السعودية.. حضور عالمي خلال تسعة عقود وبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة

أبناؤها يستذكرون ملامح من تاريخ المملكة في يومها الوطني وسط تغيرات عالمية وإقليمية لافتة

القيادة السعودية.. توجه جاد لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل
TT

وسط أحداث وتغيرات عالمية وإقليمية لافتة، يحتفل السعوديون اليوم الجمعة 23 سبتمبر (أيلول) بيومهم الوطني الـ81 وسط إنجازات متعددة وتفاؤل بواقع ومستقبل أكثر إشراقا، حيث يجسد اليوم الوطني والاحتفال به الوحدة الوطنية الحقيقية والراسخة، التي بسببها تحولت البلاد خلال ثمانية عقود من بلاد صحراوية لا تملك مقومات الدولة الحديثة إلى قوة سياسية واقتصادية ودينية ذات شأن، بل وصاعدة على مستوى العالم.

ويحل اليوم الوطني للعام السابع على التوالي، وقد عبرت البلاد ست سنوات ودخلت العام السابع من عهد الملك عبد الله الذي نجح في دفع العجلة إلى الأمام ونقل البلاد نقلات أكثر تطورا، مواصلا طريق المنجزات التي تحققت في العهود السابقة لتتواصل مسيرة العطاء الذي اعتبر أن الاحتفاء باليوم الوطني السعودي تجسيد للوحدة الوطنية والحفاظ على منجزات الوطن والالتزام بالمزيد من تكريس الجهود لتحقيق التنمية على اختلافها في كل بقاعه. وجاءت تأكيدات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال احتفالات الأعوام الماضية المناسبة الوطنية السنوية ذاتها على أن الاحتفاء باليوم الوطني يبرهن على أن البلاد، رغم الصعوبات التي واجهتها خلال العقدين الماضيين، قادرة على تجاوز كل الأزمات التي أحاطت بها وبالعالم أجمع، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين أن الاحتفاء بيوم الوطن يجسد الوحدة الوطنية الراسخة والتمسك بالإسلام عقيدة وشريعة ومقاصد ومنهج حياة وترسيخ قيم العدالة والمساواة بين المواطنين والالتزام بالعمل الحثيث نحو تنمية شاملة للوطن بكل أرجائه وتأكيد إسهام البلاد في وحدة الصف العربي وتماسك الأمة الإسلامية واستقلال ورخاء العالم أجمع.

وقرر الملك عبد العزيز، وهو شاب في العشرين، أن يسترجع مملكة أجداده، وقرأ جيدا مستقبل العالم، فأدرك أن الإسلام هو الطاقة الروحية الهائلة التي لا تنضب والتي لا تقوم من دونها أية دولة قوية في أرض العرب، فطبق الشريعة الإسلامية وجعلها منهج حكم ودستورا واعتمد ثوابت أساسية لبلاده تنطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. كما أدرك أن النفط هو الطاقة المحورية لاقتصاد العالم في القرن العشرين. وأعاد الملوك من أبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وعبد الله - حفظه الله - النهج ذاته، حيث ترجم هؤلاء الملوك كل ما وضعه الملك المؤسس من استراتيجيات وأهداف بعد رحلة كفاح وبطولة في مسيرته الطويلة لبناء الدولة الحديثة وتحويل المستحيل إلى حقائق تنطق بعظمة المسيرة والعمل.

وإذا كانت السعودية قد شهدت عقودا طويلة من الفوضى والقلأقل والاضطرابات ليأتي الملك المؤسس ليبدل خوفها إلى أمن، وجهلها إلى علم، وفقرها إلى رخاء، فإنه يمكن القول إن الملك عبد العزيز قد كرس جهوده لإرساء قواعد النهضة الحديثة من خلال ترسيخ الأمن والاستقرار والتعمير وتوطين البادية وتأمين طرق الحج وتأسيس مجلس الشورى وإطلاق مشاريع تعليمية واستحداث أساليب الحياة، بالإضافة إلى إقامة علاقات مميزة مع الدول العربية والإسلامية والأجنبية والدفاع عن قضايا الحق والعدل، مما جعل البلاد تحتل مكانتها على خارطة العالم ومعها أصبحت السعودية إحدى الدول القلائل في العالم التي تحظى بتقدير واحترام المجتمع الدولي.

