اللاجئون السوريون في لبنان يعيشون في قلق.. وخوف من أن تطول مدة إقامتهم خارج بلادهم

سجل 3784 سوريا أسماءهم كلاجئين في لبنان لدى المفوضية العليا للاجئين.. وجهود كبرى لتأمين رعايتهم المعيشية والتربوية

مظاهرة كبيرة في داعل بدرعا أمس
TT

يعيش السوريون اللاجئون في لبنان في قلق مستمر مما يحمله لهم المستقبل، ويتخوفون من أن تطول إقامتهم في لبنان لفترة طويلة تتكدس فيها مشكلاتهم المعيشية والصحية، ومشكلات أولادهم الذين من المفترض أن يعودوا إلى المدارس.

وسجل 3784 سوريا أسماءهم كلاجئين جراء أعمال العنف في سوريا، لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في شمال لبنان، بحسب تقرير للمفوضية صدر أمس. وتقدر المفوضية أن أكثر من 900 شخص بين هؤلاء اللاجئين تتراوح أعمارهم ما بين أربعة أعوام و17 عاما، يفترض إيجاد مدارس لهم.

ونقل التقرير عن نازحين سوريين تخوفهم من أن يردع إقفال السلطات السورية لنقاط العبور غير الرسمية سوريين آخرين من الفرار إلى لبنان نتيجة الاضطرابات بسبب خشيتهم من أن يعرفوا عن أنفسهم على نقاط العبور الرسمية. كما أعرب نازحون آخرون عن قلقهم من إطلاق النار الذي يسمع دويه من حين لآخر في القرى المجاورة للحدود السورية كالكنيسة ونصوب وحنيدر. وأشارت المفوضية إلى استمرار تداول التقارير الإعلامية بتهريب السلاح في المناطق الحدودية، موضحة بأن جهود السلطات اللبنانية والسورية تتواصل من أجل ضبط التهريب.

وفي ما يتعلق بالمساعدات الغذائية، لفت التقرير إلى أن جولة جديدة لتوزيع الحصص الغذائية وغير الغذائية بدأت في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، ومن المقرر أن توزع الفرق الميدانية هذه الحصص في الأسبوعين المقبلين من خلال تسليمها يدا بيد إلى النازحين والعائلات اللبنانية المضيفة. وفي حين تهتم الهيئة العليا للإغاثة، المكلفة من قبل الحكومة اللبنانية بمتابعة أوضاع النازحين السوريين، بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين، بتأمين الحصص الغذائية، تؤمن منظمة اليونيسف حصص النظافة.

وتواصل الفرق الميدانية زياراتها الدورية إلى النازحين والعائلات اللبنانية المضيفة، وهي تتابع الاحتياجات الخاصة في قرى وادي خالد والبيرة وطرابلس. وتظهر الزيارات والاجتماعات التي تعقد بشكل منفصل مع النازحين من رجال ونساء خوفهم المستمر من العودة إلى قراهم انطلاقا من شعورهم بعدم الأمان للقيام بذلك، فضلا عن خوفهم من الاعتقال والترحيل، في ظل عدم قدرتهم على التنقل بحرية أو العثور على عمل، بسبب عدم منحهم إذنا بالتنقل من الحكومة اللبنانية كما كان متوقعا.

ويقول نائب ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان جان بول كافالييري لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «وزارة التربية اللبنانية وافقت على السماح للنازحين السوريين بدخول المدارس الرسمية، وستؤمن المفوضية رسوم التسجيل». إلا أن هؤلاء السوريين قلقون ليس على المسائل المادية فحسب.

وتقول نزهة (35 عاما) القادمة من بلدة هيت السورية الحدودية، إنها تخشى على ولديها من معاملتهما بتمييز داخل المدارس اللبنانية التي تبدأ عامها الدراسي رسميا الأسبوع المقبل. وتضيف لوكالة الصحافة الفرنسية «أخشى عليهما على مستويات عدة (...) لذلك، قررت ألا أرسلهما إلى المدرسة هذه السنة». وتبدو نزهة، بحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، كالكثير غيرها من اللاجئين، مقتنعة بأن النظام السوري يتمتع بنفوذ بالغ في لبنان عبر حلفائه وأبرزهم حزب الله.

