أوساط إسرائيلية تخشى الثمن الذي سيطلبه أوباما مقابل موقفه المتحيز

ليبرمان وجّه ضربة أولى لخطابه عندما أشاد به بحماس بالغ

وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (أ.ب)
TT

بعد موجة الفرح والزهو في إسرائيل بسبب خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدأ عدد من المسؤولين والخبراء السياسيين في البلاد يعبرون عن خشيتهم من «الثمن الذي سيُطلب من إسرائيل دفعه لاحقا، لقاء الموقف المتحيز لها بشكل لا يقبل الجدل».

وقال وزير الخارجية الأسبق، البروفسور شلومو بن عامي، إن خطاب أوباما الحار في دعم إسرائيل وحكومتها يجب أن لا يسعد أي عاقل وأي حريص على مصالح الدولة العبرية. فالنتيجة الأولى هي أن الولايات المتحدة تظهر الآن متحيزة بلا حدود لإسرائيل، وهذا يقوي قوى الرفض في إسرائيل من جهة، ويضعف تأثير الولايات المتحدة في العالم العربي من جهة أخرى. «وعندما تبدو الولايات المتحدة ضعيفة فإن هذا لا يخدم إسرائيل أبدا. إسرائيل تحتاج إلى أميركا قوية وقوية جدا، لا إلى أميركا ضعيفة».

وقال وزير الدفاع الأسبق، بنيامين بن أليعيزر، إن ما حصل في نيويورك هو «عناق الدب وربما عناق الدبين». وأضاف مفسرا قوله: «إما أن تطالبنا أميركا بدفع الثمن، وإما تتدهور معنا إلى عزلة دولية مشتركة. وليس لنا ما نتباهى به إذا كنا نجحنا في جر أميركا إلى عزلة دولية معنا. فمثل هذا الأمر لا يمر عليه الأميركيون بهدوء».

وقال عدد من نواب حزب كديما المعارض إن خطاب أوباما يضع حكومة بنيامين نتنياهو أمام آخر الامتحانات والفرص. وأضاف النائب من هذا الحزب، نحمان شاي، أن المطلوب من نتنياهو الآن هو رد الجميل للرئيس الأميركي، والكف عن مضايقته في الساحة الأميركية العالمية، ومساعدته على الظهور كرئيس قوي للدولة العظمى وفي مركزها إنجاح جهوده لدفع المسيرة السلمية.

وقال كبير المعلقين السياسيين في القناة الثانية للتلفزيون، أمنون أبراموفتش، إنه لا يوجد في أميركا «وجبات مجانية». وعلى إسرائيل أن تستعد لدفع ثمن هذا الموقف الأميركي الحازم. واعتبر أبراموفتش ترحيب وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بخطاب أوباما أول ضربة لهذا الخطاب، حيث إن ليبرمان شخصية منفرة في العالم، وكل من يتلقى منه الدعم يصاب بالعدوى من شخصيته الفظة المتغطرسة.

وكان هناك من رأى في الخطاب مجرد دعاية انتخابية موجهة، ليس فقط للناخب اليهودي ولممولي الحملات الانتخابية من اليهود، بل بالأساس ردا على مرشح الحزب الجمهوري، ريك بيري، الذي يركز حملته الانتخابية ضد أوباما حول ما يسميه «تعامله الوحشي مع إسرائيل». وقد كشف النقاب في تل أبيب أن أوباما أرسل ثلاثة من كبار قادة الحزب الديمقراطي الأميركي ليستطلعوا آراء قادة المنظمات اليهودية وكبار الممولين اليهود الأميركيين قبيل الخطاب وبعده، بهدف معرفة ما إذا كانت رسالة أوباما لليهود واضحة بما يكفي. والثلاثة هم: أييرا فورمان، المسؤول عن العلاقات مع اليهود في طاقم أوباما الانتخابي، وديبي فسرمان - شولتس، رئيس مؤتمر الحزب والسناتور في مجلس الشيوخ، وروبرت فكسلر، النائب السابق في مجلس الشيوخ والذي يعتبر أحد المقربين من أوباما. وقد طمأنوا الرئيس بأن رسالته وصلت في غاية الوضوح إلى هدفها.

