واشنطن تبدأ استعدادها لسوريا.. من دون الأسد

مسؤول أميركي: هناك إجماع حقيقي على أن الأسد تجاوز كل الحدود ووصل إلى مرحلة الخطر

طلاب في حلب يتظاهرون أمس (أوغاريت)
TT

مع ازدياد اقتناعها بأن الرئيس السوري بشار الأسد لن يتمكن من البقاء في السلطة، بدأت إدارة أوباما وضع خطط للسياسة الأميركية في المنطقة بعد أن يتنحى الأسد. وبالتنسيق مع تركيا، تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى السبيل الأمثل للتعامل مع إمكانية نشوب حرب أهلية بين العلويين والدروز والمسيحيين والسنة، وهو صراع ربما يؤدي إلى سرعة إشعال الاضطرابات الأخرى في منطقة غير مستقرة بالفعل.

وعلى الرغم من قيام دول أخرى بسحب سفرائها من دمشق، فإن مسؤولين في إدارة أوباما ذكروا أنهم لن يقوموا بسحب السفير الأميركي، روبرت فورد، رغم المخاطر، وذلك حتى يتمكن من التواصل مع قادة المعارضة وممثلي الطوائف الدينية المختلفة.

كما يواصل مسؤولون في وزارة الخارجية الضغط على قادة المعارضة السوريين للتوحد من أجل إسقاط حكومة الأسد، وبناء حكومة جديدة.

وتبدو الإدارة الأميركية عاقدة العزم على تجنب تكرار ما حدث في أعقاب الغزو الأميركي للعراق. وعلى الرغم من أنها لم تأل جهدا في الإطاحة بصدام حسين، فإن كثيرين من خبراء السياسة الخارجية يذكرون الآن أن هذا العمل جاء على حساب التخطيط المفصل حول كيفية إدارة الفرق المتناحرة في العراق بعد التخلص من صدام حسين.

وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية إن تخلي تركيا والمملكة العربية السعودية والدول الأوروبية عن الأسد سوف يؤدي إلى ازدياد عزلته، خاصة بعد أن أصبح جيشه أكثر إجهادا نتيجة للقمع الأمني الطويل الذي يمارسه. وذكر مسؤول آخر في الإدارة الأميركية أنه بذهاب 90 في المائة من صادرات النفط السوري إلى أوروبا، وإغلاق السوق الأوروبية أمام دمشق، ربما يؤدي ذلك إلى إعاقة الاقتصاد السوري وقد يشكل ضغطا إضافيا على حكومة الأسد.

وقال راي تقية، باحث بارز في قسم دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية ومسؤول سابق في إدارة أوباما: «بالعودة إلى التسعينات، نجد أنه إذا أرادت سوريا أموالا وتجارة وقروضا ولم تستطع الحصول عليها من الولايات المتحدة، فهي تلجأ إلى الأوروبيين». والآن، بحسب تقية، «انضمت أوروبا إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على الصادرات السورية، بما في ذلك قطاع النفط الحيوي بالنسبة لها».

وبعيدا عن إيران، كما أضاف، تكون هناك قلة من الحلفاء الذين يمكن لسوريا أن تلجأ إليهم، «وقد أدرك الصينيون أن نموهم الاقتصادي يعتمد على علاقتهم معنا ومع أوروبا أكثر من اعتماده على بقاء الأسد أو القذافي».

قبل ثمانية أشهر، كان التفكير في سوريا دون وجود فرد من أسرة الأسد على سدة الحكم بعيد المنال تماما كالتفكير في مصر دون حسني مبارك وليبيا دون معمر القذافي. ويعتقد مسؤولون استخباراتيون ودبلوماسيون في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة، أن الأسد ربما لن يتمكن من استخدام القوة لدحر العاصفة المدمرة التي تطرق أبواب دمشق. وقد جاءت الدعوة التي وجهها أوباما الشهر الماضي للأسد للتنحي بعد أشهر من النقاش الداخلي، الذي اشتمل على مناقشات مطولة حول ما إذا كانت سوريا دون وجود الأسد سوف تؤدي إلى قيام حرب أهلية دموية مثل التي التهمت العراق بعد سقوط صدام حسين. وقد أدى هذا التحول إلى قيام الإدارة بالانتقال من مناقشة ما إذا كان عليها أن تطالب بتنحي الأسد، إلى مناقشة كيفية تحقيق ذلك وما الذي ستفعله بعد الإطاحة به.

وقال المسؤول البارز في إدارة أوباما: «هناك إجماع حقيقي على أنه تجاوز كل الحدود ووصل إلى مرحلة الخطر. كما ذكرت وكالات الاستخبارات أنه لن يتمكن من العودة مرة أخرى».

وربما لم يثبت الأسد بعد أنه صامد مثل والده، حافظ الأسد، الذي كان يحكم البلاد قبله. وقال العديد من محللي السياسة الخارجية إنه كلما طالت مدة بقاء الأسد في الحكم، أصبحت البلاد أكثر عنفا، وأضافوا أن هذا العنف ربما يخدم مصالح الأسد، وذلك لأنه يسمح له باستخدامه في تبرير استمرار القمع.

وهناك العديد من العوامل التي تجعل رحيل الأسد عن السلطة أكثر صعوبة من رحيل مبارك في مصر وبن علي من تونس، ربما لأن الولايات المتحدة وأوروبا أصبحوا أكثر حيرة خلال الأسابيع الأخيرة بسبب الأزمات الاقتصادية هناك.

إضافة إلى ذلك، فعندما انفجرت تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن، كانت ثوراتهم داخلية إلى حد كبير. أما انهيار سوريا، فربما يؤدي إلى انفجار خارجي من الممكن أن يؤثر على إيران ولبنان والأردن وإسرائيل والعراق، بحسب خبراء في السياسة الخارجية، خاصة إذا ما أدى إلى حرب أهلية شبيهة بما حدث في العراق.

وقال فالي نصر، مسؤول سابق في إدارة أوباما بوزارة الخارجية ومؤلف كتاب «صحوة الشيعة.. كيف تشكل الصراعات داخل الإسلام والمستقبل»: «يزداد تسليح السنة باستمرار، كما أن الموقف يزيد تباين الصورة. وتقوم إيران وحزب الله بدعم النظام. لكن هناك وعي كاف داخل النظام بأن الوضع سيزداد سوءا».

ويساعد هذا الوعي على إشعال الرغبة في التخطيط للعهد الذي يلي الأسد، بحسب مسؤولين في إدارة أوباما. وقال أحد مسؤولي الإدارة، طالبا عدم ذكر اسمه، يوم السبت الماضي: «لم يكن أحد يرغب في تكرار ما حدث في العراق».

في الوقت نفسه، لا ترغب الإدارة أن تبدو كما لو أن الولايات المتحدة تحاول تنظيم النتائج في سوريا، خشية أن تؤذي صورة التدخل الأميركي المعارضة السورية أكثر من أن تنفعها. وبصورة خاصة، ذكر مسؤولو الإدارة أنهم لا يريدون أن يمنحوا الحكومة الإيرانية، التي لها مصالح ضخمة مع الحكومة السورية والتي هي من أكبر مؤيدي الأسد، سببا للتدخل.

وأشار أحد مسؤولي الإدارة إلى أن الدعوة التي وجهها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، مبكرا هذا الشهر طالبا من الأسد تقليل حدة القمع، إشارة إلى أن قادة إيران يشعرون بالقلق حيال مستقبل الرئيس السوري.

* خدمة «نيويورك تايمز»