تركيا تتوقع إقامة تحالف مع مصر ليكونا لاعبين أساسيين في المنطقة

اصطحب أردوغان معه 208 رجال أعمال وقعوا عقودا بقيمة المليار دولار بالقاهرة في يوم واحد

داود أوغلو وزير الخارجية التركي مهندس السياسة الخارجية لبلاده التي جعلت تركيا أحد أهم اللاعبين الاساسيين في المنطقة («نيويورك تايمز»)
TT

قدمت تركيا الجديدة التي تتمتع بثقة كبيرة في الذات، أول من أمس، رؤية خاصة بإعادة رسم شرق أوسط تعاني فيه الدولتان الحليفتان لتركيا بالأمس وهما سوريا وإسرائيل من عزلة شديدة ويؤسس فيها تحالفها القوي المزدهر مع مصر نظاما جديدا في منطقة تموج بالثورات.

وقدم هذا التصور وزير الخارجية التركي، داود أوغلو، في مقابلة دامت لنحو الساعة قبل توجهه إلى الولايات المتحدة حيث من المتوقع أن يدور جدال طويل خلال الأسبوع الحالي بشأن طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بدولة فلسطين. وأشار داود أوغلو، الذي ينظر إليه باعتباره مهندس السياسة الخارجية التركية التي جعلت من تركيا واحدة من اللاعبين الأساسيين في العالم الإسلامي، إلى هذه القضية فضلا عن قضايا أخرى في معرض وصفه لحال الشرق الأوسط الذي يمر بمرحلة تحول.

وقال إن تركيا «لديها الحق في أن تكون مركز كل شيء». وأعلن أن إسرائيل كانت وحدها هي المسؤولة عن الانهيار الوشيك في علاقاتها مع تركيا، التي كانت يوما ما من حلفائها. كذلك اتهم الرئيس السوري بشار الأسد بالكذب عليه بعد أن منحه المسؤولون الأتراك «فرصة أخيرة» لإنقاذ نظامه من خلال وقف أعمال العنف الوحشية ضد معارضيه. وكان من المفاجئ توقعه إقامة شراكة بين تركيا ومصر، وهما من أقوى دول المنطقة عسكريا وأكثرها شعبية وأقواها نفوذا، مشيرا إلى قدرتهما على إقامة محور قوى جديد في وقت يتراجع فيه النفوذ الأميركي في المنطقة على ما يبدو.

ويقول أوغلو: «وهذا ما نريده بالضبط. إنه لن يكون محورا ضد أي من دول المنطقة، لا إسرائيل ولا إيران ولا أي دولة أخرى، لكنه سيكون محور الديمقراطية الحقيقية. سيكون محور ديمقراطية لدولتين من أكبر دول المنطقة يمتد من الشمال إلى الجنوب ومن البحر الأسود إلى وادي النيل في السودان».

وتأتي هذه التصريحات بعد جولة قام بها قادة أتراك الأسبوع الماضي منهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ووزير خارجيته داود أوغلو، شملت تونس ومصر وليبيا، وهي الدول الثلاث التي شهدت ثورات خلال العام الحالي.

وقال أوغلو في هذه المقابلة أيضا إن رجال الأعمال الذين رافقوا رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء خلال زيارته إلى مصر في الأسبوع الماضي وقعوا عقودا بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار وقعت خلال يوم واحد في مصر، مضيفا أنه «من أجل توازن القوى الإقليمي فإننا نريد مصر دولة قوية». وأضاف أن تركيا تعمل على حل جميع مشاكلها مع دول الجوار ضمن شعار «لا مشاكل في علاقات تركيا مع دول الجوار»، وأنه لا أحد يلوم تركيا أو أي دولة أخرى في المنطقة على العزلة التي تعيشها إسرائيل، مشيرا إلى أن إسرائيل وحكومتها هم من عزلوا أنفسهم وأنهم سيتعرضون لعزلة أكبر إذا ما استمروا في سياساتهم الرافضة لجميع المقترحات لحل مشاكلها، وأوضح الوزير التركي أنه «من أجل الديمقراطية، فنحن في حاجة إلى اقتصاد قوي». وتوقع أوغلو أن تزيد استثمارات تركيا في مصر من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات خلال العامين المقبلين وأن تزيد المبادلات التجارية من 3.5 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار قبل نهاية عام 2012 وإلى 10 مليارات دولار في عام 2015.

