مؤسس «ويكيليكس» يدخل معركة جديدة مع دار قررت نشر قصته دون موافقته

أسانج ينتقد إصدار الكتاب قبل تنقيحه.. و«كانونغيت» أمهلته 12 يوما لاستصدار قرار قضائي ضد النشر

زبون داخل مكتبة تعرض نسخا من كتاب «جوليان أسانج.. السيرة الذاتية غير الرسمية»، بعد طرحه في السوق بلندن أمس (رويترز)
TT

انتقد جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس» أمس نشر سيرة ذاتية له دون موافقته، بعد أن فشل في منع دار النشر من إصدارها في صورتها الأولى قبل تنقيحها.

وقالت دار النشر البريطانية «كانونغيت» إن كتاب «جوليان أسانج: السيرة الذاتية غير الرسمية» يضم المسودة الأولى التي تسلمتها دار النشر في مارس (آذار) الماضي. وأقرت دار النشر بأن أسانج حاول الحيلولة دون طباعتها، لكنها قالت إنها تفخر بنشر هذا الكتاب «المفعم بالعاطفة». لكن في رد فعل طويل وغاضب ندد أسانج بتحرك «كانونغيت» وقال إن دار النشر هذه تصرفت بشكل ينتهك التعاقد وأقدمت على نشر المسودة رغم وجود ضمانات شخصية بعدم القيام بذلك.

وقال أسانج، مخترق الحواسب الإلكترونية البالغ الأربعين من العمر: «كان المقصود من هذا الكتاب أن يتناول نضالي من أجل العدالة عبر الوصول إلى المعلومات. لكنه تحول إلى شيء آخر». وتابع أن «طباعة (كانونغيت) للكتاب دون الحصول على موافقة أبعد ما تكون عن حرية المعلومات، بل هي انتهازية وغش معهودان، والهدف منها تدمير الناس من أجل الربح».

ويشمل الكتاب التعليقات المباشرة الأولى لأسانج، خبير القرصنة الإلكترونية الأسترالي الجنسية، على الاتهامات الموجهة له بالاغتصاب والتحرش الجنسي التي وجهتها إليه امرأتان في السويد في أغسطس (آب) العام الماضي، حيث يكافح للحيلولة دون تسليمه من بريطانيا إلى السويد لمواجهة المحاكمة. كما يصف في المسودة الإثارة التي ينطوي عليها الاختراق الإلكتروني لأسرار الغير وفخره بنشر معلومات رسمية سرية، منددا بما يصفه بالبلادة من جانب وسائل الإعلام التقليدية في محاسبة الحكومات والمؤسسات.

غير أن أسانج خصص القدر الأكبر من إدانته لصحيفتي «الغارديان» البريطانية و«نيويورك تايمز» الأميركية، الشريكتين السابقتين لـ«ويكيليكس» في الكشف عن آلاف البرقيات الدبلوماسية الأميركية العام الماضي، حيث نعتهما بالجبن وخيانة المبادئ.

وتقول دار «كانونغيت» إن الكتاب تضمن أكثر من 50 ساعة من المقابلات مع أسانج في منزل ريفي لصديق له شرقي إنجلترا حيث يخضع أسانج لشروط مشددة مقابل إخلاء سبيله بكفالة إلى أن يبت القضاء الإنجليزي في أمر تسليمه. وفي تصريح له أقر أسانج أن الكتاب يستند إلى أحاديث أجراها مع أندرو أوهيغان الذي عهد إليه وضع الكتاب بالنيابة عنه، غير أنه قال إن المسودة «لم تصحح البتة ولم يتم التثبت من الحقائق معي»، مضيفا أن أوهيغان لم يطلع على النسخة النهائية.