ويجب الاعتراف بأن اكتشاف النفط عام 1938 بكميات تجارية ساهم في وضع أرضية لتطوير البلاد والنهوض بها وتطوير مواردها الاقتصادية.

واستطاعت القيادات السعودية بعد رحيل الملك المؤسس أن ترسو بسفينة الوطن على بر الأمان ونجحت في قراءة أحداث العالم وجنبت البلاد الكثير من الهزات العالمية وساهمت في تحقيق إنجازات تنموية لافتة، كما نجحت البلاد في تحقيق كيان اقتصادي واجتماعي لافت حقق الرفاهة والاستقرار والرخاء للمجتمع، كما واكبت البلاد طوال تاريخها أساليب التطوير والتنمية وحققت نقلة نوعية في أسلوب الحكم وتحقيق التنمية الشاملة وتوفير المناخ الملائم للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تحقيق رغبات الشعب من خلال التوسع في التعليم بكل مراحله والاهتمام بالتدريب وتوفير الرعاية الصحية المتقدمة وتشجيع حركة القطاع الخاص وتعضيد دوره، كما ارتكزت خطط التنمية على الأهداف من جهة تنمية قدرات الموارد البشرية وتوفير الفرص الوظيفية الملائمة وتوفير الخدمات التعليمية والاجتماعية والتدريب.

وبعد المسيرة الطويلة الحافلة بجلائل الأعمال، وبالصور الباهرة من السباحة الناجحة في محيط من المشكلات كان صعبا ووعرا، توفي الملك الموحد عبد العزيز في شهر ربيع الأول (1953م) بالطائف، ووارت الأرض جثمانه بمقبرة العود شرقي مدينة الرياض.

وقد تولى بعده ابنه ولي عهده سعود (الملك) الذي جددت له البيعة عقب وفاة والده في 9 – 11 - 1953م. وفي عهده، بدأت الدولة تأخذ بالأساليب العصرية في الحكم والإدارة، يساعده ولي عهده الأمير فيصل، وبقية إخوته.

وقد اكتمل في عهده هيكل عدد من المشروعات والإنشاءات، واستحدث المزيد من الأجهزة الإنتاجية، فضلا عن بناء الجيش وسلاح الطيران، واتسع التعدين، وأنشئت أول جامعة في المملكة وشهد القطاعان الزراعي والصناعي نموا ملموسا، وفي آخر عهده وقعت المسؤولية كاملة على أخيه وولي عهده الأمير فيصل، واقتضى الأمر تنصيب ولي العهد فيصل ملكا على البلاد في 1 – 11 - 1964م فما كان من الملك سعود إلا أن بايع أخاه فيصل، ثم سافر خارج البلاد إلى أن وافاه الأجل عام (1969م)، فنقل جثمانه إلى الحرم المكي، وصلي عليه هناك، ثم نقل إلى الرياض حيث دفن في مقبرة العود إلى جوار والده.

كان الملك فيصل قد بويع وليا للعهد بعد وفاة الملك عبد العزيز، ثم ملكا على البلاد عام 1384هـ (1964م) واقترن اسمه بالتضامن العربي والإسلامي.

وكان الملك فيصل محنكا ذكيا مطلعا على معالم التطورات السياسية والصناعية في العالم، وفي عهده زادت عائدات البترول، وازداد دخل البلاد زيادة كبيرة عادت بالإنفاق السخي على المشروعات، مما أدى إلى طفرة في النهضة الحضارية.

وكان قبل وفاة والده نائبا له على الحجاز ورئيسا لمجلس الشورى، وهو من مواليد الرياض عام (1906م) وكان وزيرا للخارجية في عهد والده، وبعد رحلة طويلة من العطاء المحلي والعالمي الرائع عبر الوطن السعودي والعالمين العربي والإسلامي والدولي، سقط الفيصل شهيدا في 20 مارس (آذار) 1975م.

وبعد استشهاد الملك فيصل، بويع الملك خالد بن عبد العزيز ملكا على البلاد، كما بويع الأمير فهد بن عبد العزيز وليا للعهد، ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، واختير الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني.

وفي عهد الملك خالد واصلت المملكة خططها التنموية الهائلة، ودخلت البلاد عهدا جديدا سمي بـ«عصر الطفرة» حيث أقرت مشاريع إسكانية وتعليمة وصحية لافتة، واشتهر الملك خالد بالتقوى والورع والسماحة والتواضع، حتى توفى في 13 – 6 - 1982م.

