سلام فياض: نقلص ميزانيتنا من أجل الحد من الاعتماد على المساعدات

رئيس الوزراء الفلسطيني في حوار تنشره «الشرق الأوسط»: ما نقوم به يتسق مع الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي عام 2009

رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض (إ.ب.أ)
TT

قال رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، إن قيام دولة فلسطينية بات أمرا حتميا. وشدد على ضرورة عدم النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها أحادية الجانب. كما رفض فياض، في مقابلة أجرتها معه «شبيغل» الألمانية، الادعاءات القائلة بأن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، والتي قد تزداد سوءا بعد تقدم السلطة بطلب نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، تعوق قيام دولة فلسطينية مستقلة. وقال: «نحن بالفعل نقلص من ميزانيتنا من أجل الحد من الاعتماد على المساعدات» الخارجية. مشيرا إلى أن «هناك عددا كبيرا من الدول طوال العقود الماضية، كان عليها التعايش مع أزمات مشابهة». وتساءل فياض: «هل هذا يعني أنها غير مؤهلة لتكون دولا؟».. وفي ما يلي نص الحوار..

* هل سيذكرك التاريخ باعتبارك الأب المؤسس للدولة الفلسطينية؟

- لا أعلم ما إذا كانت الدولة الفلسطينية ستقام خلال الفترة التي أتولى فيها منصبي هذا، لكنني على يقين من حدوث هذا في النهاية.

* كنت منشغلا خلال السنوات الأخيرة بإنشاء المدارس والطرق وإصلاح الإدارة ومكافحة الإرهاب. هل فلسطين مستعدة للاستقلال؟

- نعم، نحن مستعدون. ولست أنا وحدي الذي أقول ذلك، فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة.. يقولون ذلك أيضا. لقد أكدوا بالفعل في أبريل (نيسان) أن السلطات الفلسطينية على أعتاب إقامة دولة. أرى أن هذا بمثابة شهادة ميلاد لدولتنا، حتى وإن لم ينه ذلك الاحتلال الإسرائيلي، فوجود دولة فلسطينية على الأرض سيخلق نوعا من الضغط يجعل من إقامة دولة فلسطينية أمرا حتميا.

* لقد أوضحت في الماضي خطتك السياسية التي تستغرق عامين، والتي ستنتهي في غضون الأيام القليلة المقبلة. وتتضمن الخطة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية.. هل ترى أنك قد وعدت بالكثير؟

- وصف الكثيرون هذا البرنامج بالطموح، وقد كنت واحدا منهم منذ البداية، لكننا الآن أقرب ما نكون إلى الحرية. بالطبع أشعر بالإحباط بسبب فشل العملية السياسية. ومن غير المرجح أن نتحرر من ربقة الاحتلال الإسرائيلي في سبتمبر (أيلول) أو بعد ذلك بفترة قصيرة.

* من المقرر أن يدلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث والعشرين من سبتمبر، وأن يطلب بعد ذلك الاعتراف بدولة فلسطين كعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هل تؤيد اللجوء إلى مجلس الأمن حتى وإن كان يعني هذا مواجهة مع الولايات المتحدة التي أعلنت أنها سوف تستخدم «الفيتو»؟

- إذا فكرت للحظة واحدة أن فلسطين يمكن أن تكون من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذه الطريقة، فسوف أؤيدها فورا، لكن هناك هوة بين ما أرغب فيه وما أستطيع الحصول عليه. إذا كان رفض مجلس الأمن لهذا الطلب أمرا مؤكدا كما يُعتقد، فسأقول: «فلنكمل الطريق الأكثر شمولا، الذي يضمن عملنا مع أصدقائنا في المجتمع الدولي. ينبغي حشد الجهود لدعمنا بحيث ينقسم أعضاء الاتحاد الأوروبي على هذا التصويت».

* لكن أوروبا منقسمة بالفعل، فقد أعلنت ألمانيا في بداية العام الحالي أنها ضد مبادرة الأمم المتحدة، بينما تتجه فرنسا وإسبانيا نحو دعمها..

