الفلسطينيون العزل يضطرون إلى مواجهة المستوطنين وينجحون

مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية: اللجان الشعبية ردت للناس اعتبارهم وعبرت عن ثقافة رفض الاحتلال والتعامل معه

شبان يلقون حجارة على جنود إسرائيليين (لا يظهرون) قرب قرية بيت أمر في الضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

لم يجد الفلسطينيون العزّل بدا من مواجهة المستوطنين بأنفسهم، بعدما دأبت جموع من المستوطنين المتطرفين، على مهاجمة منازل وأراضي وممتلكات ومقدسات الفلسطينيين، في تجمعات مختلفة في الضفة الغربية، عادة ما تكون قريبة من المستوطنات.

وجرب الفلسطينيون، هذا الأسبوع، تشكيل لجان شعبية لحراسة القرى النائية التي طالما تعرضت لهجمات متكررة، وتضاعفت عشية تقديم الفلسطينيين طلب عضوية الدولة في الأمم المتحدة، وتصدوا لمستوطنين ودحروهم عدة مرات، وهو ما قاد إلى توسيع وتعميم التجربة.

وقال غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، لـ«الشرق الأوسط»: «عليهم أن يعلموا أن الواقع تغير الآن». وأردف: «المستوطنون كانوا يلجأون إلى مهاجمة القرى والناس نيام، أما الآن فالكل بانتظارهم، هذا هو الذي تغير في واقع الأمر». وتابع: «إنهم جبناء، ولا يجرؤون على مهاجمة الناس وجها لوجه، ومن هنا انطلقنا».

وفي اليومين الماضيين فشل المستوطنون في مهاجمة قرى قريبة من نابلس، كما جرت عليه العادة، بل نجح حراس القرى في اعتقال مستوطنين لبعض الوقت قبل أن يطلقوا سراحهم، غير أن ذلك لم يكن رادعا كافيا للمستوطنين الذين كثفوا، أمس وأول من أمس، من هجماتهم التي بدت انتقامية أكثر وأكثر.

وأطلق مستوطنون النار على منازل في قرية بورين القريبة من نابلس، وحاولوا مرارا اقتحام قرية عورتا هناك، فيما راح آخرون يدهسون الفلسطينيين في بيت لحم (جنوب) وبلدة جماعين (شمال)، وقد أصيب عدد من الفلسطينيين في حوادث السير.

كما أقدم المستوطنون على تقطيع نحو 500 شجرة زيتون ولوز، عمرها أكثر من 11 عاما، من أراضي قراوة بني حسان ودير إستيا القريبة من الخليل، وأضرموا النار في أراضي المواطنين المزروعة التي عزلها الجدار شمال قلقيلية، في وقت شقوا فيه طريقا ترابيا بمحاذاة مستوطنة «سوسيا» المقامة على أراضي الفلسطينيين جنوب الخليل، في محاولة لتوسعة المستوطنة.

وحذر الفلسطينيون من استمرار هذه الهجمات في ظل القرار الذي اتخذه مستوطنون بتصعيد «الانتقام» من الفلسطينيين، عشية توجه القيادة الفلسطينية إلى مجلس الأمن.

وقال دغلس: «لا نعرف كيف ستتطور الأمور.. علينا الانتباه».

وأمام ذلك، أطلقت اللجنة التنسيقية للمقاومة الشعبية، حملة «نرفض الموت بصمت»، في أكبر وأوسع تحرك شعبي للتصدي لاعتداءات المستوطنين على الأهالي الآمنين.

وأعلن منسق اللجنة محمد الخطيب، من على نبع مياه مصادر من قبل مستوطني مستوطنة «حلميش» المتاخمة لقرية النبي صالح، شمال غربي رام الله، عن الحملة التي جاءت «في إطار التوجهات الشعبية لمواجهة الهجمة الشرسة المنظمة، التي يشنها المستوطنون على المواطنين».

ويهدف المشروع، بحسب الخطيب، إلى إرهاب المستوطنين من جهة، ومنح الفلسطينيين الطمأنينة المفقودة من جهة أخرى.

واضطر الفلسطينيون للدفاع عن أنفسهم بأيديهم، بعدما رفضت السلطات الإسرائيلية التدخل بشكل مباشر وحماية الأهالي هناك من هجمات المستوطنين، في وقت وقفت فيه السلطة عاجزة عن تقديم الحماية لهم، بسبب منعها من دخول المناطق المصنفة «ج»، وفق اتفاق أوسلو الذي ينص على أن السيطرة الأمنية فيها تبقى لإسرائيل.

وقال دغلس: «تشكيل اللجان تم بعد تكرار هجمات المستوطنين بشكل مكثف، ومن دون وجود أي رادع». وأضاف: «أصبحنا نخشى على حياة الناس أكثر وأكثر، وعلى ممتلكاتهم التي طالما هوجمت ودمرت، فتقرر التصدي لهم ومنعهم من دخول القرى».

وحظيت اللجان الشعبية بموافقة السلطة الفلسطينية، التي تعهدت بمنع خروج مسيرات فلسطينية نحو المستوطنات، كما تعهدت، في الوقت نفسه، بحماية الفلسطينيين في المناطق التي تسيطر عليها، من هجمات المستوطنين الذين كانوا هددوا بهجمات ومسيرات في هذه الأيام.

وقال الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية، عدنان الضميري، أمس: «إن قوى الأمن لن تسمح بأي شكل من أشكال النشاط الذي يؤدي إلى فلتان أمني، كما لن تسمح بالخروج من المناطق التي تقع تحت سيطرتها الأمنية إلى مناطق الاحتكاك مع إسرائيل والمستوطنين»، وأردف: «كما سنتصدى لأي محاولة من قبل المستوطنين لاقتحام المناطق التي تقع تحت سيطرتنا، لأن هذا حق مشروع».

ونفى الضميري ما يبثه الإعلام الإسرائيلي من وجود تنسيق أمني مشترك لمواجهة تبعات سبتمبر (أيلول)، وقال: «هم من يرفضون التنسيق الأمني، ونحن من بحاجة لحماية، وليس المستوطنون المسلحون والمدججون بالسلاح».

وخلف هذا الكلام، مع دعم السلطة لتشكيل اللجان الشعبية، حالة من الفرح والطمأنينة لدى الأهالي في القرى الصغيرة.

وعقب دغلس: «اللجان ردت للناس اعتبارها.. إنها تعبير حقيقي لثقافة رفض المحتل والتعامل معه».