خادم الحرمين: لن نرضى المساس بقيمنا الراسخة ومحاولة تغير وجداننا الوطني

في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير نايف في افتتاح مؤتمر ظاهرة التكفير

النائب الثاني لدى افتتاحه مؤتمر ظاهرة التكفير بالمدينة المنورة أمس (واس)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن بلاده عانت من مجازفات التطرف والتكفير، حتى تطور الأمر إلى الأعمال التخريبية، والإفساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل ومكرا بالليل والنهار في مد من الضلال، مشددا على أنه كان «لا بد لنا من مواصلة التصدي له، ومناجزته بكل قوة وحزم».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي نيابة عن خادم الحرمين الشريفين أمام المشاركين والحاضرين لافتتاح فعاليات مؤتمر «ظاهرة التكفير، الأسباب، الآثار، العلاج» الذي انطلق مساء أمس في المدينة المنورة.

وبين الملك عبد الله أنه قد غرر البعض بأبناء هذه البلاد من قبل فئات «نعلم ما وراءها من إرادة السوء بهذه البلاد، فضلا عن فئة أخرى تتلقف ما يرد على فكرها من نظريات التطرف والضلال»، وقال «وحسبنا أن مجتمعنا الإسلامي ينبذ بفطرته السليمة الأفكار الضالة، والأساليب المتطرفة، ولن نقبل بأي فكر ينال من ثوابتنا التي انعقد عليها وجدان كل مواطن فينا»، مشددا على أن السعودية لن تصادر أحدا في حرية فكره، «ما دام في إطاره المعتدل، وعليه فلن نرضى المساس بقيمنا الراسخة ومحاولة تغير وجداننا الوطني، المتآلف على فطرته السوية، ونهجه الوسطي المعتدل، من قبل أي إنسان، فهذا هو دستورنا، وهذه هي عقيدتنا»، مشيرا إلى أنه سيتم مواصلة ملاحقة فئة الضلال والفساد. وفيما يلي نص الكلمة:

«الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يسرني أن أخاطبكم في هذه المناسبة المباركة، على هذا الثرى الطيب، وقد انتظم عقد علمائها ومفكيرها للتباحث حول موضوع في غاية الأهمية، حفلت به نصوص الشريعة الإسلامية تحذيرها وتنديدا وتنكيلا.

أيها الإخوة الكرام: إن اجتماعكم اليوم على محاور هذا المؤتمر العالمي عن ظاهرة التكفير، الذي نستشرف نتائجه وتوصياته، يعد في طليعة الأعمال الملحة، حيث الحوار قائم ومرتكز على الكتاب والسنة، الذي حذر أشد التحذير من الانزلاق في مسائل التكفير بغير علم ولا هدى، وهو مسلك فئة ضلت سواء السبيل، وانحرفت عن جادة الحق، التي بينها لنا أهل العلم، على أصول الشريعة وقواعد الإسلام، فلم يتركوا في هذا زيادة لمستزيد، ولا ثغرة لمستدرك، وهم الذين نفوا عن كتاب الله تحريف المغالين، وتأويل الجاهلين. ورُب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل علم يكون له فتنة، ومن يُرِد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.

أيها الإخوة الكرام: إن من استقرأ تاريخنا الإسلامي، واستنطق فصوله ومشاهده، واضطلع على أسباب قبول الإسلام والتصالح معه عبر التاريخ، يعلم الحقيقة، ويدرك مكامن وأسرار هذا الدين القويم، الذي نهى شرعنا الحنيف عن الغلو والتطرف فيه، والتقول على شرع الله بالكذب، أو التأويل أو التكلف، فمصرع الجميع في هذا واحد، وإن اختلف المخرج والمقصد. لقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم، الغلو في الدين) وهذا الغلو هو مدخل ضلال الناس، وخروجهم عن الإطار الشرعي، والمحكم لدين الله، الذي استقر بحمد الله في قلوب العالمين علما وإدراكا.

إن هذا الانتشار لدين الإسلام بعالميته ونبل مقاصده، لم ولن يكون بمفاهيم التطرف والغلو وأدوات التخريب والتدمير والاعتداء على النفوس البريئة التي قال الله تعالى في مقترف جرمها «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا»، وقال تعالى: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالد فيها غضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما»، وقال صلى الله عليه وسلم «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة». ولا يشك مسلم أدرك حقيقة الإسلام أن الاعتداء على النفوس البريئة بالتأويلات الفاسدة يتحقق في قول رسولنا صلى الله عليه وسلم حيث قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».

إن ما نطرحه في هذا الشأن هو بيان وتبرئة لفكرنا الإسلامي الأصيل، واعتدال منهجه وسمو مقصده، ويكفي أن من لا يدين بدين الإسلام بوسطيته واعتداله، قد اكتوى بأدوات التطرف لديه، وهي المحسوبة على فكره ومنهجه، فالتطرف لا وطن له ولا دين، ونحن نؤكد من وحي شرعنا العظيم أن دين الله الوسطية بين الغالي فيه والجافي عنه، وهو معنى قول الحق سبحانه «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «هلك المتنطعون».

