الصدر عند مفترق طرق.. وما يختاره قد يغير وجهة العراق أيضا

زعيم التيار الصدري يدرس خطوته التالية مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي

مقتدى الصدر (أ.ف.ب)
TT

قاتل الرجال الذين كانوا يوما من أفراد جيش المهدي، الجماعة المسلحة التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الأميركيين خلال السنوات الأولى من الاحتلال، ويقولون إنهم سيعاودون القيام بذلك إذا أمرهم الصدر. لكن، حتى هذه اللحظة، يبدو أنهم يخوضون معركة مختلفة في صفوف جماعة «الممهدون»، الذين يأتون خلفا لجيش المهدي الذي يدير فرقا لكرة القدم ويوفرون عمليات ختان للذكور لغير القادرين من أبناء الأسر الفقيرة ويجمعون القمامة بعد زيارة الأماكن الشيعية المقدسة ويقدمون دروسا في الكومبيوتر، فضلا عن تقديم دروس في القرآن.

ومع اقتراب موعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية من العراق، فإن السؤال هو: ماذا سيفعل الصدر؟ قد تكون جماعة «الممهدون» من الإجابات المحتملة عن هذا السؤال. استخدمت هذه الجماعة، التي أنشئت بعد حل جيش المهدي عام 2008، والتي تعد أقل شهرة من حزب الله في لبنان، وحماس في غزة والضفة الغربية، الأسلحة السياسية والعسكرية والاجتماعية بدعم مالي من إيران لإثارة طبقة الفقراء من الشيعة والتأثير في الحياة العامة. لكن يبدو أن الصدر يحاول الاضطلاع بعدة أدوار أخرى، منها: إثارة الشارع ومقاومة النفوذ الأميركي بالكلمات. وسوف يحدد الاتجاه الذي سيقرره الصدر إلى حد كبير المستقبل القريب للدولة مع تراجع الدور الأميركي عسكريا. وربما يكون الصدر أكثر الشخصيات العامة التي ظهرت في أعقاب الغزو الأميركي تقلبا، ومر نفوذه بمراحل متعددة، بدءا بمقاتل في حرب الشوارع إلى رجل دين منفي، ثم إلى سياسي ذي نفوذ من خلال العودة منتصرا بعد الانتخابات البرلمانية العام الماضي.

ويقول الكولونيل دوغلاس كريسمان، قائد الجيش الأميركي الذي يتابع النشطاء التابعين للصدر في الجنوب: «هناك اعتقاد سائد أن الصدر يحاول اتخاذ قرار بشأن خطوته المقبلة ووضع تياره في خريطة العراق المستقبلية». وقد لاحظ القائد إصدار مكاتب محلية تابعة للتيار الصدري رسائل مناهضة للأميركيين.

ويعتقد الكثيرون أن هدف الصدر هو إقامة دولة داخل الدولة، مثل حزب الله، إلى أن يتمكن من تولي السلطة في العراق. وتقول ماريسا كوكرين سوليفان، نائبة رئيس معهد دراسات الحرب في واشنطن: «هناك بالتأكيد رغبة في أن يكون العراق نموذجا يمثل إعادة إنتاج بعض ملامح حزب الله في لبنان». وأقر قادة التيار الصدري بالتشابه بينه وبين حزب الله، لكنهم أكدوا الجذور المحلية للتيار. ويقول مهند الغراوي، أحد القادة البارزين في التيار الصدري ببغداد: «هناك أوجه شبه؛ لأننا شيعة ومن حركات المقاومة، لكننا دائما نقول: إن حزب الله مختلف. مقتدى الصدر رجل عراقي يستوحي فتواه من أبيه ويعلم الجميع ذلك». جدير بالذكر أن والد الصدر هو آية الله العظمى محمد صادق الصدر، أحد الشيعة البارزين الذي اغتيل على يد رجال صدام حسين عام 1999.

