نجاد يسعى لترويج صورته كـ «معتدل» ضد المتشددين

استغل قضية المعتقلين الأميركيين ليظهر مناوئيه ورجال الدين «متعنتين ورجعيين»

أحمدي نجاد لدى وصوله إلى نيويورك أمس لحضور اجتماعات الدورة الـ 66 للجمعية العامة في نيويورك (أ.ب)
TT

سبب إعلان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي أنه سيعفو عن متسلقي الجبال الأميركيين الاثنين المحتجزين، ثم رفض الهيئة القضائية لذلك في اليوم التالي، حرجا دوليا له في الوقت الذي يسعى فيه لعلاقات أفضل مع الغرب.

وقد ذكر محللون سياسيون إيرانيون أن هذه الحادثة خطوة سياسية تم التخطيط لها بعناية وتهدف إلى مساعدة أحمدي نجاد داخليا، وذلك من خلال إظهار منافسيه في المؤسسة الدينية في الجمهورية الإسلامية كأشخاص متعنتين ورجعيين، في حين تظهره هو بمظهر العاقل.

وقال أمير محبيان، وهو مخطط استراتيجي سياسي لديه علاقات حسنة بالقادة الإيرانيين: «يحاول أحمدي نجاد تغيير نظرة أفراد الطبقة الوسطى داخل إيران إليه. إنه يقول لهم: أنا لست متطرفا مثل رجال الدين. إنني مثلكم تماما». وتأتي زيارة أحمدي نجاد إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة على خلفية الجدل الدائر حول قضية متسلقي الجبال، حيث من المقرر أن يتحدث يوم الثلاثاء. وقد صرح أحمدي نجاد لمراسلين لصحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إن بي سي» الإخبارية الأسبوع الماضي أن شين باور وجوشوا فتال اللذين يبلغ عمرهما 29 عاما، وتم حجزهما في إيران لمدة عامين بتهمة التجسس، سوف يحصلان على «عفو من جانب واحد» وسيعودان إلى الوطن «في غضون أيام».

في اليوم التالي، قامت الهيئة القضائية الإيرانية، التي يترأسها رجال الدين الشيعة والتي كانت تدعم أحمدي نجاد ذات مرة، لكنها تعاديه الآن، باتخاذ رد فعل غاضب مؤكدة على أن أحمدي نجاد ليس لديه سلطة إطلاق سراح الرجلين. وقامت الهيئة القضائية بإرجاء عملية إطلاق السراح هذه، مطالبة بمبلغ مليون دولار كفالة.

وفي يوم الأحد، تأخرت عملية إطلاق سراح الرجلين مرة أخرى لأن أحد القضاة الذي يلزم توقيعه لإتمام إجراءات الكفالة كان في عطلة.

وفي خطوة تؤكد عدم رغبتها في المساومة، رفضت الهيئة القضائية السماح لوفد من قادة دينيين أميركيين ومسلمين أميركيين بزيارة باور وفتال، رغم قيام أحمدي نجاد بدعوتهم للقدوم إلى إيران للمساعدة في عودة السجينين للولايات المتحدة. وقد ضم الوفد الكاردينال ثيودور ماك كاريك، رئيس الأساقفة الفخري لولاية واشنطن وجون بريسون شين، أسقف ولاية واشنطن ونهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية بواشنطن؛ والسيناتور لاري شو، رئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية وعضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية نورث كارولينا.

وغادرت هذه المجموعة إيران صباح الاثنين بعد ستة أيام من مشاهدة معالم المدينة والاجتماع بقادة سياسيين ودينيين، لكن دون أن يتمكنوا من الوصول إلى باور وفتال. وقد تم إلقاء القبض على الاثنين مع امرأة أميركية ثالثة، هي سارة شورد التي أطلقوا سراحها العام الماضي مراعاة لحالتها الصحية، أثناء تنزههم بالقرب من الحدود بين العراق وإيران في يوليو (تموز) عام 2009. وقد تمت إدانة باور وفتال بالتجسس الشهر الماضي في محاكمة مغلقة وحُكم عليهما بالسجن لمدة ثمانية أعوام. وذكرت عائلاتهما وحكومة الولايات المتحدة أن تهم التجسس غير حقيقية.