وفي خطوة لتأكيد الأهمية التي توليها تركيا للتعاون الاقتصادي، اصطحب أردوغان معه 208 رجال أعمال وقال أوغلو إنهم وقعوا عقودا في مصر بقيمة تقارب المليار دولار في يوم واحد. وقال: «نحن في حاجة إلى اقتصاد قوي من أجل تحقيق الديمقراطية».

وسلط انتقاده لحلفاء تركيا القدامى والإعلان عن الحلفاء الجدد الضوء على ما تتمتع به تركيا من ثقة في ذاتها هذه الأيام، حيث تحاول اتخاذ الجانب الرابح في منطقة باتت مختلفة تماما عما كانت عليه العام الماضي.

وعلى عكس إسرائيل المتوترة القلقة وإيران المتشككة والولايات المتحدة التي ينظر إلى سياستها تجاه المنطقة باعتبارها متخبطة ومضطربة إلى درجة تصل إلى التناقض في بعض الأحيان، تداركت تركيا أخطاءها التي ارتكبتها في البداية، حيث قدمت نفسها باعتبارها نموذجا لمرحلة التحول الديمقراطي والنمو الاقتصادي في وقت يمر فيه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمرحلة تحول جذري. وتعد الحفاوة التي استقبلت بها تركيا في العالم العربي، الذي كان يوما يقع ضمن الإمبراطورية العثمانية، تطورا لا يقل أهمية عن الثوار العرب بل والثورات نفسها.

وأشار أوغلو إلى «تشابه نفسي» بين تركيا والجزء الأكبر من العالم العربي، الذي كان واقعا تحت حكم الإمبراطورية العثمانية لأربعة قرون من إسطنبول. ويبدو وزير الخارجية الذي يبلغ من العمر 52 عاما عالما أكثر منه سياسيا، رغم أنه يتمتع بمهارة دبلوماسية في جسر الهوة بين الأطراف المختلفة.

ووجه خطابه خلال الصيف الحالي إلى الثوار الليبيين في بنغازي باللغة العربية في دلالة واضحة على نهجه السلس وفطنته. وبعد اندلاع الثورة في تونس، أشاد بالشعب التونسي وأطلق عليه «أحفاد ابن خلدون»، الفيلسوف العربي العظيم الذي ولد في تونس في القرن الرابع عشر. وقال: «لسنا هنا لنعلمكم، فأنتم تعرفون ما عليكم فعله. إن أحفاد ابن خلدون يستحقون أفضل نظام سياسي».

وقد أتاح التقارب الثقافي دخول تركيا إلى المنطقة، حيث تقدم نموذجا ناجحا لحزب العدالة والتنمية الذي نجح قادته المتقون في الفوز بالانتخابات لثلاث مرات متتالية، وقادوا اقتصادا مزدهرا ودشنوا لعملية إصلاح جعلت تركيا بلدا أكثر تحررا وعصرية وأكثر ثقة بذاته. وقد زاد دفاع أردوغان عن حقوق الفلسطينيين وانتقاده لإسرائيل، حيث انهارت العلاقات التركية - الإسرائيلية بعد قتل القوات الإسرائيلية تسعة أشخاص على متن السفينة التركية التي كانت متجهة لكسر الحصار المفروض على غزة عام 2010، من شعبيته.

واستقبل أردوغان الأسبوع الماضي بحفاوة بالغة في مصر، حيث امتلأت الطرقات بصوره الكبيرة وكتب أحد الكتاب في صحيفة «الوفد» مقالا بعنوان «أعيرونا أردوغان لشهر».