وتوقفت أنشطة جماعة «الممهدون» في العاصمة بعد أن أدى خلاف بين بعض الفصائل على مبانٍ إلى إضرام النيران في بعض المنازل ببغداد. وتشير هذه الحادثة، إضافة إلى بعض الخطابات الأخيرة للصدر، إلى وجود بعض الصراعات الداخلية، لكن لا يمكن إنكار النفوذ المحتمل لهذه الجماعة، ناهيك عن الصدر نفسه. وفي إطار طبيعة الصدر المتقلبة، استمد الصدر نفوذه من خلال مجلس محافظة ميسان في الجنوب ومن كتلته السياسية في البرلمان التي تعتبر من المكونات الرئيسية للائتلاف الحاكم. وساعد الصدر، منذ أقل من عام، في تشكيل الحكومة الحالية عندما قرر دعم نوري المالكي لفترة ثانية كرئيس وزراء. وساعد هذا الدعم في إنهاء حالة من الجمود استمرت ما يزيد على 8 أشهر عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت العام الماضي، ومنح التيار الصدري السيطرة على بعض الوزارات المهمة. وأبقت معارضة الصدر الصريحة للوجود الأميركي في العراق وتهديداته باللجوء إلى العنف إذا استمر بقاء القوات الأميركية بعد انتهاء العام الحالي القضية غير محسومة؛ حيث لم يبق سوى 3 أشهر على مغادرة القوات الأميركية.

ويرسل الصدر رسائل مختلطة؛ فقد أصدر أوامره إلى أفراد جماعته المسلحة الباقين «لواء اليوم الموعود» بمقاومة ما يسميه الاحتلال الأميركي من خلال تواصله معهم من قم في إيران، حيث قضى سنوات دراسته الدينية. وقد قاموا بذلك؛ حيث قتلوا عددا كبيرا من الجنود الأميركيين في جنوب العراق قبل أن يعلق الهجمات. وقال إنه سيعيد تفعيل جيش المهدي في حال استمرار بقاء القوات الأميركية في العراق، ثم عاد ليقول إنه لن يفعل.

وفي دولة يفتقر كثير من السياسيين فيها إلى قاعدة شعبية، لا تزال شعبية الصدر في الشارع العراقي تتأرجح. وقد حد قراره بمنع أتباعه من الانضمام إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة في فبراير (شباط) مد الغضب الشعبي بسبب الفساد ومستوى الخدمات المتراجع وغياب فرص العمل، وحمى المالكي من اندلاع انتفاضة في خضم الربيع العربي.

لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، اتخذ الصدر منحى مغايرا؛ حيث طالب حكومة المالكي بتوفير وظائف وتحسين الخدمات وتقديم حصة أكبر من الموارد النفطية للشعب. احتشد أتباع الصدر بعد صلاة الجمعة في عدد من معاقل الصدر في بغداد ومدن العراق الجنوبية ومنها النجف والبصرة ضد الحكومة وحملوا أجهزة منزلية معطلة كرمز للانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.

إن حث الصدر لأتباعه على الخروج للتظاهر في الشوارع يثير الكثير من المتاعب للمالكي، حتى إن كانت تجمعات يوم الجمعة قصيرة المدة؛ حيث لم تتجاوز 20 دقيقة في مدينة الصدر، ولم تتمتع بالزخم مثل مظاهرات الصدر السابقة، التي حدثت خلال العام الحالي ضد القوات الأميركية وتضمنت إشعال النار في الأعلام الأميركية. ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين عن إمكانية حشد التيار الصدري للناس في الشوارع: «يشعر المالكي بقلق شديد من احتمال حدوث ذلك».

وقال عبد الله أمير، أحد أفراد الجماعة، إن هدفها هو «تقديم وجهة نظر مغايرة، مفادها أن الإسلام ليس دين عنف». لكن قال أفراد الجماعة إنهم سيحملون السلاح ضد الأميركيين إذا صدرت لهم أوامر بذلك من الصدر. ويقول الشيخ فرحان الحسيني، وهو مهندس وينتمي إلى الجماعة: «مع كل الاحترام للشعب الأميركي، فإنهم بشر، لكن قادتهم وحكومتهم وقواتهم المحتلة تتخذ موقفا معاديا لدولنا، خاصة العالم الإسلامي».

* خدمة «نيويورك تايمز»