الملك المؤسس: لسنا ملوكا.. لكننا أصحاب رسالة

حكام آل سعود.. من لقب الإمام والأمير إلى خادم الحرمين

الملك المؤسس عبد العزيز أول من لقب بالملك في الدولة السعودية
TT

قدم مؤرخ سعودي معلومات مقتضبة لكنها مفيدة عن تاريخ آل سعود ونضال أبنائهم في مختلف مراحلهم، حتى توج نجاحهم بتأسيس المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وعرج على الحديث عن أساليب مخاطبة الحاكم في الأسرة السعودية، موضحا الألقاب التي تطلق على الأسرة المالكة، وقدم لمحة موجزة عن تاريخ آل سعود، وذلك في كتابه النادر عن «تاريخ الراية السعودية.. أعلام وأوسمة وشارات وطنية».

ويوضح المؤرخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد أن المصادر التاريخية التي تحدثت عن آل سعود في التاريخ أجمعت على أن عشيرتهم الدروع تعد أشهر الفروع المنتسبة إلى «حنيفة» من قبائل «بكر بن وائل»، وتنتسب أسر عديدة في بلد الرياض إلى الدروع، الفرع الثاني الذي اشتهرت أخباره في القرنين السابع والثامن الهجريين (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين)، وإخوتهم آل يزيد يكثر وجودهم في الرياض ومنفوحة وصياح وملهم وبنبان والبرة والعويند. ويوجد إخوانهم «آل مزيد من حنيفة» في البخراء وحرمة والحلوة والخرج ونعام، غير أن آل يزيد هؤلاء قد دخلوا في قبائل عائذ حلفا وتعاونا لا نسبا.

ألقاب ومسميات

* تتم مخاطبة الحاكم في الأسرة المالكة السعودية بأساليب مختلفة، لكن الأصل الشائع في المراحل الأولى مخاطبته باسمه مجردا أو بكنيته، وهي عادة شائعة، وقد ينادونه بلقب «الأمير». أما اللقب السياسي للحاكم في الدولة السعودية منذ عهد الدولة السعودية الأولى وحتى الآن، فهو لقب «الإمام»، لأن الحاكم في هذا البيت يجمع في حكمه بين الزعامتين الدينية، والسياسية.

أما اللقب الرسمي للحاكم من الأسرة المالكة بعد قبول الملك عبد العزيز مبايعته بالملك فهو «ملك نجد وملحقاتها»، ثم أخيرا بعد توحيد المملكة غربا ووسطا وجنوبا وشرقا وشمالا لقب بـ«ملك المملكة العربية السعودية».

ومع ذلك كان الملك عبد العزيز يقول «إننا آل سعود لسنا ملوكا، لكننا أصحاب رسالة». ولذلك ظلت ظاهرة عدم الاستئناس بالألقاب الكبيرة شائعة في بنيه من بعده، فالملك سعود لم يصدر أي بيان أو مرسوم يتعلق بإضافة المزيد من الألقاب، والملك فيصل أقيم له حفل تكريم في الرياض بعد مبايعته بالملك، وعندما سمع الخطباء يلقبونه بـ«صاحب الجلالة» هب واقفا يشكرهم على إخلاصهم وولائهم ويوجههم بأن الجلالة والعظمة لله تعالى وحده، ويشعرهم بعدم ارتياحه للقب «صاحب الجلالة».

وكان يطلق على الملك عبد العزيز لقب أمير، وهو من الألقاب المعروفة عند العرب، وسمي الأمير أميرا لأنه يأمر فيطاع، وكلمة أمير تطلق اصطلاحا على عدة معان بالنظر لما تضاف إليه، منها لقب «أمير المؤمنين» و«أمير الأمراء» و«أمير نجد»، كما تطلق على من يحكم ثلاثة من القوم أو جماعة من الناس، ويشمل ذلك حاكم المقاطعة أو القرية.

