أحمد بن بيتور لـ «الشرق الأوسط»: وقت الإصلاحات السياسية ولى.. والمطلوب تغيير نظام الحكم بكامله

رئيس وزراء الجزائر الأسبق: البلاد دخلت منذ 1999 في عهد الحكم الفردي الذي دجن المؤسسات الدستورية

TT

اعتبر رئيس وزراء الجزائر الأسبق أحمد بن بيتور أن وقت الإصلاحات في بلاده «قد ولى، وأن المطلوب اليوم هو تغيير نظام الحكم بكامله»، موضحا أن القيادات العربية أصبحت «تحت ضغط الشارع والمجتمع المدني وحتى ضغط عائلاتهم والمقربين منهم، ممن يطالبون بالإسراع في التغيير قبل فوات الأوان»، وأن الحكومة الجزائرية قد حاولت التكيف مع هذا الوضع المتفجر بطريقتها الخاصة. وحذرها من أنه «لم يعد بمقدورها السيطرة على الوقت»، وبيّن أن «أي نظام تسلطي يحمل في طياته عوامل خرابه».

وقاد بن بيتور الحكومة في بدايات حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (ديسمبر «كانون الأول» 1999 إلى أغسطس «آب» 2000)، واستقال من منصبه بسبب خلاف حادّ مع بوتفليقة حول ما عرف بـ«وزراء الرئيس الأقوياء»، الذين شكلوا آنذاك حكومة موازية للتي كان يقودها بن بيتور، وهم وزير الطاقة ووزير الخوصصة ووزير المالية.

ولم يسبق لابن بيتور أن ناضل في أي حزب، فهو رجل عُرف بتحكمه في الملفات الاقتصادية والمالية، ولكنه أطلق العام الماضي مشروعا سياسيا سماه «التحالف من أجل التغيير الوطني»، وأصبح بواسطته من أبزر الشخصيات المعارضة لحكم الرئيس بوتفليقة. وفي ما يلي نص الحوار:

* أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي عن إصلاحات سياسية. باستثناء تعديل قوانين الإعلام والانتخابات والأحزاب، إلى أي مدى يمكن للرئيس أن يذهب في إصلاحاته؟

- ليس مهمّا البعد الذي يريد الرئيس بوتفليقة أن يصل إليه بإصلاحاته، لكن وقت الإصلاحات ولى، والمطلوب اليوم هو تغيير نظام الحكم بكامله. وجدير بالذكر أن الجزائر دخلت في إصلاحات بداية ثمانينات القرن الماضي، وتحديدا بعد أحداث الثامن أكتوبر (تشرين الأول) 1988 (ثورة شعبية ضد النظام خلفت مئات القتلى). وكانت تلك الإصلاحات ذات طابع اقتصادي ثم تلتها إصلاحات سياسية بإقرار دستور جديد في 23 فبراير (شباط) 1989. لكن النظام قرر إعادة النظر في الإصلاحات مطلع يناير (كانون الثاني) 1992 وألغى نتائج أول انتخابات برلمانية تعددية بسبب فوز الإسلاميين بها.

ودخلت البلاد بعدها في ما يمكن أن أسميه إصلاحات تدريجية، إلى غاية تعديل الدستور في 1996، ثم جاءت الانتخابات الرئاسية المبكرة عندما قرر الرئيس السابق اليمين زروال اختصار ولايته، وقد صرح حينها أن تخليه عن السلطة هدفه ترسيخ ثقافة التداول على الحكم.

وللأسف عرف مسار الإصلاحات منعطفا سلبيا ولم يكن خادما للديمقراطية، فقد جرت انتخابات الرئاسة 1999 بمرشح واحد (عبد العزيز بوتفليقة)، ودخلت البلاد في عهد الحكم الفردي ، ودجنت المؤسسات الدستورية وبلغ تهميش هذه المؤسسات والدوس عليها أقصاه، بتعديل الدستور في 2008 عندما ألغى بوتفليقة منه ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين، ثم في انتخابات الرئاسة 2009 فاز فيها بوتفليقة بنسبة تفوق 90 في المائة من الأصوات أمام مرشحين لا وزن لهم.

لقد سردت هذه المراحل التاريخية حتى أقول إن الإصلاحات يجري الحديث عنها منذ قرابة 30 سنة، بمعنى أن الجزائر بقيت تراوح مكانها طيلة كل هذه السنين. لهذا أعتقد بأن وقت الإصلاحات ولى، والمطلوب اليوم هو نظام حكم يحظى بتأييد شعبي قوي، وتوفر قيادات سياسية ومسؤولين إداريين واقتصاديين من كفاءات عالية.

* يقول مراقبون إن حرص الحكومة الجزائرية على تحاشي سيناريو شبيه بما جرى في تونس ومصر وليبيا هو الذي دفعها إلى التعهد بالإصلاح. هل توافق هذا الطرح؟

- الفكرة التي كانت رائجة عند الحكام العرب قبل اندلاع الأحداث مفادها أنه بإمكانهم الاستقرار في الخارج والتمتع بجنة الهجرة بفضل الأموال التي أودعوها في الخارج بطرق غير شرعية. وهذه الفكرة كانت قائمة على احتمال أن يصل تدهور الأوضاع في بلدانهم حدا بعيدا. ولكن أكدت أحداث الربيع العربي أن الهروب إلى الخارج لم يعد واردا، وأن القيادات العربية كلها أصبحت تحت ضغط الشارع والمجتمع المدني وحتى ضغط عائلاتهم والمقربين منهم، ممن يطالبون بالإسراع في التغيير قبل فوات الأوان. وقد حاولت الحكومة الجزائرية التكيف مع هذا الوضع المتفجر بطريقتها الخاصة، ولكني أحذرها من كونها لم يعد بمقدورها السيطرة على الوقت.

