أوباما يؤكد استمرار عمليات «الناتو» في ليبيا.. والشيخ حمد يشدد على أهمية عملية سياسية شاملة

علم ليبيا الجديد يرفع في الأمم المتحدة للمرة الأولى.. وعبد الجليل يتعهد ببناء دولة القانون

الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على هامش اجتماعات نيويورك أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما مواصلة حلف شمال الأطلسي «الناتو» عملياته العسكرية في ليبيا «ما دام الشعب الليبي يواجه تهديدا»، من دون تحديد موعد نهائي لإنهاء تلك العمليات العسكرية. وجاء إعلان أوباما خلال خطابه أمام الاجتماع الرفيع المستوى حول ليبيا الذي عقد في نيويورك برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، حيث شهدت الجلسة رفع العلم الليبي الجديد. وبينما تهيمن القضية الفلسطينية على الكثير من المداولات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط خلال اجتماعات نيويورك هذا الأسبوع، كان اجتماع ليبيا فرصة لبحث تبعات الثورات العربية والاحتجاجات التي غيرت وجه المنطقة خلال الأشهر الماضية.

وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حريصا على الربط بين التطورات في ليبيا والمجريات العامة في الشرق الأوسط، قائلا في خطابه «أخيرا المجتمعات العربية تتجه إلى الحريات، النزاعات التي تستمر أكثر من 60 عاما يجب ألا تسمم هذه الفرصة.. الشعوب العربية ستدين أي رفض للمرونة والمساعدة». وكان من اللافت إقرار ساركوزي بخطأ حكومته في التعامل الأولي مع الثورات العربية وخاصة الثورة التونسية حيث أبقت حكومته على موقفها الداعم للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. فأوضح ساركوزي «كنا بطيئين في الرد بسبب دهشتنا الأولى، لم نصدق ما رأيناه، في تونس ومصر، ثم ليبيا». وبينما اعتبر ساركوزي أن القرن الـ21 بدأ بأزمات وكوارث كثيرة، «الخبر الجيد في هذا القرن هو الثورة العربية، الشعوب العربية لم تتوجه إلى الشوارع لتطالب بإسقاط الغرب أو إسقاط فرنسا أو إسقاط الولايات المتحدة أو إسقاط إسرائيل، بل للمطالبة بالحرية والديمقراطية، وبينما تمت الإشارة إلى الثورات في تونس ومصر، كان التركيز في الاجتماع الذي استمر ما يقارب ساعتين أمس على الخطوات المقبلة في ليبيا.

وتم استعراض أهم التطورات في ليبيا في المؤتمر الذي عقد صباح أمس، بالإضافة إلى التحديات الرئيسية. وظهرت مسألة إطلاق الأموال الليبية المجمدة كعامل أساسي في دعم المجلس الانتقالي الليبي، بالإضافة إلى مطالبة بعض المشاركين مثل أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، برفع الحظر الجوي الذي ما زال مفروضا على ليبيا. وكان من اللافت اعتبار الدول الأفريقية أن نهاية النزاع في ليبيا واستقرارها يعتمد على وقف العمليات العسكرية للناتو. وطالب رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما بـ«إنهاء هذا النزاع وذلك بإنهاء مهمة الناتو.. الظروف التي أدت إلى فرض الحظر الجوي انتهت فيجب رفعه.. ذلك سيضمن مصداقية الأمم المتحدة».

ولكن حذر رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، الذي جلس إلى جوار بان كي مون على المنصة الرئيسية خلال الاجتماع، من بقاء الزعيم الليبي المخلوع العقيد معمر القذافي في بلاده وإفلاته حتى الآن من الاعتقال. وقال في مستهل خطابه «القذافي ما زال في ليبيا ويشكل تهديدا ليس فقط لليبيا وإنما للعالم كله». وأضاف «هناك تحديات كبيرة، مع وجود القذافي وإطلاق العملية التنموية واحتياجاتنا كثيرة.. لقد فقدنا 20 ألف شهيد وهناك مطالب كثيرة نحن بحاجة لها». وأكد «سنحاكم مرتكبي الجرائم في ليبيا وسنعمل على المغفرة وعدم الانتقام».

