبية التي اجتاحت مختلف المدن الليبية في 17 فبراير (شباط) الماضي.

ولفت الفقيه في حوار مع «الشرق الأوسط» في القاهرة إلى أن القذافي تعمد تسيد المشهد الليبي منفردا، حتى إن من هم خارج ليبيا ليس بمقدورهم ذكر اسم شخص ليبي غير القذافي في أي مجال من المجالات السياسية أو الفنية أو الفكرية أو الثقافية أو الرياضية.

وأوضح أن القذافي منذ أن جاء إلى الحكم عام 1969، رفع شعار «لا نجومية في المجتمع الجماهيري»، وأنشأ إدارة في الأمن الداخلي لتقوم بما لديها من أدوات القمع والقهر بمنع أي اسم من الذيوع والشهرة. وهنا نص الحوار..

* هل انتهت أزمة ليبيا بسقوط طرابلس؟

- سقوط طرابلس في يد الثوار يعني أن فصلا مؤلما قاسيا من تاريخ الشعب الليبي استمر لمدة 42 عاما انتهى، وتم فتح فصل جديد مليء بالأمل والطموح والوعود الجميلة. ونعتبر هذا اليوم يوم النصر ويوم الفخار، وهو يوم تاريخي بكل المقاييس ونصر على أعتى طاغية عرفه العصر الحديث.

* تعني أن القادم محمل بالكثير من المسؤولية؟

- نعم.. انتهت أخطر مراحل النضال التي كبدت ليبيا أنهارا من الدم الذي سال على الجانبين، جانب الثوار وجانب الكتائب، فهم جميعا ليبيون، وقد ترك الجميع، وعلى الجانبين، آلافا من الأرامل والثكالى والأيتام، هم جميعهم مسؤولية النظام الجديد، فكلهم أبناء وبنات هذا الشعب، وستشمل الرعاية أسر الشهداء، وأسر الكتائب أيضا ستكون موضع رعاية واهتمام النظام الجديد، فلا وجود لنظام القذافي اللعين لكي يرعى عائلات القتلى منهم، إذن فهي مسؤولية في عنق الثورة.

* لماذا استغرق الأمر 6 شهور لخلاص من القذافي؟

- لم يكن ممكنا أن تتم الثورة الليبية بنفس الطريقة التي تمت في تونس ومصر، لأنه لا مجال للمقارنة بين زين العابدين بن علي وحسني مبارك من جهة والقذافي من جهة أخرى. نعم هناك أوجه تشابه ولكن هناك أوجه اختلاف كثيرة جدا، هناك في كل هذه الأنظمة كبت للحريات وغياب للديمقراطية واستهتار بحقوق الإنسان، كما أن هناك تشابها كبيرا في ثقافة الفساد السائدة في الأنظمة الـ3، هذه حدود التشابه بعد ذلك فإن الفرق أن القذافي كان شخصا عاش على الولغ في دماء الليبيين وهو ما لم يكن طبيعة النظام في مصر أو في تونس.

* وما الفارق؟

- القذافي جاء يركب دبابة وعاش بالدبابة والسلاح، اغتصب السلطة اغتصابا، واحتفظ بها مدة 42 عاما بالقوة والرعب والإجرام والقتل، ولم يكن ممكنا أن يرضى بتسليم السلطة دون أن يصنع أنهارا من الدم ويوقع بالشعب أقصى ما يستطيعه من الخسائر في الأرواح والممتلكات. ولا تقل إن الشعب الليبي كان ساكتا عنه طوال هذه العقود الكثيرة التي جثم فيها على صدر الشعب الليبي إطلاقا، فقد بدأت الانتفاضات والثورات والمؤامرات ضده منذ الشهر الثالث لوجوده في الحكم، فقد تسلم السلطة في أول سبتمبر (أيلول) عام 1969 وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) أعلن عن مؤامرة قادها ضباط أكبر منه رتبة شاركوا في الانقلاب وكان بينهم وزير الدفاع الراحل آدم الحواز ووزير الداخلية الراحل موسى أحمد. والحقيقة أنها لم تكن مؤامرة أو انقلابا ولكنها كانت تعبيرا عن الاحتجاج ضد ما ظهر منه من تصرفات شاذة وسلوك منحرف وقرارات حمقاء، لكنه بعد أن وصل إلى هذا الموقع لم يكن ممكنا أن يفرط في الكرسي الذي وصل إليه، فصار يفتعل الأسباب والذرائع التي يتخلص بها من كثير ممن جاءوا به إلى السلطة.

