المالكي يستنجد بخصم الأكراد التاريخي لاستعادة تحالفاته «التاريخية» معهم

النجيفي أثبت نفسه كالأكثر مرونة وبراغماتية بين الساسة العراقيين

أسامة النجيفي
TT

على الرغم من جديته وملامحه الصارمة، فإن وقائع الشهور الماضية أثبتت أن رئيس البرلمان العراقي والقيادي البارز في القائمة العراقية، أسامة النجيفي، هو السياسي العراقي الأكثر مرونة وبراغماتية، من بين الخط الأول من زعامات العراق السياسية اليوم.

وكان النجيفي على مدى السنوات السبع الماضية، واحدا من أبرز الخصوم التقليديين للأكراد، وذلك على خلفية الصراعات العرقية والقومية بين العرب والأكراد، في محافظة نينوى التي ينتمي إليها، والتي أوصلته أصواتها (حصل على أكثر من 250 ألف صوت في الموصل، كما حاز تجمعه الذي يحمل اسم عراقيون على 24 مقعدا من مقاعد البرلمان) ليس إلى قبة البرلمان فقط، بل إلى رئاسته، بعد أن تحول إلى أحد الأرقام الصعبة في المعادلة السياسية. وطبقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من قيادي كردي بارز، فإن النجيفي عند بدء الترشيحات لرئاسة البرلمان العراقي، وحين طرح اسمه كأحد المرشحين، من منطلق كون هذا المنصب من حصة القائمة العراقية، فإن الرد الكردي كان «وصول النجيفي إلى رئاسة البرلمان خط أحمر»، وبالنسبة للأكراد فإن هناك عشرات الأسباب التي تجعلهم يرفضون ترشيحه لهذا الموقع الخطير، حتى في وقت كانت فيه القائمة العراقية تصر على أحقيتها في تشكيل الحكومة، فالنجيفي، طبقا للقيادي الكردي البارز، «كان قد اتخذ مواقف إذا لم نقل عنها عدائية، فإنها تتسم بالتشنج والتطرف ضد الكرد وقضيتهم، سواء في بغداد أو كركوك، أو على صعيد محافظة نينوى»، حيث تصادف أن وصل شقيقه أثيل، عبر انتخابات مجالس المحافظات هناك، إلى موقع محافظ نينوى عبر قائمته الانتخابية «الحدباء»، التي أقصت القائمة الكردية «نينوى المتآخية»، التي كانت تملك ثلثي مقاعد مجلس محافظة نينوى. وفي حين تصاعدت الأزمة بين الحدباء والمتآخية في الموصل، وهو ما أدى إلى انسحابها من مجلس المحافظة، بدا، حسب المصدر الكردي، للتحالف الكردستاني في بغداد خلال الشهور الأخيرة من عام 2010، ولا سيما عقب الانتهاء من قصة الانتخابات البرلمانية، وإبقاء جلسة البرلمان مفتوحة، وعدم التوافق على الكثير من القضايا، ومن أبرزها أزمة تشكيل الحكومة، أن «أسامة النجيفي أخذ يتصرف بعقلانية كبيرة حيال كل الملفات المطروحة على صعيد أزمة تشكيل الحكومة، وأنه نأى بنفسه حتى على صعيد التصريحات، التي كانت قد ذهبت إلى ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية عربيا سنيا»، وهو ما كان قد تبناه من القائمة العراقية طارق الهاشمي، ومن التحالف الوطني العراقي إبراهيم الجعفري. ومن جانبهم فقد بدأ الكرد يغيرون، إلى حد واضح، من نظرتهم حيال النجيفي، لا سيما أن ما بدا «تنازلا» من قبل القائمة العراقية عن تشكيل الحكومة لعب فيه النجيفي، كما رأى الأكراد، دورا بارزا، الأمر الذي مهد الطريق أمام تشكيل الحكومة الحالية برئاسة زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، مع تمهيد الطريق للتحالف الكردستاني للاحتفاظ بمنصب رئاسة الجمهورية. في المقابل جرى تمهيد الطريق أمام وصول النجيفي إلى رئاسة البرلمان عبر الصفقة السياسية الشاملة، التي «لعب فيها التحالف الكردستاني دورا مهما، بل الدور الأهم، عبر اتفاق أربيل الذي رعاه رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني»، كما يقول القيادي الكردي. وأزعجت الكلمة الأولى التي ألقاها النجيفي عند توليه رئاسة البرلمان، بعكس ما كان متوقعا، التحالف الوطني، وبخاصة ائتلاف دولة القانون، وطبقا للسياسي الكردي فإنه أبلغ النجيفي بعد الانتهاء من كلمته النارية تلك: «كان ينبغي عليك يا أبا سيف أن لا تهاجم بهذه الطريقة، فلا يزال الطريق طويلا».

الطريق الطويل اختزله النجيفي خلال الشهور الماضية في علاقة، بدت متوازنة، مع خصومه القدامى الأكراد، وعلاقة ملتبسة مع دولة القانون التي طالبت مؤخرا بتغييره، وعلاقة أكثر التباسا مع المالكي، مع ذلك، وعند اشتداد الأزمة مؤخرا بين التحالف الكردستاني والمالكي، وإحساس المالكي بأن الموقف الكردي الآن غير ما كان عليه سابقا، وقد يرتقي إلى مرحلة نسف التحالفات، فإنه لم يجد سوى النجيفي الخصم القديم ليتحول إلى حكم ووسيط مقبول في قضية تبدو شائكة الآن، لا سيما أن العراقية لديها الأزمة نفسها مع دولة القانون والمالكي معا.

ولكن يبقى السؤال: هل سيضع النجيفي عنب الجميع مرة أخرى في سلة واحدة، تمهيدا لخروج الجميع من عنق الزجاجة، الذي بدأ يضيق على الجميع.. هذه المرة؟ هذا السؤال سوف تجيب عنه الأيام القليلة المقبلة.