مصر: فوضى في بعض المدارس.. والعنف ينتقل لأولياء الأمور

استمرار إضراب المعلمين

TT

بيت أمير الشعراء أحمد شوقي الشهير «قم للمعلم ووفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا»، تحول إلى مرثية مرة يرويها مشهدان متضادان، تلمسهما عند الاقتراب من مدرستين شهيرتين متجاورتين بالجيزة (جنوب القاهرة)، «السعيدية» الثانوية و«الجيزة» الإعدادية، فبينما تضرب الفوضى الأولى، تنتظم العملية الدراسية في الثانية، بعد أيام أربعة من بدء العام الدراسي لهذا العام في مصر، وهو نفس الموعد الذي بدأ فيه المعلمون إضرابهم عن العمل احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالبهم الفئوية.

وبينما يتخذ المعلمون من فناء المدرسة الأولى مكانا لإضرابهم؛ يقف «أحمد» الطالب بالصف الثالث الثانوي مع مجموعة من زملائه أمام باب مدرستهم، يتلقى إجاباتهم عن سؤاله «حنروح فين؟»، بعد «مِرواح» (مغادرة) الطلاب الإجباري من المدرسة، في ظل امتناع المعلمين عن دخول الفصول. يتفق الزملاء على الذهاب إلى «السينما». بينما يبرر أحد المعلمين من وسط الفناء موقفه بقوله: «من أيام أفلام الفنان نجيب الريحاني نرى المعلم يعاني من قلة راتبه، يعني كفاية ظلم للمعلمين، لأنهم المفروض يكونون أعظم فئة في المجتمع، لكن مشكلتنا مستمرة منذ سنوات». تفتح المدرسة أبوابها على مصراعيها، وعلى مقربة منها وقف مجموعة من الطلاب يتهامسون كيف فوجئ وزير التعليم في زيارته للمدرسة، أثناء جولة تفقدية ثالث أيام العام الدراسي بهتافات ضده من قبل العاملين بالمدرسة، مما اضطره للخروج السريع، والذهاب لجارتهم، والتي قدم فيها مكافأة شهرا لانضباط العملية التعليمية بها.

في جانب آخر طلاب آخرون أخذوا في الشجار مع بعضهم بعضا، تظهر من خلفهم سيدة أربعينية، والدة أحد طلاب المدرسة، وهي تتمتم بأحد الأمثال الشعبية «صحيح اللي اختشوا ماتوا»، انتقادا منها لموقف المعلمين. وأضافت بغضب بينما التفت جمع الطلاب إليها: «المعلمون بدأوا دروس خصوصية من أجازة الصيف وكلهم مزودين الأسعار، ومفيش حد بيرحم، وفي النهاية عاملين إضراب الصبح وبعد الضهر يتفرغوا للدروس الخصوصية».

سارع إلى الحديث ولي أمر أحد طلاب المدرسة الإعدادية، بعد أن اطمأن على انتظام الدراسة بها: «نسبة كبيرة من المعلمين مش هيوردوا على جنة بسبب جشعهم في الدروس الخصوصية، والنوم في المدرسة أثناء الحصة الميري اللي ببلاش». يتفق الاثنان على أن الدروس الخصوصية تقتطع جزءا كبيرا من رواتبهم. وهو ما تؤكده دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ مشيرة إلى أن الأسرة المصرية تنفق 33 في المائة من إجمالي إنفاقها الكلي على التعليم في الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية. «الدروس الخصوصية وَحش بالنسبة لنا نحن الموظفين المطحونين»، يقول ولي الأمر، فيما تتابع السيدة: «المدرسين أصحاب عمارات، واحنا بيوتنا خربت علشان العيال تنجح». ويشير استطلاع للرأي أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري قبل عامين إلى أن الدروس الخصوصية تلتهم سنويا ما بين 12 و15 مليار جنيه من ميزانيات الأسر المصرية، التي تلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين. كاشفا أن 60 في المائة من الأسر التي لديها أبناء في مراحل التعليم قبل الجامعي تعاني من ظاهرة الدروس الخصوصية.

ينصرف وليا الأمر بعد كلماتهما التي نفست بعضا من غضبهما. لكن في أماكن أخرى لم يقتصر انتقاد المواطنين على الكلمات فقط، بعد أن شهدت المحافظات المصرية على مدار الأيام الماضية مواجهات بين أولياء الأمور والمعلمين المضربين، والتي دفعت أولياء أمور بمدينة أهناسيا بمحافظة بني سويف (120 كيلومترا جنوب القاهرة) لاقتحام مقر الإدارة التعليمية وإشعال النيران فيه احتجاجا على إضراب المعلمين في 75 مدرسة من إجمالي 113 مدرسة بالمدينة.