وكان أسانج قد وقع على اتفاق بقيمة 930 ألف جنيه إسترليني، مع دار «كانونغيت» والشركة الأميركية التي تتخذ من أدنبرة مقرا لها «ألفريد نوبف» في ديسمبر (كانون الأول). وتم بيع النص على الفور في أكثر من 35 دولة. وأوضح أسانج وقتها أنه يعتقد أن الكتاب سيصبح «إحدى الوثائق المهمة لجيلنا». لكن بعد اطلاعه على المسودة الأولى في مارس (آذار)، أخبر أسانج دار النشر أنه تراجع عن تأليف الكتاب، معتقدا أنه يمكن أن يأتي في صالح المدعين الأميركيين الساعين إلى تسلمه بناء على اتهامات بالتجسس مرتبطة بموقع «ويكيليكس».

وقد قام بفسخ التعاقد بشكل رسمي في 7 يونيو (حزيران) ومنذ ذلك الحين، دخل أسانج مع دار النشر في نزاع حاد بشأن العقد والمقدم الذي حصل عليه والبالغ 500.000 جنيه إسترليني، والذي لم يرده. يذكر أن أسانج، الذي يحتاج إلى أموال لخوض معركته القانونية ضد تسليمه إلى السويد لمواجهة اتهامات بالاغتصاب، قد أودع المقدم لدى طرف ثالث، مما يعني أن فريقه القانوني السابق يملك الحق الأول في المطالبة بأي أصول.

وقال الصحافي أندرو أوهيغان، إن صحيفة «الإندبندنت»، التي تعتزم نشر كتابه على نحو متسلسل، ابتداء من يوم أمس، قد طلبت حذف اسمه من الكتاب. وذكرت الصحيفة أن «كانونغيت»، التي تواجه أزمة مالية، قد منحت أسانج شهرين لإدخال التعديلات النهائية على النص، وفي النهاية، مهلة مدتها 12 يوما لاستصدار أمر قضائي، وهي المهلة التي انتهت يوم الاثنين. ولم يسع أسانج إلى منع نشر الكتاب.

وفي الكتاب يكرر أسانج نفيه الاتهامات بالاغتصاب الموجهة إليه وإشارته إلى احتمال أن تكون مدفوعة سياسيا بسبب كشف «ويكيليكس» عن برقيات أميركية فضلا عن ملفات تتعلق بحربي العراق وأفغانستان.

وكتب أسانج في السيرة الذاتية المتضمنة في 250 صفحة «لم أغتصب هاتين المرأتين ولا أتخيل شيئا حدث بيننا يجعلهما يظنان ذلك، اللهم إلا سوء النية بعد انقضاء الأمر، أو خطة مشتركة للإيقاع بي أو تواطؤ مريع أمعنتا فيه فيما بينهما». ويشير إلى احتمال وقوع مؤامرة، إذ يقص كيف حينما وصل إلى السويد في أغسطس 2010 أبلغه مصدر استخباري لم يسمه أن الولايات المتحدة ستدبر له مكيدة بعد أن كشف عن تلك البرقيات.

ويتطرق أسانج في كتابه إلى تجربته في اختراق المواقع السرية وكيف صار ذلك بمثابة «إدمان» له. ويصف سلسلة محاولات اختراق كان يقوم بها ليلا، بكونها لعبة قط وفأر مع مسؤول تقنية نظام كومبيوتر ووصول الشرطة. ويروي: «عند بدئي محاولات اختراق الأنظمة، كنت مجرد هاو مبتدئ. كنت أدخل بيانات في هذا الفراغ الرائع، منتظرا أن يمتلئ بالأفكار المبدعة. كان بعضنا مهتما بنقل أفكاره على جهاز الكومبيوتر لجعلها تحقق ابتكارا جديدا. وبدأنا كتابة كودات وفك شفرات. كانت الإثارة شديدة. كان الأمر مماثلا للمرة الأولى التي تهزم فيها شخصا بالغا في مباراة شطرنج. إنني أندهش حينما أقابل أفرادا لا يفهمون مدى متعة هذا العمل، لأنها متعة الابتكار في حد ذاته، أو فهم صميم شيء ما وتحديثه».

