لأول مرة.. المصريون يرحبون بالعمل بقانون الطوارئ لمواجهة الانفلات الأمني

وسط جدل قانوني حول انتهاء مدة العمل به وفقا للإعلان الدستوري

TT

منذ تطبيق قانون الطوارئ عام 1981 عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، دائما ما أثار الحديث عن إعلان حالة الطوارئ جدلا سياسيا حادا في البلاد، إذ دائما ما ارتبط بمعارضة كل القوى السياسية له، باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل)، إلا أنه ومنذ أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل أسبوعين عن تشديد تطبيق القانون عقب أحداث اقتحام السفارة الإسرائيلية يوم جمعة «تصحيح المسار» في التاسع من الشهر الجاري، قوبل هذا الإعلان بترحيب واسع النطاق من المواطنين الذين يعانون من حالة الانفلات الأمني التي باتت ظاهرة تقض مضاجع المصريين.

وترافق الترحيب الشعبي بجدل دستوري حول موعد انتهاء العمل بالقانون، وقال خبراء دستوريون منهم المستشار طارق البشري رئيس لجنة تعديل الدستور، إن الاستفتاء على التعديلات الدستورية وما أعقبها من إصدار إعلان دستوري نص على تطبيق حالة الطوارئ خلال ستة أشهر، ويحتاج مدّ مدة العمل به إلى استفتاء شعبي.

واعتبر الخبراء أن مدة الستة أشهر تبدأ مع إعلان نتائج الاستفتاء في يوم 20 مارس (آذار) الماضي، فيما رأى آخرون أنها تبدأ مع إصدار الإعلان الدستوري في 30 مارس، وهو ما يعني انتهاء حالة الطوارئ دستوريا خلال الشهر الجاري.

لكن مصادر بالمجلس العسكري رفضت هذا التفسير، وأكد اللواء عادل المرسي رئيس القضاء العسكري أن قانون الطوارئ، سيستمر العمل به حتى يونيو (حزيران) من العام المقبل وفقا للقوانين واللوائح، إلا أنه ترك الباب مواربا أمام احتمال تعديله أو رفعه.

لكن المصريين من جهتهم لم يهتموا كثيرا بهذا الجدل الدستوري، حيث يأملون في أن يعيد تشديد العمل بالقانون الانضباط والأمن إلى الشارع.. عصام خليل محاسب بأحد البنوك الأجنبية ويقطن في ضاحية الرحاب، التي تبعد 30 كيلومترا عن القاهرة، تعرض لواقعتي سرقة منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وفي المرتين كان في طريق العودة لمسكنه ليلا، في المرة الأولى اكتفى اللصوص بسرقة نقوده وهاتفه الجوال وحقيبته الشخصية، وفي الثانية سرقوا سيارته بعدما اعتدوا عليه بالضرب.

يقول عصام «سبب المشكلة في رأيي هو اختفاء عنصر الردع لدى الشرطة، لذلك أعتقد أن عودة العمل بقانون الطوارئ سيحل تلك المشكلة، لأن الشرطة بموجبه ستحصل على عدد من الصلاحيات التي فقدتها منذ يوم 28 يناير (جمعة الغضب)».

ويضيف «أبلغت في المرتين الشرطة ولكن لم يتوصلوا إلى شيء.. لا أعلم سببا لذلك، ربما لأن الضابط لم يعد له هيبة»، مشيرا إلى أن قوات الجيش نشرت مؤخرا دوريات على طريق منزله في سيارات كتب عليها «دوريات حماية المواطنين»، إلا أنه يقول «الجيش يؤدي أعمالا جليلة للمواطنين، ولكن ليس دوره أن يقوم بحمايتهم من اللصوص».

أما محمد عبد الحميد، وهو رجل في أواخر الخمسينات من عمره، ويعمل سائق سيارة أجرة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعمل ليلا بعد العاشرة مساء، كما لا أستجيب لأي راكب يطلب مني توصيله لأماكن بعيدة أو نائية ليلا أو نهارا».

ويضيف «كل يوم أسمع من زملائي عن حوادث تقع لهم كل يوم.. معدل الجرائم في ارتفاع، وعندما كان نظام مبارك يطبق قانون الطوارئ لم يكن هناك ربع هذه الجرائم، لذلك فأنا أطالب الشرطة بتطبيق قانون الطوارئ لوقف انتشار البلطجة، فالمثل الشعبي يقول (يا فرعون إيه فرعنك قال مالقيتش حد يلمني)».

وتربط قانون الطوارئ علاقة تاريخية طويلة بالمصريين، فهناك خمس سوابق في علاقة مصر بقانون الطوارئ مع اختلاف النظام، فقد تم تطبيق هذا القانون لأول مرة في الفترة من سبتمبر (أيلول) 1939 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1945، بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، ثم تم إلغاؤه ليعلن العمل به مرة ثانية في الفترة من مايو (أيار) 1948 إلى أبريل (نيسان) 1950 لاندلاع حرب فلسطين.

ثم جاءت المرة الثالثة ليطبق فيها القانون في الفترة من يناير 1952 حتى يونيو 1956. أما المرة الرابعة التي عاشت فيها مصر في ظل قانون الطوارئ فكانت في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 1956، إلى مارس 1964، إبان العدوان الثلاثي على مصر.

وجاءت المرة الخامسة عقب هزيمة الخامس من يونيو عام 1967 لتستمر طيلة حكم الرئيس السادات حتى مايو 1980، لتعيش مصر لمدة 15 شهرا بدون قانون طوارئ، حتى أكتوبر 1981، حين اغتيل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ليعلن صوفي أبو طالب رئيس البرلمان الأسبق الذي تولى الرئاسة بشكل مؤقت بعد اغتيال السادات - حسب نصوص الدستور المصري - العمل بقانون الطوارئ للمرة السادسة في تاريخ البلاد، إلى حين الخروج بالبلاد من الأزمة التي عصفت بها بوقوع حادثة الاغتيال. وقتها ظن الناس أن القانون لن يطول العمل به لسنوات طويلة وبخاصة بعد استهلال الرئيس السابق حسني مبارك عهده بالإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين زج بهم السادات في المعتقلات فيما عرف باعتقالات سبتمبر 1981.

خاب ظن الجميع وظلت الهيمنة لقانون الطوارئ الذي يتكون من 20 مادة فقط لمدة 30 عاما حتى نجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام مبارك، وأصدر المجلس العسكري (الحاكم) إعلانا دستوريا من 63 مادة وضع فيه ضوابط لإعلان حالة الطوارئ، لكن مع تزايد حالة الانفلات الأمني، وعلى خلفية أحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة، أعاد الجيش تشديد العمل بقانون الطوارئ في ظل انتقادات النشطاء السياسيين لإحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، وهو ما دفع رئيس الأركان الفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس العسكري إلى التصريح بأن تفعيل قانون الطوارئ ضرورة نظرا للأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد، وأنه سوف يتم وقف العمل به في أقرب وقت ممكن.