* كيف تقرأون الوضع العام في الجزائر على خلفية ما يجري في عدة بلدان عربية، خصوصا على صعيد المطالبة بالحريات؟

- لقد تعرض العالم العربي للاستعمار والحماية في القرنين الـ19 والـ20، وانتفضت الشعوب المستعمرة في وجه الاحتلال بتفجير ثورات مسلحة ضده في خمسينات القرن الماضي، وانتهت الثورات إلى استقلال الشعوب العربية التي لم تتمتع قط بالحرية. وجاءت الثورة الديمقراطية في السبعينات، التي بدأت من أوروبا الجنوبية وتحديدا إسبانيا والبرتغال واليونان، ثم بعدها ثورة الديمقراطية في بلدان أميركا اللاتينية وبعض بلدان آسيا، وانخرط الاتحاد السوفياتي في هذا المسار ومعه بلدان أوروبا الشرقية. والتحق جزء من بلدان أفريقيا به في أواخر الثمانينات والجزء الآخر في أواخر التسعينات.

لكن الذي حدث أن العالم العربي صُدم بسبب كبح الحركية الديمقراطية التي عاشتها أجزاء هامة من المعمورة، ودخلت غالبية البلدان العربية في ركود اقتصادي وتخلف ديمقراطي. وما نعيشه في العالم منذ سنوات قليلة يشبه يقظة سياسية عالمية وصلت رياحها إلى البلدان العربية، بدءا من تونس. ولا أتصور أن يبقى أي بلد بمنأى عن هذا التيار الجارف الذي يستمد قوته من الثورة التكنولوجية الجديدة. وبطبيعة الحال لا يمكن للجزائر أن تظل بعيدة عن هذا المسار.

* أطلقتم مشروعا للتغيير يقوم على تداول السلطة. هل يمكن شرحه؟

- بعد أن درست أوضاع الجزائر بتأنٍّ وأجريت ملاحظة على تجارب البلدان التي سبقتنا إلى التغيير، انتهيت إلى ثلاث فرضيات. الفرضية الأولى أن أي نظام تسلطي يحمل في طياته عوامل خرابه. ولكن ولتوفر الأسباب يصبح الانحدار نحو الخراب طويلا في الزمن، وفي ظل هذه الوضعية تنشأ أمراض في المجتمع تتمثل في غياب الأخلاق وتفشي الفساد واتساع دائرة الفقر.

الفرضية الثانية هي أن التغيير في تجارب الآخرين لم يأت من داخل النظام ولا مما هو تحت سيطرة النظام، وأعني بذلك عندنا الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية، سواء أحزاب «التحالف الرئاسي» أو أحزاب المعارضة، وأقصد أيضا تنظيمات المجتمع المدني التي تدور في فلك السلطة. وفي الواقع لا يأتي التغيير إلا بتوفر ثلاثة شروط: أولا ضغط قوي يتزايد مع الوقت، يمارسه المجتمع المدني بهدف المطالبة بتغيير نظام الحكم بكامله. ثانيا بناء حلف استراتيجي بين كل القوى المطالبة بالتغيير. ثالثا ترقب حادثة تهز المجتمع شبيهة بحادثة الشاب البوعزيزي في تونس.

والفرضية الثالثة والأخيرة هي أن الدولة الجزائرية تتوفر على كل أعراض الوهن والضعف، وهي بصدد التوجه إلى الانحطاط التام. لذلك على من يريد التغيير أن يبتكر منهجية جديدة في العمل السياسي، ويراهن على الوسائل الحديثة التي تقود إلى التغيير، وعلى القوى الجديدة في المجتمع، وهذا ما قمت به أنا بالاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة في نشاطي السياسي.

* هل تطرحون أنفسكم بديلا للرئيس بوتفليقة في انتخابات الرئاسة المنتظرة في 2014؟

- عندما تتسارع الأحداث يصبح الحديث عن انتخابات 2014 سابقا لأوانه. وعلى أية حال أنا أعمل أساسا من أجل تغيير نظام الحكم ولا أطمح إلى السلطة.

* أثار موقف الجزائر من الصراع في ليبيا جدلا كبيرا. البعض يراه غامضا وآخرون يجدونه منحازا إلى الزعيم المخلوع معمر القذافي، بينما تقول الحكومة إنها التزمت الحياد. كيف تقيمونه أنتم؟

- عندما نتحدث عن ضعف الدولة فالدبلوماسية الجزائرية جزء من هذا الضعف. ولمن لا يعرف، أقول إن الجزائر هي من ابتكر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين في سبعينات القرن الماضي المبدأ القائل بأن الحياد أمام الظالم والمظلوم هو انحياز للظالم. وما كان على الدولة الجزائرية أن تنسى أن الشعب الليبي وحكومته وقيادته قدموا دعما قويا للثورة الجزائرية (1954–1962) في كل مراحلها. وخوفي كبير من تداعيات الأوضاع في ليبيا علينا في الجزائر، بسبب عدم قدرة السلطة الجديدة في طرابلس على تجنيب المنطقة نفوذ القوى الكبرى الأجنبية التي ساعدتها على الوصول إلى الحكم، على حساب الثوار الذين نجحوا في إحداث التغيير في البلاد.