وقال داود أوغلو، الذي اصطحب أردوغان خلال زيارته إلى مصر، إن تركيا ستركز جهودها، في الوقت الذي يوشك فيه النظام الذي تدعمه الولايات المتحدة والذي تؤيده إسرائيل وأيده النظام المصري قبل الثورة كذلك، وإن كان على مستوى أقل، على الانهيار. وستجد الولايات المتحدة نفسها منعزلة تماما خلال التصويت على مشروع قرار إقامة دولة.

منذ عام مضى كان ينظر الرئيس المصري السابق لتركيا بوجه عام، وأردوغان بوجه خاص، بعين الريبة والشك. لكن يرى داود أوغلو أن هذا التحالف كان قوة داعمة للاستقرار في المنطقة. وقال أوغلو الذي زار العاصمة المصرية خمس مرات منذ الإطاحة بنظام مبارك في فبراير (شباط): «نريد أن تكون مصر أقوى من أجل تحقيق توازن القوى في الإقليم». وقال: «ربما يعتقد البعض أن تركيا ومصر تتنافسان، لكن هذا غير صحيح، فهذا هو قرارنا الاستراتيجي. نحن نريد أن تكون مصر قوية الآن».

ربما تكون عبارة «اختفاء المشاكل» من العبارات الشهيرة لداود أوغلو الذي عمل مستشارا للسياسة الخارجية لأردوغان قبل أن يتولى منصب وزير الخارجية. وكان يعني بذلك أن تركيا تحاول جاهدة إنهاء الصراع مع دول الجوار، وإن لم تنجح في ذلك في كثير من الأحيان. وما زالت تعاني من مشاكل مع أرمينيا. كذلك لم تتمكن من حل الصراع على قبرص التي يقع جزء منها في اليونان وجزء في تركيا. وأثار الاتفاق، الذي أبرمته تركيا فيما يتعلق بالسماح بتركيب نظام رادار في إطار مشروع نشر الدرع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي، استياء إيران.

الأهم من ذلك هو أن علاقة تركيا بإسرائيل انهارت بعد رفض الحكومة الإسرائيلية لمجموعة من الطلبات التركية عقب الهجوم على السفينة التركية التي كان من ضمنها تقديم اعتذار رسمي وتعويض الضحايا ورفع الحصار عن قطاع غزة. وقال داود: «لا يمكن لأحد أن يحمل تركيا أو أي دولة أخرى في المنطقة مسؤولية عزلتها (في إشارة إلى إسرائيل). لقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرار العزلة بنفسها، وسوف تزداد عزلتها إذا استمرت في تبني سياسة رفض أي مقترح».

اضطربت تركيا من الثورات العربية مثل ما حدث للجميع. فقد خسرت تركيا استثمارات بقيمة 15 مليار دولار على الأقل في الحرب الأهلية في ليبيا وسجل الدبلوماسيون الأتراك اعتراضهم في البداية على تدخل قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا. وظلت تركيا تنمي علاقتها لسنوات بالرئيس السوري بشار الأسد، حيث كانت ترى أن سوريا نقطة محورية لتكامل اقتصاد المنطقة. وكان يعتبر كل من أردوغان والأسد أصدقاء.

لقد أدى عدم إصغاء سوريا لنصيحة تركيا، بحسب قول داود أوغلو، إلى تدمير العلاقات التركية -السورية، وتسعى تركيا حاليا إلى استضافة مؤتمرات وجماعات معارضة سورية. وقال داود أوغلو إن الأسد وافق خلال اجتماعات امتدت إلى أكثر من ست ساعات الشهر الماضي، على خريطة الطريق التي اقترحتها تركيا وأعلن عن إجراء الانتخابات البرلمانية في نهاية العام الحالي وإلغاء المادة التي تقصر السلطة على حزب البعث من الدستور وصياغة دستور جديد من قبل البرلمان المنتخب، ومن ثم إجراء استفتاء على الدستور يحدد ما إذا كان نظام الدولة سيكون برلمانيا أم رئاسيا. ولم ينفذ الأسد أيا من هذا رغم تأكيده لهم. وقال أوغلو: «لقد كانت الفرصة الأخيرة له».

* خدمة «نيويورك تايمز»