لقد أرسل الله تعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا ونذيرا، وبعثه بالحنيفية السمحة وبالرحابة والسعة، وبمكارم الأخلاق والعفو والصفح والرحمة بالناس، وإحسان الظن بهم، حتى قال بعض السلف «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك، سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا، فكيف إذا ارتد السوء إلى التفسيق ثم التكفير، وعلى اثره القتل والتدمير، وهي حلقات متصلة يجر بعضها بعضا.

أيها الإخوة الكرام: لقد حذرت شريعة الله من التساهل في الحكم على الآخرين في أمور يسيرة لا تبلغ حد التفسيق، فضلا عن التكفير، حتى ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما» وهذا الحكم الشرعي في منتهى الخطورة، وحري بالمراجعة والعظة، وإذا كان سباب المسلم فسوقا، فكيف بتكفيره؟ والمتأمل في الشروط والضوابط التي أوضحها علماؤنا في مسائل التكفير يقف أمام حواجز وموانع بالأدلة الشرعية تمنع من الانزلاق في هذا المنحدر الخطير.

لقد عانينا كما عانى غيرنا من مجازفات التطرف وضلال الفكر، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، فلن يضرونا فيه إلا أذى، كما قال سبحانه وتعالى «لن يضروكم إلا أذى»، لكن تطور هذا الأمر إلى أعمال تخريبية، إفسادا في الأرض وإهلاكا للحرث والنسل ومكرا بالليل والنهار في مد من الضلال، لا بد لنا من مواصلة التصدي له، ومناجزته بكل قوة وحزم، ولن نفرح في هذا بشيء، كما نفرح بهداية من ضل سواء السبيل، وهو منهجنا مع كل موقوف على ذمة هذه القضايا، ومن جانب الصراط السوي وكابر الحق ورده، فمرده إلى الشرع المطهر الذي نعتز بتحكيمه والاهتداء بهديه.

لقد غرر ببعض أبنائنا فئات نعلم ما وراءها من إرادة السوء بهذه البلاد، فضلا عن فئة أخرى تتلقف ما يرد على فكرها من نظريات التطرف والضلال وحسبنا أن مجتمعنا الإسلامي ينبذ بفطرته السليمة الأفكار الضالة، والأساليب المتطرفة، ولن نقبل بأي فكر ينال من ثوابتنا التي انعقد عليها وجدان كل مواطن فينا، ولن نصادر أحدا في حرية فكره، ما دام في إطاره المعتدل، وعليه فلن نرضى المساس بقيمنا الراسخة ومحاولة تغير وجداننا الوطني، المتآلف على فطرته السوية، ونهجه الوسطي المعتدل، من قبل أي إنسان، فهذا هو دستورنا، وهذه هي عقيدتنا، وسنكون مع غيرنا أرحب من غيرنا بنا، والأيام دلائل وشواهد على أقوالنا وأفعالنا، وسنكون في مجتمعنا الدولي أداة سلم وسلام وبر وصلة ووئام ندعو بخير البشرية ونعادي مد الشر ونقاومه، ونبرأ إلى الله من أي قول أو فعل يحسب على مفاهيمنا ونحن منه براء، وسجلنا مفتوح لكل طالب حق منصف متجرد، ولقد عانينا مثل غيرنا من أضرار ومفاسد الفكر الضال، ولن يهدأ لنا بال حتى يستقيم على الطريقة، أو نستأصله من أرضنا الطاهرة، فلا مكان بيننا لهذا العنصر الدخيل، أما قضايانا الاجتماعية الأخرى فهي في دائرة الحوار والنقاش بين أبناء الوطن الواحد، وغالب الأطروحات في هذا لا تخرج عن أن تكون قضايا اجتماعية يقررها المجتمع السعودي، ولها الصدارة في النفس. وسيكون كل متسبب في فتح أبواب التيه المهلك على محك السؤال والحساب، دنيا ودين، والله خسيب وطليب كل ضال مضل وفاسد مفسد.

وسنواصل بعون الله ملاحقة فئة الضلال والفساد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ونسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، ويدلنا على خير أمرنا، ويلهمنا رشدنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، كما أسأل الله تعالى أن يسددكم، ويبصركم في أعمال هذا المؤتمر، ويجعل التوفيق والصواب حليفكم، والاحتساب مقصدكم، ولا يحرمكم الأجر والثواب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وكان في استقبال النائب الثاني لدى وصوله مقر الحفل يرافقه الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز مستشار النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ومساعد وزير الداخلية للشؤون العامة، الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة، والأمير سعود بن عبد العزيز بن ماجد، والأمير عبد الله بن عبد العزيز بن ماجد.

كما كان في استقبال النائب الثاني، مستشار النائب الثاني أمين عام جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة رئيس الهيئة الإشرافية العليا للمؤتمر الدكتور ساعد العرابي الحارثي، ومدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان أبا الخيل، ووكيل إمارة منطقة المدينة المنورة سليمان بن محمد الجريش، والمدير التنفيذي لجائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة الدكتور مسفر البشر.

وقد سيطرت مطالبات المشاركين في المؤتمر الدولي لظاهرة التكفير بالمدينة المنورة أمس، على ضرورة أن يكون حكم التكفير بكامله منوطا بالحاكم، أو من ينيبه فقط، وأن التكفير لا يثبت إلا بالشرع، ولا دخل فيه للاجتهاد إلا بقياس صحيح مكتمل الشروط، بدليل قطعي من قبل العلماء المزكين.