وترد كلمة أمير بمعنى اللقب الملكي خاصة في الأسرة المالكة عرفا، وهو لقب يطلق على الذكور منهم من سائر الفروع، بل ويطلق على الإناث بما في ذلك زوجات الملوك وزوجات بقية الأمراء، وإن كن من غير الأسرة المالكة. وهذا اللقب يستعمل في المكاتبات الرسمية وفي إصدارات المراسيم والأوامر الملكية.

وهناك لقب ثالث يطلق على الحاكم من الأسرة السعودية وهو لقب استمد من الرعاية الخاصة التي يقوم بها العاهل السعودي تجاه الوافدين إلى الأماكن المقدسية لأداء شعيرة الحج، كما أن هذا اللقب مستمد من مسؤولية الاضطلاع بمسؤوليات الأماكن المقدسة والقيام بكل شؤونها وخدماتها التي تحفظ لها استمرارية أدائها لمهماتها، ومن تلك المسؤولية انبثق أدق لقب يعبر عن ذلك وهو لقب «خادم الحرمين الشريفين».

وقد تأكد استعمال هذا اللقب بإعلان الملك الراحل فهد بن عبد العزيز في جمع الناس بالمدينة المنورة عام 1987م، أن هذا اللقب هو أحب الألقاب إليه. وقد ذاع هذا اللقب وشاع لارتباطه بقدسية الحرمين الشريفين، وصار الملك فهد يخاطب بهذا اللقب رسميا. وقد أقر هذا اللقب ورحب به أخوه، خليفته خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فلقب به، وهو لقب يدل على التزام الأسرة وتواضعها وإيمانها وتكريمها للحرمين الشريفين واعتزازها بخدمتهما.

ومعلوم أن الملك عبد العزيز لم يقبل لقب سلطان ولا غيره من الألقاب إلا مجاراة لما كان مألوفا في زمنه، وما كان عادة جرى عليها حكام البلاد العربية آنذاك، ويقال إن الملك عبد العزيز لم يكن يأنس لتلك الألقاب، لكنه لم يكن في استطاعته أن يرفض ما فرضته عليه الظروف العالمية والعربية العامة التي تفرض ألقابا دالة على نظام الحكم، فضلا عن استجابة الشعب السعودي لهذا اللقب أو ذاك تكريما له أو توددا إليه واعترافا بفضله وتحقيقا لهيبته، ورمزا لقيادته.

وقد أطلق هذا اللقب أخيرا على الأمراء لأسبقيتهم وجهادهم وجهاد آبائهم وأجدادهم الذين أقاموا هذه الدولة، وقاتلوا دفاعا عنها، وغرسوا شجرة الوحدة والتوحيد، وما زالوا يشعرون في كل مواقعهم بأنهم المسؤولون عن الوطن والسباقون لبذل الأنفس والأموال في سبيل إعلاء كلمة الله، في الوطن السعودي والعالم الإسلامي كله. وقد استشهد الكثير منهم في سبيل ذلك، كما تضامنوا وتكاتفوا تحت قيادتهم لاستعادة هذا الملك أكثر من مرة، فوطدوا الأمن، وأمنوا السبل، وأعلوا كلمة الله، ولهذا فليس عجيبا أن يطلق على كل فرد منهم لقب «أمير»، وإن كان هذا اللقب لا يحمل في مضمونه ما يجعلهم يتجاوزون أو يتدخلون في شؤون الحكم باستثناء شكليات وأعراف لم تفرضها أي مراسم أو توجبها أي إرادة.