- لا يمكنني أن أسمي هذا انقساما.. إن ما نقوم به متسق مع الموقف الموحد الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي عام 2009، والذي تم التأكيد عليه العام الماضي. ماذا لو ذهبنا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثلا، وقدمنا مشروع قرار صيغت ديباجته حرفيا من موقف المجلس الأوروبي عام 2009، فهل يمكن لأحد حينها أن يخبرني بسبب رفض الاتحاد الأوروبي له؟

* في أفضل الأحوال ستتمكن الأمم المتحدة من جعل فلسطين عضوا مراقبا مثل الفاتيكان..

- إذا صرحت الأمم المتحدة بأن فلسطين دولة، فسيكون هذا بمثابة إنجاز في حد ذاته بالنسبة إلى الفلسطينيين.

* لكن ستظل فلسطين بعيدة كثيرا عن أن تكون دولة مستقلة..

- لا تعترف الأمم المتحدة بالدول، بل الدول هي التي تعترف ببعضها البعض. بعد إعلان استقلالنا على يد رئيسنا الراحل ياسر عرفات عام 1988، اعترف الكثير من الدول بدولة فلسطين. وخلال الأشهر القليلة الماضية، زاد عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين. وتتجه الدول إلى الاعتراف بنا وتزيد من تمثيلنا الدبلوماسي في عواصمها. لقد تم تحديد إطارات إبداعية للتعامل مع السلطة الفلسطينية وكأنها دولة ذات سيادة. لقد اعترف العالم بنا بالفعل.

* مع ذلك، لا تزال دول كبرى كثيرة مترددة في دعم طلبكم المقدم للأمم المتحدة، وبخاصة ألمانيا التي تفعل ذلك بسبب وضعها إسرائيل في الاعتبار.. هل تشعر بالإحباط؟

- لن تستطيع أن تحملني على القول بأنني محبط حين تتحدث عن دولة صديقة مثل ألمانيا. سأخبرك ما يحبطني حقا، ألا وهو رد الفعل العكسي، والزعم بأن ما نقوم به تصرف أحادي الجانب. إنه ليس أحادي الجانب، فنحن لا نتحدث عن إعلان دولة أحادي الجانب. هدفنا السياسي هو قيام دولة ذات سيادة على أساس 22 في المائة من الانتداب البريطاني في فلسطين. إن هذا تجسيد حقيقي لحل الدولتين، أليس هذا ما تزعم الحكومة الإسرائيلية أنها تريده؟

* توقفت المفاوضات الأخيرة مع إسرائيل منذ عام. هل ما زلت تؤمن بعملية السلام؟

- بالطبع، هناك حاجة إلى المفاوضات مع إسرائيل. لا يمكن أن نصل إلى حل دون عملية سياسية.

* لم يعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقاء مع الرئيس محمود عباس منذ ذلك الحين..

- ليست مشكلة المفاوضات الافتقار إليها. أرى أنه من المؤسف أن بعد 18 عاما، لم يتضح بعد ما الذي نتحدث بشأنه. نحن نتفاوض على مبادئ أكثر مما نتفاوض على ضمانات وترتيبات، لكن ما نحن بحاجة إليه فعلا هو اتفاقيات صارمة بدلا من ضياع الوقت في الخروج ببيانات مقتضبة.

* على الجانب الآخر، ما زالت إسرائيل مستمرة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبدأ عدد كبير من الفلسطينيين يشعر بأن فكرة الدولة الفلسطينية غير واقعية. هل ما زالت هناك فرصة أمام تنفيذ حل الدولتين؟

- ندرك جيدا أن ما يحدث على أرض الواقع من حقائق معاكسة يبدو ضد الحاجة إلى دولة فلسطينية. لست أؤمن بإمكانية حل الدولتين فحسب، بل بأن على الناس عدم الاندفاع إلى إعلان الفشل، لأنه في هذه الحالة ماذا سيكون البديل؟ هذا سؤال موجه إلى إسرائيل.

* قد يفشل مشروع بناء دولة من دون مفاوضات وعضوية الأمم المتحدة..

