مسؤول أميركي لـ «الشرق الأوسط»: متعاطفون مع حيرة عباس.. لكن التصفيق له سيتوقف عندما يفوق الجميع

واشنطن أكدت أن الدولة لن تتحقق إلا عبر المفاوضات «المباشرة».. والرباعية تصدر بيانا لاستئنافها.. وبان كي مون يرفع الطلب إلى مجلس الأمن

TT

بعد أسابيع من التكهن حول موقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن من تقدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بطلب رسمي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وانضمامها إلى الأمم المتحدة، تجد الدول المعنية بالنزاع العربي - الفلسطيني اليوم في واقع تقدم عباس إلى مجلس الأمن بهذا الطلب. وكان الموقف الأميركي هو الأبرز في معارضة هذا التوجه، بينما دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة أشارت إلى عدم موافقتها ولكنها لم تلوح باستخدام حق النقض (الفيتو) على غرار الأميركيين. وبعد أن تقدم عباس بطلبه للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قال مسؤول أميركي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»: «كلنا متعاطفون كليا مع حيرة عباس (من فشل المفاوضات) ولكننا نقلق بأنه عندما يصحو الجميع عندها سيتوقف التصفيق». وأضاف المسؤول المطلع على الملف الفلسطيني منذ سنوات أنه يخشى من حينها، أي بعد أن يهدأ شعور الفرح والتطلع الآني، سيجد (الفلسطينيون) أنفسهم من دون الدول القابلة على العيشة التي يريدونها، أو ربما حتى يجدوا أنفسهم في وقت أسوأ».

والتصفيق الحار هو ما حصل عليه عباس صباح أمس في نيويورك عند دخوله قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وألقى خطابه التاريخي المطالب بالدولة الفلسطينية. وكانت هناك أكثر من 6 مرات قاطع الحضور عباس لتصفق له غالبية الوفود بحماس، بينما جلست مندوبة الولايات المتحدة للأمم المتحدة سوزان رايس بصمت، حيث لم يحضر أي من المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوى الجلسة. وكان هناك امتعاض أميركي واضح للجوء عباس إلى الأمم المتحدة، خشية من تحركه هذا. ولا تخفي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قلقها من الإجراءات التي قد تترتب في الولايات المتحدة، مثل تلويح الكونغرس بقطع المساعدات الأميركية على الفلسطينيين. ويذكر أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة مانحة للفلسطينيين وتقدر مساعداتهم بنحو 500 مليون دولار سنويا، 200 مليون دولار منها مباشرة إلى الخزانة الفلسطينية. كما أن هناك قلقا من أي خطوات عسكرية وتعسفية قد تقوم بها إسرائيل، وهو أمر يشير إلى خطره مسؤولون أميركيون.

ولكن هناك وعيا أميركيا بأن عباس شخصيا والسلطة بشكل عام شعرت بأنها بحاجة إلى هذا التحرك لكسب الشعبية داخليا وفرض التحرك الدبلوماسي خارجيا، لكن لا توافق الإدارة الأميركية هذا النهج. كما أنه على الرغم من إشادة مؤسسات مثل البنك الدولي بالخطوات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية للاستعداد على إنشاء دولة فلسطين، إلا أن الولايات المتحدة ترى أن هناك ثغرات في قدرة أي دولة مستقبلية فلسطينية السيطرة على حماس، التي أعلنت أمس رفضها لتقديم عباس طلب العضوية في الأمم المتحدة. وهناك قلق أميركي من إمكانية تحرك حماس لإضعاف تحرك عباس أساسا مما يزيد من التوتر في المنطقة.