ومن جهة أخرى، أكد عبد الجليل عزم بلاده العمل بناء على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، مشيرا إلى «المبادئ الصالحة مثل حماية حقوق الإنسان والحريات.. والتعامل بموجب القانون الدولي مع كل الأجانب.. بينما سنتخذ خطوات فقط لمنع العمالة غير الشرعية».

في بداية الجلسة، تم رفع علمي الأمم المتحدة وليبيا، ليصفق الحضور وليقفوا تحية لليبيا، ليلقي بعدها بان كي مون خطابا حول مستقبل ليبيا. وقال «هذا يوم تاريخي لليبيا، نحن فخورون للترحيب بكم في الأمم المتحدة وفي المجتمع الدولي». وأضاف «سنعمل على دعمكم بأي طريقة ممكنة». وبينما أشاد بالتعاون الدولي الذي أدى إلى التحالف العسكري لإسقاط القذافي، قال إن العمل ما زال كثيرا أمام المجتمع الدولي. وأوضح «علينا أن نرد اليوم بنفس السرعة والتحرك المؤكد، هذه المرة لدعم السلام والاستقرار في ليبيا، ونحن قد وافقنا على البعثة الخاصة للأمم المتحدة والتي يجب أن تتماشى مع الاحتياجات الليبية وهي تشمل العملية الانتخابية والأمن العام وحقوق الإنسان والمساواة والتعافي الاقتصادي». وأكد كي مون أن بعثة الأمم المتحدة لليبيا ستقوم بمهامها بالتنسيق مع الليبيين والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي.

وقال «التحديات كبيرة، والأولوية الأولى يجب أن تكون السلام والأمن - الكثيرون ألقوا السلاح ويعملون على بناء بلدهم ونحن نطالب من يفعل ذلك بأن يفعله. القيادة الليبية تبنت مبادئ أساسية مثل حقوق الإنسان والمحاسبة والمساواة، وإذا تم الحفاظ على ذلك يمكن أن ينجح باقي العمل».

وبعد بان وعبد الجليل، تحدث أوباما مطولا عن شجاعة الليبيين في إنهاء نظام القذافي، مركزا على أن الليبيين أنفسهم هم الذين أسقطوا نظام القذافي، ليقلل من أهمية الادعاءات بأن الغرب فرض إسقاط القذافي. وقال «من دون شك، الشعب الليبي هو من حرر ليبيا، رجال ليبيا ونساؤها وأطفالها توجهوا إلى الشوارع بالاحتجاجات السلمية وواجهوا المدرعات وإطلاق نار القناصة». وبينما أشاد بدور الليبيين في تحقيق مصيرهم، حرص على الإشادة بالتعاون الدولي في ليبيا. وقال: «ليبيا درس لما يمكن للمجتمع الدولي أن يحققه عندما نقف سويا». وأضاف «لا يمكننا أن نتدخل كلما كان هناك ظلم في العالم ويجب ألا نفعل ذلك ولكن من الحقيقي أيضا أن هناك أوقاتا في العالم التي تتطلب حماية الأبرياء من القتل على مستوى مخيف.. وهذه المرة وجدنا الشجاعة والعزيمة المشتركة للعمل»، معتبرا «هكذا يجب أن يعمل المجتمع الدولي في القرن الـ21، المزيد من الدول تتحمل المسؤولية والتكلفة لمواجهة التحديات العالمية». وحدد أوباما نقاطا عدة في مستقبل التعامل مع ليبيا، قائلا «ما دام الشعب الليبي مهددا، المهمة العسكرية التي يقودها الناتو ستستمر». وأضاف «الذين ما زالوا يقاتلون (بجانب القذافي) عليهم أن يفهموا، النظام السابق انتهى وحان الوقت للتخلي عن سلاحكم والانضمام إلى ليبيا الجديدة». وبينما بدأ أوباما خطابه بالحديث عن الأمن، لفت إلى أمرين آخرين، أولا الوضع الإنساني في البلاد والانتقال الديمقراطي، فقال إنه يجب أن يكون «سلميا وشاملا وعادلا». والنقطة الأخيرة هي التي ركز عليها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في خطابه الذي جاء بعد أوباما، حين قال «يجب كتابة دستور جديد ومراقبة الأموال كي لا تتكرر أخطاء الفساد». وأضاف «يجب أن تكون جميع أطياف الشعب الليبي مؤيدة لهذه العملية ومن دون تدخل خارجي».