ومما يجدر ذكره أن لقب «إمام» لم يطلق على حكام الدولة السعودية الأولى إلا بعد وفاة الأمير المؤسس محمد بن سعود. والإمامة تعبير شرعي يقصد به الرئاسة الدينية والسياسية، وقد يطلق ويراد به الزعامة الدينية أو السياسية. والجدير بالذكر أن لقب «أمير» في الدولة السعودية الأولى كان يطلق على الحاكم «شيخ الدرعية». أما أول من أطلق عليه لقب «ملك» من آل سعود فهو الملك عبد العزيز، لكن ذلك اللقب لا يعني بأي حال التنازل عن اللقب الأساسي وهو «الإمامة» الذي يعني الزعامة الدينية والسياسية، ومع ذلك فإن آل سعود لم يزعموا أنهم بهذا اللقب يتولون الإمامة على كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإنما كانوا يستعملونه الاستعمال الشرعي، ويلقبون به مثلما يلقب به غيرهم في مختلف البلاد الإسلامية.

ويبدو أن فريقا من الناس يجادل في هذا اللقب، ويزعم أنه لقب يختص بقريش، مما دعا فريقا من فقهاء المسلمين للرد على هذا القول، وأن يوضحوا أن إطلاق لقب «إمام» قد ورد تخصيصه بقطر ما، وأنه قد يعني الإمامة العامة والإمامة الخاصة. وللإيضاح فإن إطلاق لقب «الإمام» على رئيس الدولة في البيت السعودي تقليد، لكن الحاكم نفسه لا يستخدمه، وقد أطلق عليه ذلك اللقب تكريما.. ومن المؤكد أنه لم يطلق على الحاكم السعودي فترة تألق الدولة السعودية الأولى، لكن المؤرخين اهتموا بهذا اللقب مؤخرا، وأصبح شبه لازمة في الحديث عن القائم بالأمر، حتى بعد أن أصبح الملك عبد العزيز سلطانا ثم ملكا.

ومع هذا فإن أحدا من حكام آل سعود لا يزعم لنفسه دعوى الإمامة أو الخلافة على بقية المسلمين، فالإمام يعني الملك.. تعبير شرعي عن إمامة بلاده، وإمامته على المسلمين في ولايته فقط، ولم يلقب أحد بعد الملك عبد العزيز بلقب «إمام» في ما نعلم، وإن حاول بعضهم إدراج ذلك في كتاباته اجتهادا.. إذ لم يكن أحد من حكام آل سعود يتطلع أو يتشوق لمثل هذا اللقب أو أي ألقاب أخرى، فالألقاب في رأيهم في جملتها غريبة النشأة، ولم يقبلوا بعضها إلا مجاراة لما كان مألوفا في البلاد العربية والإسلامية وفي العالم. أما لقب «صاحب السمو الملكي» فهو من الألقاب الملكية المتعارف عليها والمنقولة من اللغات الأخرى، ومعنى السمو لغة «الرفعة»، وعند إضافة لقب «صاحب السمو» إلى لقب ملكي، يقال «صاحب السمو الملكي»، فهذا يعني أن أصحابه من الطبقة الأولى من أولاد الملك، دون الأحفاد وأبناء الأحفاد. لكن جرى العرف في هذه البلاد على إطلاق لقب «صاحب السمو الملكي» على أبناء من يتولى الملك - بنين وبنات - وأحفاده مهما نزلوا، أما غيرهم فيطلق عليهم لقب «صاحب السمو» فقط.

أدوار ثلاثة لتاريخ آل سعود

* ويقدم الرويشد موجزا عن تاريخ الأسرة السعودية، موضحا أن تسمية هذه الأسرة (آل سعود) تعود إلى اسم مؤسس الدولة السعودية الأولى (محمد بن سعود بن محمد بن مقرن) أو إلى (سعود بن محمد بن مقرن). وقد اتفق الدارسون على تقسيم تاريخ آل سعود إلى ثلاثة أطوار هي:

- الدولة السعودية الأولى:

تبدأ من تاريخ لقاء محمد بن سعود بالشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتنتهي باستسلام الإمام عبد الله بن سعود لإبراهيم باشا، وربما ألحقوا بها فترة الفوضى التي تبدأ من سنة 1818م، وهي الفترة التي امتحنت فيها الأسرة السعودية والعقيدة السلفية امتحانا صعبا.