ولكن القنصل العام الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، ألون بنكيس، قال إن مشكلة أوباما الحقيقية في الولايات المتحدة ليست اليهود ودعم إسرائيل، إنما هي فشله في حل المشكلات الاقتصادية. فالأميركيون، واليهود بينهم، قلقون على الوضع الاقتصادي. وقد ثبت بالتجربة، وكذلك في استطلاعات الرأي، أن غالبية اليهود الأميركيين يضعون قضية السياسة الاقتصادية قبل قضية التضامن مع إسرائيل في سلم أولوياتهم.

وكان خطاب أوباما قد أثار ردود فعل إيجابية واسعة من جانب المسؤولين في إسرائيل. وفور إلقائه كلمته التقى أوباما مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، واجتمعا لمدة تزيد عن ساعة، قال خلالها أوباما إنه لا يمكن فرض السلام، وإنما يجب أن يكون نتيجة للمفاوضات، بحيث يفكر الإسرائيليون والفلسطينيون معا ويعملون على حل القضايا. وقال أوباما أيضا إن «أحداث المنطقة تؤكد مدى هشاشة السلام، خصوصا عندما يكون أمن إسرائيل في المواجهة».

وقد شكر نتنياهو الرئيس الأميركي على وقوفه إلى جانب إسرائيل، وعلى جهوده لمساعدتها في الأمم المتحدة، وقال إنه يستحق وسام شرف على هذا الخطاب. وردد نتنياهو كلمات أوباما قائلا إن الطريق الوحيد للوصول إلى السلام الشامل هو المفاوضات فقط وليس تقصير الطريق بالدروب المواربة. وأضاف أن «الرغبة الفلسطينية في اختصار الطريق لن تنجح، وأنه على ما يبدو يسعى الفلسطينيون إلى الحصول على دولة من دون أن يكونوا جاهزين للسلام مع إسرائيل».

من جهته رحب وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، بخطاب أوباما، وقال إنه «يتبنى الخطاب بكليته». وأضاف ليبرمان أنه لا يعتقد أن تصويتا سيجري على الدولة الفلسطينية، حتى في الجمعية العامة. وقال: «لقد حصل الفلسطينيون على المكاسب الإعلامية، وهم يدركون أن خطوة أخرى سوف تؤدي إلى تطورات غير مرغوبة، ويدركون أن ذلك ليس من مصلحتهم، وليس من مصلحة المجتمع الدولي». كما عبر ليبرمان عن الرضا من عدم ذكر حدود 67 في خطاب أوباما، وقال إنه «خطاب حليف». وأضاف أن الطريق إلى السلام يمر عبر المفاوضات فقط، وقال أيضا إن إسرائيل على استعداد للذهاب إلى أقصى حد مع المطالب الأميركية، ولكنه ليس على استعداد لتجميد الاستيطان حتى ليوم واحد.

واعتبر المحلل أبراموفتش تصريحات ليبرمان «أول ضربة يتلقاها أوباما بعد خطابه». وأضاف: «ليبرمان ليس متطرفا وحسب، بل إنه فظ ومتغطرس ويعتبر شخصية منفرة، ولذلك فإن وقوفه مع أوباما يلحق به ضررا كبيرا».

من جهتها قال رئيسة حزب كديما، تسيبي ليفني، إن أوباما عرض الصراع بصورة متزنة، وإنه صدق عندما قال إن السلام يتحقق فقط عن طريق المفاوضات وليس بقرارات من الأمم المتحدة. وأضافت أن «المسؤولية عن سلام وأمن الأطفال في إسرائيل ملقى على عاتق القيادة الإسرائيلية، وعلى نتنياهو أن يبادر الآن إلى تجديد العملية السياسية، ليس لأنها جيدة للفلسطينيين، بل لأنها من مصلحتنا». وقالت أيضا إن الخطابات في الأمم المتحدة لن تغير شيئا على الأرض، وإن مجرد تجديد المفاوضات السياسية يمنع القرارات في الأمم المتحدة ويمنع عزلة إسرائيل. وقالت عضو الكنيست تسيبي حوطبيلي، وهي يمينية متطرفة من حزب الليكود، إن أقوال أوباما تفرغ المسعى الفلسطيني من مضمونه، وتوفر الدعم لمطالب إسرائيل. وبحسبها: «كان من الواضح أيضا للرئيس أوباما الذي تسلم منصبه مع يد ممدودة للفلسطينيين أنهم رافضون للسلام».