فمدة 6 أشهر ليست مدة طويلة إذا أخذنا في اعتبارنا الترسانة العسكرية التي هيأها القذافي لمقاومة معارضيه والمنتفضين ضده، خصوصا أنه أعاد تأسيس الجيش بحيث لا يكون جيشا كما هو الحال في البلدان الأخرى، وإنما أشبه بميليشيات تدين بالولاء له، وضع على رأسها أولاده، وعددا من أقاربه وأتباعه المخلصين الذين اشترى ولاءهم بالمال، والامتيازات، ومدهم بالعتاد والعدة فكانت لديه مخازن بالآلاف تمتلئ بالذخيرة، وشتى أنواع السلاح الحديث والمتطور.

* كيف ترى مهمة النخبة الليبية حاليا؟

- مهام كبيرة وجسيمة أمام الشعب الليبي وطلائعه المستنيرة ونخبه الحاكمة تنتظر الإنجاز؛ هناك حياة دستورية مفقودة نريد أن نقيمها، ومؤسسات دستورية نريد أن نبنيها، وسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية بكل ما تعنيه في المجتمعات المتحضرة.

* كيف كان القذافي يتعامل مع الأدباء والمثقفين؟

- كان عهد القذافي يمثل حربا إجرامية قدرة على الإبداع الأدبي والفني، وكنا نحن الذين كان لنا حضور على الساحة قبل ظهور القذافي، نعاني من محاولات الطمس والإلغاء، ولكن كنا قد ضربنا جذورنا في عمق الأرض. لقد جاء القذافي للحكم وكنت كاتبا متأسسا أصدر كتابين قصصيين، وهكذا كان الحال مع كتاب أقدم مني وأعلى قدما مثل: الراحل عبد الله القويري، والراحل بشير الهاشمي، والراحل كامل المقهور، والراحل خليفة التليسي، والراحل علي خشيم، والراحل صادق النيهوم، والراحل محمد الشلطامي.. وآخرون، مثل علي مصطفى المصراتي، أطال الله عمره. فكان رغم الحرب لم يستطع طمسنا، فقد صارت لنا أسماء، وكنا نستطيع أن ننشر ونحقق حضورا خارج ليبيا، ولكن الأذى لحق أجيالا أخرى ولدت بعد مجيء الطاغية. ويكفي أن تعلم أنه منذ أن جاء القذافي إلى الحكم رفع شعارا هو: «لا نجومية في المجتمع الجماهيري»، وهو شعار يعني أنه ممنوع التألق والإبداع والنجاح، وقد لا يصدق الناس أنه أنشأ إدارة في الأمن الداخلي، وهي جهاز للبوليس السري يعادل أمن الدولة في البلدان الأخرى، هي إدارة محاربة النجومية، لكي تقوم هذه الإدارة بقوة الأجهزة البوليسية وما لديها من أدوات القمع والقهر بمنع أي اسم من التحقق والذيوع والشهرة.

* لكن هو نفسه سعى إلى تقديم نفسه كمثقف ومفكر، ما تقييمك؟

- نعم، هذه هي المفارقة، فقد يفهم الناس الطاغية الذي يريد أن ينفرد بالحكم ولا يطيق شريكا له، ولكن ظاهرة القذافي أنه كان يريد الاستحواذ على كل شيء ولا يطيق أن يرى له شريكا فيه، فهو المفكر السياسي وهو المفكر الاقتصادي، حتى إنه ادعى أنه دخل مجال الصناعة، وقال إنه صمم أعظم سيارات العصر، كما سمى نفسه مهندس النهر الصناعي العظيم، فمن يجرؤ على أن يبدع في هذا المجال. وهو الذي كتب كتابا في العسكرية، وقال إنه أعظم من يرسم الاستراتيجيات العسكرية، ثم قام، كما تعلم، بدخول مجال الغناء والموسيقى وقام بتأليف هراء كثير سماه أغنيات هو الذي يقترح لها التأليف الموسيقى، ثم قام بكتابة المقالات الصحافية، وصار هو الكاتب الصحافي الأول. وكتب المقالات الساخرة وصار هو مبدع الأدب الساخر في ليبيا، ثم أنجز قصتين قصيرتين أضاف إليهما بعض القطع الأدبية وأرسلهما لي مع بقية القطع وطلب مني أن أكتب تقديما للكتاب الذي يضم هاتين القصتين ومجموعة المقالات. وأرجعت له المخطوط الذي سماه مجموعة قصصية، وقلت له إنه لا يضم غير قصتين. فقال إن هذا ما جادت به قريحته وسيصدر الكتاب على هذا النوع. فكتبت قراءة في القصتين وهما «الفرار إلى جهنم» و«الموت»، ورأيت فيهما شيئا من المحاولات الصادقة في التعبير عن المشاعر لرجل يعاني من حالة احتقان في الحديث عن أشيائه الحميمة، كما رأيت فيهما وثائق عن نفسية الرجل الذي قام بكتابتهما وكتبت هذه القراءة التي تضمنها الكتاب في شكل تعقيب.