- الدولة السعودية الثانية:

تبدأ بنجاح الإمام تركي بن عبد الله في الاستيلاء على الرياض وإجلائه القوات التركية عام 1240هـ (1824م)، وتنتهي بخروج الإمام عبد الرحمن بن فيصل من الرياض (1891م) واستيلاء ابن رشيد على الإمارة.

- الدولة السعودية الثالثة:

تبدأ باستعادة الملك عبد العزيز الرياض سنة 1902م إلى يومنا هذا، وستظل فتية قوية أبدا بإذن الله.

وقد تبع لقاء الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعقد البيعة، انضمام بعض البلدان النجدية إلى الدولة الجديدة، كما رفضت بلدان أخرى الانضمام إلى هذه الدولة وحاربتها، وكان أشهر الرافضين المعارضين دهام بن دواس، في الرياض، الذي ظل يحارب الدولة والدعوة نحو 28 عاما.

وعندما توفي أمير الدرعية محمد بن سعود كان نفوذه قد انتظم الدرعية وعدة أقاليم محدودة من نجد. وقد خلفه في الحكم ابنه عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي كان من أعظم الحكام الذين ظهروا في جزيرة العرب عبر التاريخ من حيث المهارة العسكرية والإدارية والعدل والتدين، وقد امتد نفوذ دولته إلى مناطق نجد والأحساء وعسير وأجزاء من الحجاز وساحل الخليج العربي، وتمكنت جيوشه من صد حملات ولاة العراق، كما قامت بهجمات على الأرضي العراقية.

وفي سنة 1803م دخلت جيوش عبد العزيز مكة المكرمة دون إراقة دماء، إلا أنه ومع الأسف قام أحد المأجورين العراقيين في تلك السنة نفسها باغتيال هذا الإمام العظيم في مسجد الطريف بالدرعية. وقد خلفه في الحكم ابنه سعود الموصوف بـ«سعود الكبير»، الذي واصل جهود أبيه في توسيع نفوذ دولة الدرعية، وترسيخ الإصلاحات الدينية التي قامت تلك الدولة على أساسها، وقد نجح الإمام سعود في مسعاه، حتى لم يعد يخرج عن نفوذ دولته في جزيرة العرب إلا مناطق من اليمن وعمان وحضرموت والكويت.

وكانت بعض القبائل في كل من العراق والشام تدفع الزكاة لبلاده، ولما استولى هذا الإمام على الحجاز ازدادت حماسة السلاطين العثمانيين ضد دولته، فأمروا واليهم على مصر (محمد علي باشا الألباني) بتجهيز حملة قوية لاستعادة الحرمين، والقضاء على دولة آل سعود، ووصلت تلك الحملة إلى الحجاز سنة 1811م، ونجحت في دخول المدن الحجازية دون مشقة، على الرغم مما تكبدته من خسائر فادحة، ووطدت حكم شريف مكة المتواطئ معها ضد آل سعود.

وبينما كانت قوات محمد علي (حاكم مصر الألباني) تواصل حروبها في منطقة عسير وتمنى بالهزائم، توفي الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (حاكم الدرعية) وذلك سنة 1814م. وقد خلف الإمام سعود في الحكم ابنه عبد الله الذي توصل مع الغزاة وقائدهم طوسون بن محمد علي إلى صلح، لكن محمد علي رفض الصلح، وأرسل حملة أخرى بقيادة ابنه إبراهيم. وعلى الرغم مما أبداه السعوديون من أنصار الإمام عبد الله بن سعود من صمود وبسالة، فقد نجح إبراهيم باشا في الوصول بجيشه إلى الدرعية (عاصمة آل سعود) وحاصرها أكثر من ستة أشهر، دارت خلالها معارك عنيفة بين الجانبين، وكانت الإمدادات تصل إلى إبراهيم باشا يوما بعد يوم، مما اضطر الإمام عبد الله بن سعود في نهاية الأمر إلى الاستسلام، وذلك عام 1818م.