وفي حين أن عباس الآن يتمتع بشعبية في الأوساط العربية والدول المؤيدة للقضية الفلسطينية، لا شك في أن الولايات المتحدة تشهد تراجعا في شعبيتها في تلك الأوساط. وقد عبرت الدول العربية المشاركة في خطابات الجمعية العامة عن تأييدها للتحرك الفلسطيني، وانضمت إليها دول عدة بارزة مثل البرازيل وتركيا للتعبير عن دعمها لهذا التحرك. وعبر القادة العرب في الاجتماعات المغلقة مع الأميركيين عن عدم اتفاقهم مع الموقف الأميركي، إلا أنه في الوقت نفسه، هناك نقاط اتفاق عدة خرجت من اجتماعات الجمعية العامة مثل العمل على استقرار ليبيا ودعم مصر وتونس في المرحلة الانتقالية. فعلى الرغم من الاستياء الشعبي وعدم الارتياح الرسمي العربي من الموقف الأميركي، تشعر الإدارة الأميركية بأنه من الممكن لها أن تتعامل مع هذه المرحلة وتراجع شعبيتها بشكل مؤقت على أمل أن تدفع مفاوضات مقبلة باتجاه ترميم ذلك. وعمل المسؤولون الأميركيون مع نظرائهم من الرباعية الدولية - التي تشمل الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة - من أجل التوصل إلى اتفاق على بيان للرباعية صدر في وقت متأخر من عصر أمس يدعو إلى استئناف المفاوضات. وكانت واشنطن تريد إصدار البيان قبل خطاب عباس، كتحرك استباقي لدفع المفاوضات، إلا أن روسيا كانت معارضة لنص البيان. ولكن في الوقت نفسه، تم التلويح إلى روسيا أن عدم إصدار البيان سيضعف دور الرباعية، وهو أمر لا تريده روسيا، إذ إنها تحرص على دورها البارز في هذه القضية الجوهرية، مما دفعها إلى التعاون على إصدار بيان معدل. كما أن عباس عبر عن عدم رغبته بإصدار البيان قبل تقديمه الطلب الرسمي وإلقاء خطابه، معتبرا ذلك أمرا سلبيا يضعف كفة الفلسطينيين. والتزمت روسيا ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بذلك، فتم الإعلان عن إصدار البيان بعد إلقاء عباس خطابه أمس. وبينما يطرح البيان سبلا للعودة إلى المفاوضات، يركز على أهمية الالتزام بالتفاوض من أجل التوصل إلى حل الدولتين.

وبعد أن تغادر الوفود الرسمية نيويورك، بعضها مثل الوفد الفلسطيني اليوم وأخرى خلال الأيام المقبلة، هناك التركيز على أهمية دفع عملية السلام إلى الأمام بعد كل الاهتمام التي نالته مسألة النزاع العربي - الإسرائيلي في الفترة الماضية. وتشدد الإدارة الأميركية على أهمية إعلان الرئيس الأميركي في 19 مايو (أيار) الماضي الإطار الأساسي للتفاوض، وهو قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 مع تبادل الأراضي وضمان الأمن لإسرائيل. وتعتبر الإدارة الأميركية أن تلك الأسس التي حددت للمرة الأولى من الولايات المتحدة وصادقت عليها الرباعية الدولية بعدها، هي أساس التقدم إلى الأمام.

ودعت أمس واشنطن عباس إلى استئناف المفاوضات، وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس في رسالة على «تويتر» تم بثها بعد لقاء عباس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «بعد أن تنتهي الخطب اليوم، سيتعين علينا أن نقر جميعا بأن السبيل الوحيدة نحو إقامة دولة يمر عبر المفاوضات المباشرة، لا عبر طرق مختصرة».

وفي وقت لاحق أمس قال متحدث باسم الأمم المتحدة بان كي مون نقل الطلب الفلسطيني للانضمام لعضوية المنظمة إلى مجلس الأمن الدولي. وكان مارتن نسيركي، المتحدث باسم الأمم المتحدة قال في وقت سابق إنه سيتم التعامل مع طلب انضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة «بسرعة» وإحالته إلى مجلس الأمن الدولي.

وبعد اجتماع عباس وبان كي مون، قال المتحدث «ستتم مراجعة الإجراءات المطلوبة بسرعة في الأمانة العامة وسترفع بعد ذلك إلى رئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة».