كابل: كرزاي تعهد خلال مراسم تشييع رباني بمواصلة جهود السلام

تسجيل صوتي مزيف للملا عمر خدع الأمن الأفغاني وسهل اغتيال الرئيس السابق

الرئيس حميد كرزاي بين نائبيه (يسار) المارشال محمد قاسم فهيم وكريك خليلي (رويترز)
TT

تعهد الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أمس خلال مراسم تشييع برهان الدين رباني الرئيس الأفغاني السابق والمفاوض مع حركة طالبان الذي اغتيل قبل 3 أيام في كابل مواصلة جهود السلام في أفغانستان.

وسجل انتشار أمني كثيف في كابل لحماية المشاركين في الجنازة التي انطلقت من القصر الرئاسي.

وكان رباني الذي تولى رئاسة البلاد بين 1992 و1996 يترأس المجلس الأعلى للسلام الذي كلفه الرئيس كرزاي محاولة فتح مفاوضات سلام مع حركة طالبان.

وكان كرزاي كلف رباني الذي تولى رئاسة البلاد بين 1992 و1996 محاولة إقامة اتصالات مع حركة طالبان، بهدف إحلال السلام في البلاد التي تشهد منذ 10 سنوات مواجهات بين المتمردين وحكومة كابل التي تحظى بدعم قوات الحلف الأطلسي الدولية.

وقتل رباني في منزله الثلاثاء بعبوة خبأها انتحاري تحت عمامته وزاره في منزله في كابل الثلاثاء مدعيا أنه موفد من قبل طالبان. وهو أعلى مسؤول وطني يتم اغتياله في أفغانستان منذ الغزو الأميركي في عام 2001 مما حرم كرزاي من حليف أساسي من الطاجيك في الصراع السياسي الذي يدور بين الإثنيات المختلفة في أفغانستان.

وبعد اغتيال شقيق كرزاي أحمد والي كرزاي ومحاصرة السفارة الأميركية طيلة 19 ساعة الأسبوع الماضي، بدت الحكومة الأفغانية أكثر ضعفا إزاء تمرد طالبان المستمر منذ 10 سنوات، إلا أن كرزاي شدد على أن اغتيال رباني لن يوقف الجهود لإقامة اتصالات مع المتمردين ولو أن الحرب ستستمر ضدهم.

وصرح كرزاي: «دم الشهيد (رباني) وغيره الذين سقطوا دفاعا عن الحرية يلزمنا بمواصلة الجهود على التوصل إلى السلام والاستقرار».

وأضاف: «سنواصل جهودنا للتوصل إلى السلام بناء على رغبة» رباني ولو أنه «من مسؤوليتنا في الوقت نفسه أن نحارب أعداء السلام بإصرار».

وأدلى كرزاي بكلمته بينما جثمان رباني مسجى في القصر الرئاسي حيث ألقى مئات المسؤولين الأفغان والسفراء الأجانب النظرة الأخيرة على النعش الملفوف بالعلم الأفغاني والمغطى بالزهور.

ووري الجثمان الثرى على تلة مطلة عل العاصمة حيث تجمع مئات من السكان وهم يحملون صور رباني ولافتات لحضور مراسم التشييع.

وتعهد بعض المشيعين الغاضبين بالثأر لاغتيال رباني بطل المجاهدين سابقا ضد القوات السوفياتية في الثمانينات من القرن الماضي، والذي كان يحظى بقاعدة شعبية واسعة في شمال البلاد ذي الغالبية من الطاجيك.

وقال عناية الله وهو طالب جامعي من الطاجيك: «كلنا مفجوعون، لقد خسر الشعب قائدا عظيما».

وأضاف: «نتعهد بالانتقام لبرهان الدين رباني ونطالب الحكومة بالقبض على المسؤولين عن اغتياله».

وقال: «نريد أن تتم محاكمة المسؤولين عن تنظيم اللقاء (الأخير بين رباني والانتحاري) حتى ولو كانوا من أعضاء المجلس الأعلى للسلام».

وأعلنت الشرطة نشر عناصر إضافيين «في أعلى مستوى استنفار» لضمان الأمن خلال الجنازة، كما وضع الجيش والاستخبارات في حالة تأهب. وصرح محمد زاهر رئيس قسم التحقيقات الجنائية في كابل لوكالة الصحافة الفرنسية «لقد اتخذنا احتياطات إضافية من خلال نشر قرابة 3 آلاف شرطي خصوصا للجنازة».

وانتشرت عناصر الشرطة وبعضهم على متن عربات مدرعة في شوارع كابل حيث فرض طوق أمني في المنطقة القريبة من منزل رباني ومنع وصول السيارات بينما أخضع المارة للتفتيش.

وقال كرزاي إن الانتحاري تمكن من الوصول إلى رباني (71 عاما) عندما ادعى أنه يحمل قرصا مدمجا «سي دي» عليه «رسالة سلام» من طالبان. ويبدو أن الانتحاري انتظر طيلة 4 أيام حتى عاد رباني من رحلة إلى الخارج قبل أن يفجر عبوته عندما عانقه للسلام عليه، وخلافا للعادة، لم تعلق حركة طالبان على اغتيال رباني حتى الآن، إلا أن مسؤولين من الشرطة الأفغانية والاستخبارات حملوا حركة طالبان المسؤولية.

وقد كانت هذه الرسالة مقنعة بالدرجة التي جعلت مسؤولين بارزين، من بينهم كرزاي يدعو البروفسور رباني، الرئيس الأفغاني الأسبق، إلى العودة لكابل من رحلة في دبي لأن المبعوث المفترض لحركة طالبان قال إن معه شريطا صوتيا ثانيا هاما لا يمكن تسليمه إلا إلى رباني وحده.

وقال السفير الأميركي في كابل ريان كروكر يوم الخميس إن عملية الاغتيال «أثارت تساؤلات جادة جدا عما إذا كانت حركة طالبان ومن يدعمونهم لديهم أي نوع من الاهتمام بالوصول إلى مصالحة». وقال كروكر إن قتل رباني في تفجير انتحاري يوم الثلاثاء جعل هذا «وقت حزن، ولكنه ليس وقت يأس».

وتأتي تصريحات كروكر فيما بدأت الحكومة الأفغانية تقديم المزيد من التفاصيل عن الهجوم الذي أضفى كآبة على مستقبل التوصل لنهاية عبر المفاوضات لحرب أفغانية بدأت قبل 10 أعوام فيما يبدأ تحالف الناتو فك الارتباط.

وبناء على تشجيع من مسؤولين استخباراتيين أفغان، عقد رحمة الله وحيديار، عضو المجلس الأعلى للسلام الذي أحضر الانتحاري إلى منزل رباني، مؤتمرا صحافيا لتوضيح كيف نال الانتحاري ثقتهم.

وقال وحيديار، الذي أصيب في الهجوم، إن الانتحاري المدعو عصمة الله قال لأعضاء في المجلس إنه مرسل من الملا حميد الله، مبعوث مفترض لحركة طالبان. وقد عقد أعضاء في المجلس، الذي عين رباني رئيسا له العام الماضي، عدة اجتماعات في كابل مع حميد الله، بحسب ما ذكره وحيديار. وقد جعلت هذه اللقاءات أعضاء المجلس مقتنعين بأن قيادات حركة طالبان منفتحة على احتمالية الوصول إلى تسوية عبر التفاوض.

وقد أحضر عصمة الله معه تسجيلين صوتيين على محرك أقراص محمول قال إنها خاصة بأعضاء في «شورى كويتا» الذي يقوده الملا محمد عمر، القيادة العليا بحركة طالبان ومقرها باكستان، وذلك وفق ما ذكره وحيديار.

ويقول وحيديار: «عندما سمعنا الرسالة، كانت تقول إن هناك رسالتين، واحدة للمجلس وأخرى خاصة للأستاذ»، في إشارة إلى رباني. وبدت الرسائل محل ثقة بالقدر الذي جعل أعضاء بارزين في المجلس يعتقدون أن قيادات حركة طالبان يرغبون في مناقشة قضية السلام، رغم موقف الحركة المعلن بأنها لن تتفاوض ما بقيت قوات أجنبية داخل أفغانستان.

ويقول هارون مير، المحلل السياسي في كابل: «كان الجميع فاقدا الأمل في التواصل مع حركة طالبان. لقد خدع الجميع، حتى الرئيس كرزاي». وقال كرزاي إنه سمع أحد التسجيلين الصوتيين قبل السفر إلى نيويورك هذا الأسبوع لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقال متحدث باسم حركة طالبان إن الحركة تحقق في عملية القتل، وإنها لا تتحمل المسؤولية عن تنفيذ الهجوم. وقال حميد علمي، وهو متحدث باسم كرزاي، إن خدمة الاستخبارات الأفغانية لديها أدلة تشير إلى أن حركة طالبان «لها يد في ذلك». ولكنه أضاف: «لا نعرف أي فصيل» في الحركة المسلحة نفذ الهجوم.

وقال مير إنه يشك في أن قيادة حركة طالبان المسؤولة عن التخطيط للهجوم، لأن المجموعة ستجد صعوبة بالغة في تبرير قتل زعيم ديني يحظى بالاحترام. وقال مير إنه لا يستبعد أن فصيلا من حركة طالبان يعارض بقوة المحادثات مع حكومة مدعومة من الولايات المتحدة نفذ هذه العملية. ولكنه قال إن من غير المحتمل أن تكون شبكة حقاني، وهي شبكة مسلحة متحالفة مع حركة طالبان، الجهة التي أصدرت أمرا بتنفيذ عملية القتل.

وفي هذه الأثناء قال مسؤولون في الناتو يوم الخميس إن قوات التحالف يوم الثلاثاء قتلت العقل المدبر المشتبه في ضلوعه في إسقاط مروحية «تشينوك» الشهر الماضي. وقد كانت أكثر هجوم سقط فيه قتلى أميركيون منذ بدء الحرب.

وقال مسؤولون عسكريون إن الزعيم المشتبه فيه بحركة طالبان قاري طاهر قتل في غارة جوية استهدفت مجرى نهر جاف في مقاطعة وارداك. يذكر أن 30 جنديا أميركيا سقطوا قتلى في الهجوم الذي نفذ في 6 أغسطس (آب).

وتقود حركة طالبان تمردا ضد حكومة كرزاي والقوات الدولية الـ140 ألفا المنتشرة في أفغانستان لدعم حكومته.

وتوجه رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني جوا أول من أمس إلى كابل لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان رباني لكنه لم يشارك في الجنازة.

ومن المفترض أن يقتصر تمثيل باكستان التي ينظر إليها غالبية الأفغان بريبة لجهة علاقاتها التاريخية بطالبان، والتي اتهمها بعض المحللين الأفغان بلعب دور في اغتيال رباني، على وزيرين فقط. وأعرب المسؤولون الباكستانيون عن صدمتهم للاغتيال واتهموا حركة طالبان أفغانستان بالوقوف وراءه.

وقال حامد حلمي المتحدث الرئاسي إن «رباني دفن في تل (وزير أكبر خان) في كابل في وقت لاحق أمس خلال مراسم رسمية من المقرر أن شارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى».

وأضاف حلمي: «وصلت وفود من دول عربية وشرق أوسطية إلى كابل للمشاركة في المراسم».