وقد أخذ الإمام عبد الله إلى مصر مع مجموعة من آل سعود وآل الشيخ رجالا ونساء، ثم بعث بالإمام عبد الله من مصر مخفورا إلى عاصمة الدولة العثمانية (الأستانة)، حيث حوكم محاكمة صورية وأعدم في السنة نفسها. وهذه من سقطات الدولة العثمانية الخطيرة.

وبعد أن اتخذ إبراهيم باشا إجراءات لا إنسانية، من قتل وإرهاب وهدم للمدن والقرى، ومصادرة للأموال، غادر نجدا عائدا إلى بلاده سنة 1819م. وبعد رحيله وقضائه على حكم الدولة السعودية تجددت الفوضى في نجد، وضعف الأمن إلى درجة كبيرة، فاستغل أحد المشاهير من الأسر النجدية «محمد بن مشاري بن معمر» الوضع وبدأ يعيد بناء الدرعية ليقيم فيها دولة تحت زعامته، وأخذ بعض أهالي تلك المدينة يعودون إليها، وكان ممن قدم إليها الأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، وأخوه زيد بن عبد الله، وأفراد آخرون من أسرة آل سعود كانوا قد هربوا من الدرعية إبان استسلام الإمام عبد الله بن سعود لإبراهيم باشا.

لكن إمارة ابن معمر لم تعمر طويلا، لأن أحد أفراد الأسرة الحاكمة وهو مشاري بن سعود بن عبد العزيز بن محمد هرب من الأسر ومن حراسه، خلال أسره وترحيله القسري إلى مصر، فعاد إلى نجد، وفاجأ ابن معمر مع جمع من أنصاره في الدرعية، فاستولى على مقاليد الأمور في الدرعية، ومن ثم قام بتعيين الأمير تركي بن عبد الله أميرا على الرياض، ثم تمكن ابن معمر من مفاجأة مشاري بن سعود، فقبض عليه واعتقله، وبعث به إلى الحامية العسكرية المصرية الألبانية الموجودة في عنيزة، وسلمه لها، فتوفي هناك أو اغتيل.

لكن الأمير تركي بن عبد الله لم يقف مكتوف اليدين أمام هذا التصرف، بل جمع أنصاره، وقبض على ابن معمر وأعدمه سنة 1820م، ثم دارت حروب بين الإمام تركي وقوات محمد علي، كان النصر في نهايتها حليفا له وذلك عام 1824م. وبعد أقل من خمس سنوات كانت نجد والأحساء وأجزاء من ساحل الخليج العربي القريبة من عمان تحت نفوذه. وفي عام 1825م تمكن مشاري بن عبد الرحمن بن حسن بن مشاري آل سعود من الهرب من مصر والعودة إلى نجد، فأكرم الإمام تركي وفادته، وعينه أميرا لمدينة منفوحة، وهي الآن حي من أحياء الرياض. وبعد عامين قدم من مصر إلى نجد الأمير فيصل بن تركي الساعد الأيمن لأبيه، لكن مشاري بن عبد الرحمن كان يطمع في الحكم، فخرج على تركي، وحاول الحصول على تأييد أهل نجد، ففشل وهرب إلى الحجاز، ثم طلب العفو من الإمام تركي فعفا عنه، وعاد إلى الرياض، وبينما كان فيصل بن تركي على رأس قوة في المنطقة الشرقية من البلاد دبر مشاري مؤامرة أدت إلى اغتيال الإمام تركي بن عبد الله، وذلك سنة 1834م، واستولى مشاري على مقاليد الأمور.