ومثلما يختار كل مخترق إلكتروني اسما حركيا له، قال مؤسس «ويكيليكس» إنه اختار لنفسه اسم مينداكس. ويضيف: «راقت لي فكرة أنه من خلال التخفي وراء اسم مزيف وعدم الإفصاح عن هويتي الحقيقية أو عن مكاني، حينما كنت مراهقا في ملبورن، كان بإمكاني نوعا ما أن أتحدث بشكل أكثر صراحة عن هويتي الحقيقية». ثم يتطرق إلى مرحلة «ظهور أعراض إدمان الاختراق» عليه وكيف «صرت لا أنعم بقدر كاف من النوم، وبت في حالة من الفضول الشديد والعزيمة التي لا تتزعزع، كما أصبحت مهووسا بالدقة». ويتابع «لاحقا، حينما أصبحت مشهورا، بات الناس يستمتعون بالإشارة إلى أني مصاب بمرض أسبرجر أو أنني في طريقي للإصابة بحالة من حالات التوحد. لا أرغب في أن أفسد متعة أي شخص، لذلك دعنا فقط نقول إنني كذلك بالفعل – جميع مخترقي النظم مصابون بهذه الحالة، بل ويمكنني القول إن جميع الرجال مصابون بقدر من التوحد. لكن في الفترة ما بين منتصف سن المراهقة إلى نهايتها، لم أكن أستطيع التركيز على أي شيء لا يبدو بالنسبة لي إنجازًا عظيما».

ثم يتطرق إلى مرحلة اختراقه مجموعة أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالقيادة الثامنة التابعة للبنتاغون، فيقول «كنت أقوم بإعمال عقلي منطلقا من غرفة نومي غير المرتبة وحتى وصولي إلى قلب النظام، وخلال ذلك، تتعلم فهم ذلك النظام بشكل أفضل ممن هم في واشنطن. كان الأمر أشبه بالقدرة على دخول البنتاغون بهدف القيام بجولة داخله وتولي القيادة فيه». ويضيف «يبدو الأمر سخيفا، لكننا وجدنا ثغرات في آليات العمل الداخلية لشركات ضخمة، وقمنا بتثبيت آليات أخرى، إلى أن وجدنا أن باستطاعتنا التحكم في النظام بأكمله. إغلاق 20.000 خط هاتف في بيونس آيرس؟ لا توجد مشكلة. منح سكان نيويورك خدمة إجراء اتصالات هاتفية مجانية خلال فترة الظهيرة دون سبب جيد؟ افعل ذلك».

ويقول أسانج في كتابه أيضا «يمكنك الالتقاء صدفة مع خصومك داخل النظام، تماما كمقابلة غرباء في ليلة حالكة. ربما كان هناك 50 شخصا من مختلف أنحاء العالم داخل النظام نفسه في ذلك الوقت، خصوم وأصدقاء، جزء من نخبة من خبراء كومبيوتر، يعملون على أعلى مستوى. وفي ليلة من الليالي، يمكنك أن تجد مخترق نظم كومبيوتر من أستراليا يتحدث إلى آخر من إيطاليا داخل نظام الكومبيوتر الخاص بمحطة طاقة نووية فرنسية».

ثم يروي أنه: في إحدى الليالي، بينما كنت أخترق شبكة «نورتل»، أدركت أنني أخضع لمراقبة. كانت الساعة 2.30 صباحا، وكان مسؤول تقنية الشبكة لنا بالمرصاد. حاولت لمدة ساعة عرقلة مراقبته واعتراض طريقه، من خلال قيامي بحذف دليل أسماء المتورطين في عمليات الاختراق ومحو أي إشارة تدل على هويتي. كان مسؤول التقنية قد قام بتسجيل الدخول من المنزل، لكن بعد فترة راحة، ظهر على وحدة تحكم «نورتل» الرئيسية. كان قد توجه إلى عمله. أصبحت الآن في مأزق: يمكنك فقط أن تصاب بحالة من الحيرة تظل فيها لفترة طويلة. لقد نال مني.