عقب وفاة الملك خالد، بويع أخوه وولي عهده الملك فهد بن عبد العزيز بالإجماع ملكا على البلاد، وشهدت المملكة على يديه طفرة هائلة في المجالات الاقتصادية والعمرانية والتعليمية كافة، ليس في المدن فحسب؛ بل في كل جزء من أجزاء الدولة المترامية الأطراف، وشهد الحرمان الشريفان خدمات وتوسعات لم يعرفها التاريخ من قبل. وكان أول من لقب بـ«خادم الحرمين الشريفين» بطريقة رسمية، وأبدى رغبته في التمسك بهذا اللقب قائلا: «إنه أحب الألقاب وأقربها إلى نفسي».

وقد تحقق في عهده نمو سريع في المجالات التعليمية والعمرانية، فانتشرت المدارس والمعاهد العلمية في أنحاء المملكة، كما أنشئت الكليات النوعية إلى جانب سبع جامعات ضمت الآلاف من الطلاب والطالبات.

وحين وقعت أزمة الخليج وغدر الطاغية صدام حسين بدولة الكويت وبإخوانه العرب، تصدى الملك فهد لتلك الكارثة، وبذل كل ما يملك في مجال دفع شر المعتدي، حتى تمكن من طرده وتحرير الكويت، مما جعل إنجازه ذلك محل تقدير وإعجاب العالم.

وفي عهده تم تطوير هيكل نظام الحكم؛ فقد أصدر مراسيم نظم تاريخية ثلاثة هي: نظام الحكم، ونظام الشورى، ونظام المقاطعات.

على أثر وفاة الملك فهد في 30 يوليو (تموز) 2005م بويع أخوه الملك عبد الله ملكا للبلاد وقائدا لها، فتقبل بيعة المواطنين، ولقب بـ«خادم الحرمين الشريفين»، وهو من مواليد عام 1923م.

كان الملك عبد الله عاش في كنف والده الملك عبد العزيز، وتربى على يديه وتخرج في مدرسته، وعرف بين مواطنيه بالميل إلى البساطة في العيش والتسامي مع مكارم الأخلاق والتواضع.

وكان قد تسلم رئاسة الحرس الوطني في وقت مبكر، وعمل على تحديث ذلك القطاع حتى أصبح على ما هو عليه اليوم، فكان لتحمله مسؤولية تلك المؤسسة الدور الفعال في تطويرها وتحديثها.

وكان إبان ولايته للعهد يؤدي أدوارا بارزة في الدبلوماسية العربية والإسلامية والعالمية، وعرف بالمبادرات الفعالة، واحتواء الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء والفرقاء.

وفي بواكير عهده، استطاع أن يحقق الكثير من الإصلاحات التي يطمح إليها المواطنون، فأنشأ مؤسسة الحوار الوطني، وفوض صلاحيات واسعة للجهات ذات الأثر في نهضة البلاد ورقيها، كما تمكن بإيمانه وحب المواطنين له أن يشعر الناس بالطمأنينة.

وقد استطاع أن يقضي على كثير من بؤر الإرهاب والانحرافات، يدعمه ويساعده ولي عهده، الأمير سلطان بن عبد العزيز، مما جعل الناس يستبشرون بعهدهما استبشارا فوق استبشار.

وقد استهل عهده الكريم بعدد من المشروعات الإصلاحية، كان من بينها؛ بل من أهمها، مبادرته بإنشاء «هيئة عقد البيعة» المعروفة اختصارا بـ«هيئة البيعة» لتعالج موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة، وقد استقبل الشعب السعودي بمختلف فئاته ذلك الأمر استقبالا يعبر عن الفهم والارتياح، لما ينطوي عليه ذلك النظام من صيغة واضحة لآلية انتقال السلطة، ولما يدل عليه من أن المملكة دولة عصرية تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.

وبهذا الأمر المهم استكمل دستوريا بعض جوانب تتعلق بأمر مهم، حيث صدر ذلك في 22 – 10 - 2006م باسم «نظام هيئة البيعة».

وفي شهر مارس من عام 2009 تم تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى منصبه وزيرا للداخلية، الذي يعد العصر الذهبي للوزارة، وشهد هذا العهد تحديات كبيرة تمثلت في قضايا الإرهاب الذي اكتوت بناره البلاد واستطاعت أن تتجاوزه بكل اقتدار رغم أن الإرهاب لا يعرف مكانا أو زمانا.