أنور هدام لـ «الشرق الأوسط»: أنا عائد إلى الجزائر للمساهمة في تغيير النظام

أبرز القيادات الإسلامية الجزائرية بالمنفى: اسمي موجود في القائمة الحمراء للإنتربول بطلب من الجزائر منذ أغسطس 2010

أنور هدام.. قيادي إسلامي جزائري بالمنفى
TT

أكد قيادي «جبهة الإنقاذ» الجزائرية سابقا، أنور نصر الدين هدام، خبر مغادرته منفاه الأميركي والعودة إلى الجزائر على خلفية الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

وقال هدام، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن عودته المرتقبة مرتبطة بـ«قضية تغيير نظام سياسي مشلول». وكشف عن أنه يقع تحت طائلة أمر بالقبض عليه منذ أن وضعت الشرطة الدولية (الإنتربول) اسمه على لائحة المطلوبين، بناء على طلب من السلطات الجزائرية، مما يعني أن هدام قد يتعرض للاعتقال بمجرد وصوله إلى مطار الجزائر العاصمة. واعتبر هدام عودة التيار الاستئصالي في الجزائر أمرا مقلقا جدا و«يشكل خطرا على البلاد ومستقبله إن تُرك لهم الميدان فارغا. لذا قررت عدم الانتظار أكثر والعودة اليوم إلى أرض الوطن من دون تنسيق مسبق مع أي جهة من السلطة».

كما بين هدام أن الإصلاحات المعلنة غير كافية «فهي تجاهلت السبب الرئيسي لأزمة بلدنا وهو طبيعة النظام السياسي. نحن في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية نعتقد أن أي إصلاحات لما آلت إليه الأوضاع في الجزائر، سيكون مصيرها الفشل إذا تم تجاهل وضعية النظام السياسي وكيفية صنع القرار فيه»، موضحا أنه ينبغي على جميع التيارات والأحزاب احترام العملية الديمقراطية الحقيقية، التي تسعى إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي، وهذا يتطلب احترام وتعزيز حكم القانون والتساوي في المواطنة، ومحاربة الفساد، مع ضمان الحريات الأساسية، الفردية والجماعية، بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة، وحرية الاجتماع السلمي، وتأسيس النقابات والجمعيات الخيرية والثقافية والدينية، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام غير الحكومية.

كما أكد هدام على ضرورة نبذ العنف ورفضه كوسيلة للوصول إلى الحكم أو البقاء فيه، ورفض كل ديكتاتورية أيا كان طابعها وشكلها. وأجرت «الشرق الأوسط» حوارا مع أنور هدام من منفاه، هذا نصه:

> تحدثت الصحافة عن قرب عودتكم إلى الجزائر.. هل هذا صحيح، وما دوافع هذا القرار؟

- نعم، بالفعل قررت العودة إلى أرض الوطن. وأنا لم أغادر البلد للهجرة ولا للنزهة أو للفسحة، إنما غادرت أرض الوطن في إطار مهمة كلفتني بها قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، الحزب الفائز آنذاك بالأغلبية في انتخابات محلية وبرلمانية، والذي تم الانقلاب عليه من قبل العسكر بطريقة خارجة عن القانون وغير دستورية. ومهمتي كانت تمثيل قضية الشعب الجزائري في حقه في اختيار السلطة السياسية، وكذلك شرح موقف الخط الأصيل للحزب. وفي الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى التي أسعى فيها للعودة إلى بلدي للمساهمة في حل أزمة السلطة السياسية بالجزائر، فأول مرة كانت في فبراير (شباط) 1996. فبعد التطورات الخطيرة التي شهدتها الجزائر في تلك سنوات والتصعيد في وتيرة الجرائم في حق الشعب، فإنني مع مجموعة من البرلمانيين تقدمنا من العاصمة السويدية باقتراح علني للسلطة بالسماح لنا بالعودة إلى أرض الوطن للقاء قادة الحزب (وعلى رأسهم عباسي مدني وعلي بن حاج اللذان كانا مسجونين) وإقناعهم بإصدار نداء لوقف العمليات المسلحة، والسعي معا لتحقيق بنود العقد الوطني من أجل حل سياسي للأزمة، والذي توصلنا إليه مع الأحزاب الوطنية الفاعلة في الساحة الوطنية في يناير (كانون الثاني) 1995، وتم رفضه من قبل الانقلابيين وقتها. ومع الأسف الشديد رفضت السلطة مطلبنا، بل كثفت جهودها لتعطيل نشاطنا في الخارج وهكذا تم اعتقالي لمدة 4 سنوات في أميركا ظلما وعدوانا.

وبعدها، حاولت مرة أخرى العودة في 2005 من أجل المساهمة في التصالح الوطني قبل حتى صدور قانون المصالحة (مطلع 2006). كما حاولت بعد صدوره، طالبا بشكل رسمي الاستفادة من مراسيم قانون المصالحة في أغسطس (آب) 2006، ولم أحصل على أي جواب رسمي إلى اليوم. مما يدل على أن التيار الاستئصالي (وصف يطلق على النخبة الفرنكفونية في الحكم) لا يزال متنفذا في السلطة. هؤلاء لم يكتفوا بمنعي من حقي في العودة فحسب، بل ظلوا يلاحقونني ويستخدمون المؤسسات الدولية مثل الإنتربول، ويزودنها بالأكاذيب للتضييق علينا، وهذا منذ بداية التسعينات إلى اليوم: لقد تم بطلب من الجزائر وضع اسمي في القائمة الحمراء للإنتربول في أغسطس من السنة الماضية. إذن، دوافعنا في كل هذه المحاولات كانت دوما وما زالت من أجل المساهمة في طي صفحة الصراع، وإيجاد حل توافقي وطني لما يخدم بلدنا وشعبنا.