وما إن علم فيصل بن تركي باغتيال والده حتى عاد إلى الرياض، وحاصر مشاري بن عبد الرحمن، وبعد أربعين يوما من مقتل الإمام تركي تمكن فيصل من قتل مشاري القاتل قصاصا لأبيه، وحكم البلاد. ولم يمض عامان على تولي فيصل الحكم، حتى قامت حملة عسكرية جديدة من مصر على رأسها خالد بن سعود، يرافقه إسماعيل أغا، فاضطر فيصل، أمام تقدم هذه الحملة، إلى أن يغادر الرياض، لكن النكسات التي حدثت لخالد بن سعود رجحت كفة الإمام فيصل، وضيق الخناق على خالد.

وفي مواجهة هذا الوضع أرسل محمد علي الألباني (والي مصر) حملة جديدة بقيادة خورشيد باشا، لدعم أنصاره في المنطقة، وكانت نتيجة الحروب في غير صالح الإمام فيصل الذي استسلم لخورشيد سنة 1839م، فأخذ فيصل مرة أخرى إلى مصر أسيرا.

وقد قام (خالد بن سعود) مقامه، ثم انسحب (خورشيد) مع أكثر قواته من نجد، وبانسحابه أصبح موقف خالد بن سعود ضعيفا، فثار ضده عبد الله بن ثنيان وانتصر عليه سنة 1841م، فهرب خالد بن سعود إلى الحجاز، حيث توفي. وفي عام 1843م تمكن فيصل بن تركي من العودة إلى نجد من منفاه في مصر، سعيا للوصول إلى الحكم، وقد تعاطف معه كثير من النجديين، فتقدم بقواته إلى الرياض، وحاصر عبد الله بن ثنيان آل سعود فاستسلم له، وظل فيصل حاكما دون منازع حتى وفاته عام 1865م. ويعد الإمام فيصل من أعظم ملوك نجد وأكثرهم إدراكا وأوسعهم أفقا، وبعد وفاته دب الخلاف بين أبنائه وتنازعوا السلطة، فثار سعود بن فيصل على أخيه عبد الله، ودارت بينهما حروب كانت سجالا، وفي عام 1871م تمكن الإمام سعود بن فيصل من إجبار أخيه عبد الله على مغادرة الرياض، واستولى عليها، لكنه توفي عام 1874م، فخلفه أخوه عبد الرحمن في الحكم حتى 1876م، ثم تنازل عبد الرحمن لأخيه عبد الله، فثار أبناء سعود عليه وتولى أحدهم (محمد بن سعود) الحكم.

وفي سنة 1887م، تمكن محمد بن رشيد من الاستيلاء على الرياض، وأخذ عبد الله بن فيصل وأخاه عبد الرحمن إلى حائل حيث بقيا سنتين، ثم عادا إلى الرياض، وتوفي الإمام عبد الله بعد أيام من وصولهما، والتف أهل الرياض حول عبد الرحمن للمرة الثانية، وأصبح إماما للبلاد على الرغم من أن القوة الفعلية آنذاك كانت لمحمد بن رشيد.

وفي سنة 1890م دارت معركة في المليداء بين محمد بن رشيد وأهل القصيم، كان النصر فيها حليف ابن رشيد، وما إن علم بذلك الإمام عبد الرحمن حتى ترك الرياض، وقرر أن يجلو بأسرته من نجد عام 1891م إلى الكويت، وأصبح محمد بن رشيد حاكم نجد غير المنازع.

من الكويت إلى الرياض وتأسيس الكيان

* استقر المقام للأسرة السعودية أخيرا في الكويت، وعلى أثر ذلك توفي محمد بن عبد الله بن رشيد عام 1897م، وخلفه في الحكم ابن أخيه عبد العزيز بن متعب بن رشيد. ولم يمر على حكم هذا الأخير أربعة أعوام حتى استطاع عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود استعادة الرياض، ثم ضم إليها الخرج والأفلاج والحوطة والحريق ووادي الدواسر، وبلاد الوشم وسدير والمحمل. وفي عام 1904م حرر بلاد القصيم من الأتراك وتغلب على ابن رشيد. وفي سنة 1913م حرر الأحساء وضمها إلى نجد، وفي عام 1920م ضم كذلك جبل شمر وحائل، وفي عام 1925م ضم الحجاز إلى بقية مملكته، ونودي به ملكا على الحجاز ونجد وملحقاتها. وفي عام 1930م ضم تهامة وعسير وبلاد الأدارسة إلى بقية أجزاء المملكة. وفي 18 سبتمبر 1930م أصدر أمرا ملكيا بتوحيد البلاد في دولة موحدة أطلق عليها اسم «المملكة العربية السعودية».