- أتفق معك. ربما كنت أول من قال إن أي شيء نقوم به هو خطوة في اتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

* لقد أعلنت إسرائيل أنها ستتخذ إجراءات انتقامية ردا على مبادرة الأمم المتحدة. هل تخشى قيامها بعمل عدواني جديد؟

- إن عدم اللجوء إلى العنف هو خيارنا الاستراتيجي، وهو أمر أعتقد أن له عظيم التأثير. ولن أتخلى عن هذا الطريق. في الوقت ذاته، لدى شعبنا الحق في التعبير عن ذاته. تعبير شعبنا عن حريته ليس جريمة.

* يتطلع الكثير من الفلسطينيين إلى مصر وليبيا، حيث نجح الشعبان في الحصول على الحرية. قد يسألون أنفسهم لماذا لا يقومون هم أيضا بذلك؟

- بدأ «الربيع العربي» في فلسطين منذ وقت طويل قبل حدوثه في باقي الدول العربية. ما سبب هذه الثورات؟ إنها بسبب مواطنين يطالبون بحقهم من حكوماتهم. هذا بالضبط ما استهدفته في برنامجي منذ عامين: حقوق كاملة للمواطنين، والتحرر، وتشكيل حكومة تعمل لحساب الشعب، لكن ما يشغل بالك أمر مختلف، هو الذين يخرجون إلى الشوارع للتظاهر ضد الاحتلال. إنك لا تتحدث إلى شخص يعارض ذلك. أنا من أشد مؤيدي المقاومة السلمية. إن هذا جزء مما نفعله.

* كيف تحول دون خروج هذه الاحتجاجات عن السيطرة؟

- علي الإجابة عن سؤال آخر هو: لماذا لا تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع المظاهرات التي تحدث من الجانب الفلسطيني بالطريقة التي تتعامل بها مع المظاهرات السلمية في شوارع تل أبيب؟

* يتظاهر مئات الآلاف من الإسرائيليين لأسابيع الآن من أجل تغيير السياسات..

- لا توجد رصاص مطاطي ولا غاز مسيل للدموع في تل أبيب. إذا كان هناك، فأنا متأكد أنهم لم يلقوا علب الغاز المسيل للدموع على أي شخص، فلا أحد يقبل هذا. لا يقبل الإسرائيليون ذلك. إن الاحتلال يقمعنا، لكنه أيضا عدواني تجاه المجتمع الإسرائيلي.

* تهدد إسرائيل بوقف تحويل أموال الضرائب والجمارك إلى السلطة الفلسطينية إذا استمرت في إجراءات طلب عضوية الأمم المتحدة.. ويمكن أن ينفد ما لديك من أموال قريبا..

- نحن في أزمة. من الصعب دفع الرواتب حاليا.

* هل ستنهار السلطة الفلسطينية إذا منعت إسرائيل تدفق المال إليها؟

- نحن بالفعل نقلص من ميزانيتنا من أجل الحد من الاعتماد على المساعدات. يستغل البعض الأزمة كدليل على عدم إمكانية قيام دولة فلسطينية، حيث يقولون إنهم لا يملكون الأموال اللازمة لدفع الرواتب، لكن هناك عدد كبير من الدول، طوال العقود الماضية، كان عليها التعايش مع أزمات مشابهة. هل هذا يعني أنها غير مؤهلة لتكون دولا؟ بالطبع لا.

* إنه العام الرابع لك كرئيس للوزراء، لكنك لم تُنتخب. هل ترى فلسطين دولة ديمقراطية؟

- أرى نفسي ديمقراطيا.. لذا كنت متحمسا عندما تم التوصل إلى اتفاق المصالحة بين فتح وحماس لإنهاء الانقسام بينهما. علينا التغلب على هذا الانقسام حتى نصبح دولة ديمقراطية حقيقية.

* هل ستكون هناك حكومة تشارك فيها كل من فتح ممثلة للضفة الغربية وحماس ممثلة لقطاع غزة؟

- لم لا؟ ما الذي بوسعنا فعله؟ هل نقسم الدولة؟ أنا أتطلع إلى اليوم الذي تتم فيه المصالحة.

* خدمة «نيويورك تايمز»