ويؤكد الجدال حول هذه القضية تزايد ثورة أحمدي نجاد داخل القيادة الإيرانية. وقد تزايد دوره الجديد بصورة علنية عندما تصادم مع المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، حول إجبار وزراء بارزين على الاستقالة. ومنذ ذلك الحين وهو متورط في صراعات علنية مع رجال الدين الذين يحكمون الدولة، والذين يقولون إن أحمدي نجاد والدائرة المحيطة به من المستشارين يخططون للحد من نفوذهم.

وأن دعوة أحمدي نجاد لإطلاق سراح الأميركيين كانت في إطار جهد أكبر لاستعادة صورته أمام شعبه كإصلاحي يجرؤ على مواجهة قادة رفيعي المستوى في الجمهورية الإسلامية، بحسب ما ذكر محللون. ويأمل أحمدي نجاد بهذه الطريقة أن يتمكن من الحصول على دعم أفراد الطبقة المتوسطة من الإيرانيين، بدءا من سائقي الحافلات وحتى الأطباء، الذين يطالبون بمزيد من الحريات وعلاقات أفضل مع العالم وتدخل أقل من جانب الدولة في حياتهم الخاصة.

وقد كان أحمدي نجاد يحاول بنشاط تعزيز صورته الجديدة من خلال التشكيك بصورة عامة في بعض المبادئ الأساسية في الجمهورية الإسلامية، موضحا معارضته للفرض الصارم لحجاب الرأس الإسلامي الذي يجب على النساء ارتداؤه. كما تحدث علانية عن معارضته لمشروع الحيوانات الأليفة لرجال الدين الإيرانيين، والفصل بين الطلاب الذكور والإناث في الجامعات علاوة على استمراره في دعم مستشاره الأكثر إثارة للجدل، إسفنديار رحيم مشائي. وقد وصف رجال الدين المتشددون مشائي بالـ«مشعوذ والصهيوني والماسوني»، فضلا عن أوصاف أخرى، لأنه قال إن الانتماء القومي لإيران أكثر أهمية من الانتماء للمذهب الشيعي.

وتعد الانتخابات البرلمانية، التي من المقرر إجراؤها في مارس (آذار) عام 2012، تدريبا للانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد عام من ذلك، ومن المتوقع بصورة شديدة أن يقوم أحمدي نجاد بدفع مشائي ليكون خليفة له. وكان أحمدي نجاد قد فاز بفترة رئاسية أخرى في الانتخابات التي كانت محل خلاف عام 2009 ولا يستطيع أن يترشح مرة أخرى نتيجة للقانون الإيراني الذي يمنع الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

لكن يعد جذب أصوات الطبقة الوسطى نحو خليفة مختار تحديا لأحمدي نجاد، فبعد فوزه في انتخابات عام 2009، انضمت الطبقة الوسطى الإيرانية إلى مظاهرات غير مسبوقة في الشوارع تندد بتزوير الانتخابات، ثم تحولوا بعد ذلك ضد رجال الدين من القادة. وقد أسفرت هذه المظاهرات عن قتل العشرات واعتقال الآلاف. وقال محبيان، الذي لا يدعم الرئيس: «أحمدي نجاد بحاجة الآن إلى أصواتهم، لذا فهو يحاول إيضاح أنه سيدافع عن حقوقهم على الصعيد الدولي غير عابئ بوقوفه ضد المرشد الأعلى».

وسوف يرحب الإيرانيون الذين يحلمون بانفراج في العلاقات الدولية المتوترة بإطلاق سراح باور وفتال كخطوة إيجابية، رغم أن ذلك لا يعني رضاهم عن أحمدي نجاد، بحسب ما ذكره المحللون.

وقال صادغ زيباكالام، عالم السياسة بجامعة طهران: «نعم إن هذه الخطوات تؤدي إلى وصوله إلى أفراد الطبقة الوسطى، لكن لا جدوى من ذلك، لأنه لم تعد لديهم ثقة في أحمدي نجاد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»