وبعد المسيرة الطويلة الحافلة بجلائل الأعمال، وبالصور الباهرة من السباحة الناجحة في محيط من المشكلات كان صعبا ووعرا، توفي الملك الموحد عبد العزيز في شهر ربيع الأول (1953م) بالطائف، ووارت الأرض جثمانه بمقبرة العود شرق مدينة الرياض (وسطها حاليا). وقد تولى بعده ابنه ولي عهده سعود (الملك) الذي جددت له البيعة عقب وفاة والده في (1953/11/9 م) وفي عهده بدأت الدولة تأخذ بالأساليب العصرية في الحكم والإدارة، وكان يساعده ولي عهده الأمير فيصل، وبقية إخوته.

وقد اكتمل في عهده هيكل عدد من المشروعات والإنشاءات، واستحدث المزيد من الأجهزة الإنتاجية، فضلا عن بناء الجيش وسلاح الطيران، واتسع التعدين، وأنشئت أول جامعة في المملكة وشهد القطاعان الزراعي والصناعي نموا ملموسا، وفي آخر عهده وقعت المسؤولية كاملة على أخيه وولي عهده الأمير فيصل، واقتضى الأمر تنصيب ولي العهد فيصل ملكا على البلاد في 1964/11/1 م فما كان من الملك سعود إلا أن بايع أخاه فيصلا، ثم سافر خارج البلاد إلى أن وافاه الأجل عام 1969م، فنقل جثمانه إلى الحرم المكي، وصلي عليه هناك، ثم نقل إلى الرياض حيث دفن في مقبرة العود إلى جوار والده.

كان الملك فيصل قد بويع وليا للعهد بعد وفاة الملك عبد العزيز، ثم ملكا على البلاد عام 1964م، واقترن اسمه بالتضامن العربي والإسلامي. وكان الملك فيصل محنكا، ذكيا، مطلعا على معالم التطورات السياسية والصناعية في العالم، وفي عهده زادت عائدات البترول، وازداد دخل البلاد زيادة كبيرة عادت بالإنفاق السخي على المشروعات، مما أدى إلى طفرة في النهضة الحضارية. وقد كان قبل وفاة والده نائبا له على الحجاز ورئيسا لمجلس الشورى، وهو من مواليد الرياض عام 1906م، وكان وزيرا للخارجية في عهد والده، وبعد رحلة طويلة من العطاء المحلي والعالمي الرائع، عبر الوطن السعودي والعربي والإسلامي والدولي سقط الفيصل شهيدا في 20 مارس (آذار) 1975م.

وبعد استشهاد الملك فيصل بويع الملك خالد بن عبد العزيز ملكا على البلاد، كما بويع الأمير فهد بن عبد العزيز وليا للعهد، ونائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، واختير الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني. وفي عهد الملك خالد واصلت المملكة خططها التنموية الهائلة، وكان الأمير فهد الساعد الأيمن لأخيه الملك خالد، واشتهر الملك خالد بالتقوى والورع والسماحة والتواضع، حتى توفى في 1982/6/13م.