> في عام 2005 أعلنتم عودتكم، لكن المشروع لم يتحقق.. ما الذي جد منذ ذلك الحين لبعث قرار دخول الجزائر؟

- الأسلوب هذه المرة يختلف بسبب اختلاف الوضع في البلد والمنطقة. فعودة التيار الاستئصالي في الجزائر أمر مقلق جدا ويشكل خطرا على البلد ومستقبله إن تُرك لهم الميدان فارغا. لذا قررت عدم الانتظار أكثر والعودة اليوم إلى أرض الوطن دون تنسيق مسبق مع أي جهة من السلطة، للمساهمة إلى جانب بقية القوى والشخصيات الوطنية في إحداث التغيير المنشود والذي لا مفر منه، للنظام السياسي، وذلك وفقا لما جاء من مقترحات في مذكرة حركة الحرية والعدالة الاجتماعية (حزب غير معتمد أطلقه هدام قبل أربع سنوات). فلعودتي اليوم للجزائر علاقة بقضية التغيير السلمي لنظام سياسي مشلول أضحى عبئا مكلفا على الجزائر ومستقبلها ومصالحها الاستراتيجية.

> هل تطمحون إلى الانخراط في مشروع سياسي جديد في ضوء الحديث عن إصلاحات سياسية بالجزائر؟

- أولا، ينبغي الإشارة إلى كون الإصلاحات المعلنة غير كافية بالنسبة لنا، فهي تجاهلت السبب الرئيسي لأزمة بلدنا وهو طبيعة النظام السياسي. نحن في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية نعتقد أن أي إصلاحات لما آلت إليه الأوضاع في الجزائر سيكون مصيرها الفشل إذا تم تجاهل وضعية النظام السياسي وكيفية صنع القرار فيه. النظام السياسي المغلق الذي سمح لعدد قليل من الأفراد، بطريقة خارجة عن القانون ومخالفة للدستور، بمصادرة حق الشعب بأكمله عندما اختار ممثليه يوم 26 ديسمبر (كانون الأول) 1991، هو النظام نفسه الذي يسمح لنفس المجموعة اليوم بالإصرار على منع الشعب من ممارسة سيادته وتقرير مصيره، واختياره هو لا غيره من يقوم بمصالحه.

إذن أولويتنا اليوم تكمن في المساهمة من أرض الوطن، إلى جانب القوى الراغبة في التغيير، في إيجاد توافق وطني حول أسس نظام سياسي جديد يعبر عن الشعب في تنوعه. أما بالنسبة إلينا، فنشاطنا السياسي كان دوما وسيبقى بإذن الله تحركا مبدئيا ولخدمة مصالح شعبنا. فكان التحاقنا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ بناء على مشروعها السياسي وممارسات مضبوطة بقانون أساسي واضح المعالم. كما أنه تمت استقالتنا من قيادة الجبهة في صيف 2004 لأسباب سياسية تنظيمية داخلية. وبالتالي إن لم يتم الاتفاق مع باقي قيادات الجبهة في المستقبل على البرنامج السياسي والقانون الأساسي، فسوف يحول فريق عمل حركة الحرية والعدالة الاجتماعية الذي أعلنا عنه في يناير 2007 إلى حزب سياسي جديد.

> ما موقع جبهة الإنقاذ اليوم على الساحة الجزائرية بعد مرور 19 سنة من حظرها بقرار قضائي؟

- تصعب الإجابة عن هذا السؤال والجزائر تعيش في قبضة نظام سياسي مغلق. فمن المنطق بل من الحق اعتبار الجبهة الإسلامية للإنقاذ حزب الأغلبية الذي أفرزته انتخابات ديمقراطية شفافة في 1990 و1991 إلى أن تتم انتخابات ديمقراطية أخرى بمشاركة جميع أبناء وبنات شعبنا دون إقصاء. وليس لأحد حق الفيتو على من يريد خدمة الشعب. المهم هو كما تم تأكيده في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية، ينبغي على جميع التيارات والأحزاب احترام العملية الديمقراطية الحقيقية، التي تسعى إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي، والتي تتطلب احترام وتعزيز حكم القانون والتساوي في المواطنة، ومحاربة الفساد، واحترام وتعزيز حقوق الإنسان كما نص عليها الإعلان العالمي، والاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان، والمعاهدة الدولية ضد التعذيب، مع ضمان الحريات الأساسية، الفردية والجماعية، بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو اللغة، وحرية الاجتماع السلمي، وتأسيس النقابات والجمعيات الخيرية والثقافية والدينية، والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام غير الحكومية، وكذلك احترام التناوب السياسي بالاقتراع العام، والتزام الحزب الفائز بالأغلبية باحترام حقوق الأحزاب السياسية الأخرى مع نبذ سياسة الاستئصال وكذلك التزام تلك الأحزاب باحترام حق حزب الأغلبية في تطبيق برنامجه الذي حظي بتزكية الشعب عبر الانتخاب، مع الحفاظ على حق ممارسة المعارضة السياسية، ورفض العنف كوسيلة للوصول إلى الحكم أو البقاء فيه، ورفض كل ديكتاتورية أيا كان طابعها وشكلها، واحترام وتعزيز التسامح والتنوع والتعددية، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، واستقلالية الإعلام، ومن حق الشعب الدفاع عن مؤسساته المنتخبة، وعدم تسليح الأحزاب السياسية أو تمويلها من الخارج، وعدم توريط المؤسسة العسكرية والأمنية في المنافسة السياسية ومبدأ إخضاعهما للسلطة السياسية المنتخبة، واحترام المؤسسات الدستورية للبلاد والالتزام بالعمل داخل إطار الدستور، وأن أي تغيير للدستور لا ينبغي أن يتم إلا عبر وسائل الدستور.