وتقول في إشارة واضحة إلى معارضتها النظام في سوريا «كلما خرج زوجي من هنا للقيام بنزهة، أشعر بالهلع وأخاف أن يعثر عليه النظام أو أصدقاء النظام اللبنانيون».

وتشير المفوضية العليا للاجئين إلى دخول نحو مائتي نازح سوري إلى لبنان خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر (أيلول)، معظمهم من منطقتي تلكلخ وحمص.

ويقول كافالييري إن بعض السوريين يجدون أنفسهم عالقين على الحدود، موضحا أن «هناك تقارير تفيد بأن رجال الأمن في الجانب السوري يحكمون الرقابة على المعابر».

ويسلك النازحون إجمالا معابر غير شرعية في طرق جبلية وعرة تستخدم عادة في عمليات التهريب بين البلدين، أو يعبرون على الأقدام مجرى النهر الكبير الفاصل بين شمال لبنان والأراضي السورية.

وسجلت حوادث إطلاق نار عدة خلال الأشهر الأخيرة ترافقت مع حركة عبور لهاربين، إحداها عند معبر البقيعة الترابي وقد سقط فيه قتيل وعدد من الجرحى.

واستقر معظم هؤلاء السوريين عند أقارب لهم في منطقة وادي خالد، حيث تتداخل الأراضي والعائلات بين البلدين. إلا أن آخرين مثل عبير وعائلتها يعتمدون في معيشتهم على المساعدات من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية.

في المدرسة المهجورة في مشتى حمود بعكار، لم يستحم عدد كبير من الأطفال منذ أيام بسبب انقطاع المياه وتقاسم كل العائلات حمامين اثنين. كما يفتقر هؤلاء إلى الأحذية المناسبة لفصل الشتاء المقبل. في الوقت الضائع، يلهو الأطفال بلعبة «وقعت الحرب». وقد استعانوا لذلك برسم خريطة لسوريا يلقون عليها الحجارة. وتقع الحرب في البلدة التي يصيبها الحجر، فيهرب أبناؤها ويلحق بهم الآخرون. ويخشى الكثير من اللاجئين أن يطول النزاع في بلادهم، ما لم يحصل تدخل دولي حاسم. وتترقب عبير بدورها، مع أفراد عائلتها الذين قدموا إلى لبنان منذ بضعة أشهر هربا من أعمال العنف في سوريا، بقلق، اقتراب فصل الشتاء الذي ستمضيه العائلة مع غيرها من اللاجئين السوريين، في غرفة غير مجهزة في مدرسة مهجورة على تخوم منطقة وادي خالد الشمالية الفقيرة. وتكاد عبير (29 عاما) لا تصدق أنها ستمضي الشتاء مع ابنيها وزوجها في غرفة مدرسة في مشتى حمود. وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية «أعجز حتى عن طلب كنزات دافئة لولدي» من المنظمات التي تقدم مساعدات للاجئين.

ثم تضيف وهي تشعل موقدا صغيرا على الغاز لطهي البطاطس المسلوقة «اللاجئون هنا في المدرسة يستعدون لفصل الشتاء، لكنني في قرارة نفسي لم أقبل بعد فكرة أنني لن أعود إلى منزلي قريبا، وأن موسم البرد سيبدأ ونحن لا نزال هنا». وتقطن نحو عشرين عائلة سورية في المدرسة التي تنقصها التدفئة والتجهيز.

وتقول عبير بحسرة إنها اضطرت إلى مغادرة بلدها، حيث تركت والديها ومنزلها في تلكلخ بعد اختفاء شقيقيها الأصغرين خلال مظاهرة قبل ثلاثة أشهر.

وعاد أحد الشقيقين إلى المنزل في وقت لاحق مصابا بكسور في كل أنحاء جسمه بعد تعرضه للاعتقال والضرب. أما شقيقها الآخر، فقد عثر عليه في مشرحة مستشفى محلي، مقتولا. ودفن قبل 24 ساعة من مغادرة عبير إلى لبنان. وتروي دامعة وهي تشير إلى صورة شقيقيها على هاتفها الجوال، أن ابنيها «أصيبا بالرعب، وعاد ابني الأكبر (4 سنوات) إلى (التبول) في سريره. وكانا يصرخان ويختبئان في غرفتهما عندما يبدأ إطلاق الرصاص». وتضيف «يجب أن يعرف العالم أجمع أننا هربنا بسبب حرب مفتوحة يشنها بشار الأسد على الشعب السوري».