وعقب وفاة الملك خالد بويع أخوه وولي عهده الملك فهد بن عبد العزيز بالإجماع ملكا على البلاد، وشهدت المملكة على يديه طفرة هائلة في كل المجالات الاقتصادية والعمرانية والتعليمية، ليس في المدن فحسب، بل في كل جزء من أجزاء الدولة المترامية الأطراف، وشهد الحرمان الشريفان خدمات وتوسعات لم يعرفها التاريخ من قبل. وكان أول من لقب بـ«خادم الحرمين الشريفين» بطريقة رسمية، وأبدى رغبته في التمسك بهذا اللقب قائلا «إنه أحب الألقاب وأقربها إلى نفسي». وقد تحقق في عهده نمو سريع في المجالات التعليمية والعمرانية، فانتشرت المدارس والمعاهد العلمية في أنحاء المملكة، كما أنشئت الكليات النوعية إلى جانب سبع جامعات ضمت الآلاف من الطلاب والطالبات.

وحين وقعت أزمة الخليج وغدر الطاغية صدام حسين بدولة الكويت وبإخوانه العرب، تصدى الملك فهد لتلك الكارثة، وبذل كل ما يملك في مجال دفع شر المعتدي، حتى تمكن من طرده وتحرير الكويت، مما جعل إنجازه ذلك محل تقدير وإعجاب العالم. وفي عهده تم تطوير هيكل نظام الحكم، فقد أصدر مراسيم نظم تاريخية ثلاثة هي: نظام الحكم، نظام الشورى، نظام المقاطعات.

على أثر وفاة الملك فهد في 30 يوليو (تموز) 2005م، بويع أخوه الملك عبد الله ملكا للبلاد السعودية وقائدا لها، فتقبل بيعة المواطنين، ولقب بـ«خادم الحرمين الشريفين»، وهو من مواليد عام 1923م.

كان الملك عبد الله قد عاش في كنف والده الملك عبد العزيز، وتربى على يديه، وتخرج في مدرسته، وعرف بين مواطنيه بالميل إلى البساطة في العيش، والتسامي مع مكارم الأخلاق والبعد عن الكبر. وكان قد تسلم رئاسة الحرس الوطني في وقت مبكر، وعمل على تحديث ذلك القطاع حتى أصبح على ما هو عليه اليوم، فكان لتحمله مسؤولية تلك المؤسسة الدور الفعال في تطويرها وتحديثها.

وكان إبان ولايته للعهد يؤدي أدوارا بارزة في الدبلوماسية العربية والإسلامية والعالمية، وعرف بالمبادرات الفعالة، واحتواء الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء والفرقاء. وفي بواكير عهده استطاع أن يحقق الكثير من الإصلاحات التي يطمح إليها المواطنون، فأنشأ مؤسسة الحوار الوطني، وفوض صلاحيات واسعة للجهات ذات الأثر في نهضة البلاد ورقيها، كما تمكن بإيمانه وحب المواطنين له من أن يشعر الناس بالطمأنينة. وقد استطاع أن يقضي على كثير من بؤر الإرهاب والانحرافات، يدعمه ويساعده ولي عهده الأمين، الأمير سلطان بن عبد العزيز، مما جعل الناس يستبشرون بعهدهما أيما استبشار.

وقد استهل الملك عبد الله عهده الكريم بعدد من المشروعات الإصلاحية، كان من بينها، بل من أهمها، مبادرته بإنشاء هيئة عقد البيعة المعروف اختصارا بـ«هيئة البيعة» لتعالج موضوع توارث الحكم وانتقال السلطة، وقد استقبل الشعب السعودي بمختلف فئاته ذلك الأمر استقبالا يعبر عن الفهم والارتياح، لما ينطوي عليه ذلك النظام من صيغة واضحة لآلية انتقال السلطة، ولما يدل عليه من أن المملكة دولة عصرية تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.

وبهذا القرار المهم استكمل الملك عبد الله دستوريا بعض جوانب تتعلق بأمر مهم، حيث صدر ذلك النظام في (2006/10/12 م) باسم «نظام هيئة البيعة».

وفي شهر مارس من عام 2009، تم تعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى منصبه وزيرا للداخلية.