مصادر فرنسية: اقتراحات ساركوزي توفر «مخارج مشرفة» لكل الأطراف

باريس تريد عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات وتحرمهم حق اللجوء إلى الجنائية الدولية

TT

تعتبر مصادر رسمية فرنسية أن المقترحات التي طرحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من شأنها «نزع فتيل القنبلة المتفجرة» التي كان من المتوقع أن يثيرها طلب السلطة الفلسطينية وإصرارها على العضوية الكاملة لدولة فلسطين من مجلس الأمن.

وتؤكد هذه المصادر أن باريس وفرت «مخارج مشرفة» لكل الأطراف. فمن جهة، ضمنت للفلسطينيين أن لا يعودوا «فارغي الأيدي» من نيويورك، ما كان سيعني نزع أي مصداقية عن السلطة وعن الرئيس محمود عباس، فضلا عن تقديم انتصار سياسي داخلي لحماس التي انتقدت منذ البداية مبادرة السلطة. والأخطر من ذلك أن فشل السلطة يمكن أن يثير اضطرابات وقلاقل لن تكون في مصلحة الفلسطينيين.

ومن جهة ثانية، ترى باريس أنها «أنقذت» الولايات المتحدة الأميركية من «ورطة» مجلس الأمن، حيث هددت واشنطن باللجوء إلى استخدام حق النقض (الفيتو) لإجهاض المشروع الفلسطيني. وجاء الاقتراح الفرنسي بإعطاء فلسطين صفة الدولة المراقبة غير العضو، ليكون بمثابة «حل وسط» و«مرحلي» يمكن أن يكون بديلا مؤقتا عن طلب العضوية الكاملة، التي قال عنها وزير الخارجية، آلان جوبيه، أكثر من مرة، إنها «غير ممكنة» في الوقت الحاضر.

غير أن باريس أسدت خدمة ثانية إلى واشنطن، إذ إنها تعمل على أن لا يطرح الطلب الفلسطيني أبدا على التصويت رغم أن الرئيس عباس سيتقدم به رسميا اليوم إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. فمن جهة، ساهم الموقف الفرنسي (والأوروبي) في الامتناع عن كشف طبيعة التصويت إلى زيادة الضغط على الفلسطينيين، وتنبيههم إلى أن طلب العضوية الكاملة قد لا ينال الأصوات التسعة الضرورية، وبالتالي لن تحتاج واشنطن إلى اللجوء إلى الفيتو. واعترفت مصادر فلسطينية متابعة منذ بداية الأسبوع أن الأصوات التسعة «غير مضمونة» بسبب الضغوط التي مارستها واشنطن وأطراف أوروبية على الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، لحملهم إما على معارضة الطلب الفلسطيني أو الامتناع عن التصويت، بحيث إن خمسة أصوات فقط كانت متوافرة أمس للفلسطينيين، وهي روسيا والصين ولبنان والبرازيل وجنوب أفريقيا، بينما بقيت الهند مترددة وكذلك البوسنة والغابون. أما كولومبيا فقد أعلنت حيادها. وفي المقابل فإن ألمانيا أعلنت معارضتها بينما امتنعت البرتغال عن الكشف عن موقف، متخفية وراء الموقف الأوروبي غير الموجود أصلا. ولذا فإن قول باريس ولندن إنهما لن تكشفا عن موقفيهما مهما كانت تصريحاتهما السابقة، زاد الضغوط على الفلسطينيين.

ومن جهة أخرى ترى باريس أنها أنقذت أيضا الإسرائيليين من عزلة متزايدة بتقديمها مقترحات «وسطية»، آملة أن تؤخذ في «كليتها»، أي أن تفضي ليس فقط إلى تأخير حصول فلسطين على العضوية الكاملة، بل إلى استئناف مفاوضات السلام «على أسس جديدة» كما اقترحها ساركوزي.

غير أن المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في نيويورك، حمل الكثير من «التفاصيل» التي تلقي ضوءا جديدا على الموقف الفرنسي. فقد ربط جوبيه بين الدفع لحصول فلسطين في الجمعية العمومية على وضعية دولة غير عضو، وبين انطلاق مفاوضات السلام مجددا. وقال جوبيه إن الأمرين «يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب»، مضيفا أن فرنسا قدمت «اقتراحا شاملا، وهي تريد أن تعاود المفاوضات، وإذا ما انطلقت فإن باريس وآخرين مستعدون لدراسة اقتراح في الجمعية العمومية يمكن فلسطين من اجتياز مرحلة على طريق الاعتراف بها دولة غير عضو». ويعني كلام جوبيه أن الاقتراح الفرنسي «مشروط» بقبول الفلسطينيين العودة إلى المفاوضات، لكن هذه العودة هي أيضا تطرح إشكالية، إذ إن ساركوزي وجوبيه رفضا ربطها بـ«شروط مسبقة»، ما يعني تبني النظرة والموقف الإسرائيليين وإهمال المطلب الفلسطيني الذي أعاق العودة إلى المفاوضات منذ أكثر من عام، وهو شرط وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. وفي هذا الصدد قال الوزير الفرنسي: «إن المقترح الفرنسي يأخذ بالاعتبار التخلي عن كل الشروط بما فيها وقف الاستيطان، لأننا نعتقد أن هذه الطريقة سيئة، وإذا بدأنا بوضع الشروط المسبقة فلن نتوصل إلى أي شيء أبدا». ولذا فليس من المستبعد أن يطرح الفلسطينيون تساؤلا عن «الضمانات» للمفاوضات الجديدة بعد أن رفضت القديمة رغم الإلحاح الأميركي.

وأبعد من ذلك فإن باريس تقترح على الفلسطينيين صفة الدولة المراقبة غير العضو ولكن منقوصة الصلاحيات، وهو الطرح نفسه الذي تقدمت به كاثرين أشتون إلى الفلسطينيين في رام الله والقاهرة، ويقوم على حرمان الفلسطينيين من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يضمنه لهم آليا وضع الدولة غير العضو. وقال جوبيه بهذا الخصوص وبكل وضوح: «قد طلبنا من الفلسطينيين أن لا يستخدموا الإمكانيات التي يعطيهم إياها وضع الدولة المراقبة غير العضو، للسير بمبادرات سلبية تحمل في طياتها بذور خلافات، أي أن يلتزموا بعدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية». وبذلك يبدو أن الاقتراح الفرنسي الذي أريد منه إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن طموحاتهم يراد منه أولا طمأنة إسرائيل من أنها لن تلاحق في المحكمة الجنائية، وإعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية، ومن غير ضمانات لجهة قبول إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية روزنامة التفاوض والحل التي اقترحها ساركوزي.