وكان هناك تركيز على أهمية الدور العربي في الثورة الليبية وجلب الدعم العالمي لها. وقال ساركوزي «لو لم يكن لدى العرب الشجاعة لدعم إخوانهم العرب سيكون الأمر أصعب علينا كثيرا». وقال الرئيس اللبناني ميشال سليمان «نرحب بالممثل الشرعي للشعب الليبي هنا.. وندعم عملهم فقد شدد المجلس على سيادة القانون ووضع حد للإفلات من العقاب والالتزام بالشفافية». وأضاف «يتوقع الليبيون المساعدة منا، يتوقعون مواصلة مساعدة المدنيين، على المدى البعيد يحتاجون إلى بسط القانون وينبغي لنا ألا ندخر أي جهد لدعم الشعب الليبي، لا سيما من بعثة الأمم المتحدة». وأعلن أن لبنان وليبيا اتفقا على عقد مؤتمر في بيروت يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لتشجيع الاستثمار في ليبيا.

أما وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، فقال «كنا من أولى الدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي»، مضيفا أن بلاده ستواصل دعم المجلس الانتقالي الليبي و«تقديم كل ما يحتاجه فنحن في خدمتهم». واعتبر أن «هذا نجاح لنا كلنا».

ومن جهته، قال أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي «الاجتماع يؤكد أهمية إبراز الدور الليبي في العمل على الحرية والديمقراطية». وأضاف «يجب إعادة النظر في قراري (مجلس الأمن) 1970 و1973 والإفراج عن الأموال الليبية فورا وتسيير رحلات الطيران المدني إلى ليبيا ورفع كافة القيود على المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية». وفي الوقت نفسه، طالب العربي المجلس الانتقالي بالالتزام بتعهداته ومنع العنصرية والعمل على لمّ شمل كل الفئات الليبية في صنع القرار السياسي. وتعهد بدعم جامعة الدول العربية لليبيا في المرحلة المقبلة.

وتقدم عبد الجليل بالشكر بشكل خاص إلى قطر والإمارات ولبنان والأردن، لبنان التي وافقت على قرار مجلس الأمن لبدء العمليات العسكرية ضد القذافي.

ومن جهته، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن العالم يشهد مرحلة تاريخية، موضحا «العالم يتغير، الأنظمة الاستبدادية تتغير إلى أنظمة ديمقراطية، يجب الاعتراف بعزيمة الشعب بدلا من النظر إلى الإمبريالية كحل». وضم أردوغان صوته إلى الأصوات المطالبة بإعادة الأموال المجمدة إلى الليبيين و«إعادة الكرامة والحق لهم». وأضاف «ليبيا هي ملك الليبيين».

وانتهز وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ فرصة إلقائه كلمته للتركيز على مصير القذافي، قائلا «هناك أولوية في إرسال رسالة واضحة للقذافي ومساعديه ويجب أن يقدم القذافي للعدالة». وحذر هيغ من إعطاء أي دولة مأوى للقذافي، قائلا «يجب ألا تقدم أي دولة المأوى لهم، فلا يوجد موعد انتهاء للتهم التي تواجههم». وأضاف «سنواصل مع حلفائنا لتطبيق قراري 1970 و1973 ما دام أمن الشعب الليبي مهددا»، في إشارة إلى مواصلة عمليات الناتو العسكرية.

وأجرى عبد الجليل والوفد الليبي المرافق عددا من الاجتماعات أمس، سعيا للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي لبلاده. والتقى عبد الجليل صباح أمس بالرئيس الأميركي، بعد أن عقد اجتماعا مع الأمين العام للأمم المتحدة.