الأمير سلمان: الملك عبد العزيز رفض لقب الإمام تأدبا وتوقيرا لوالده

أعلن البيعة لوالده فرفضها الأب فاشترط الابن لقبولها جعل حق الرأي في الأمور المهمة لأبيه

الملك عبد العزيز وبجواره الأمير سلمان في صورة التقطت عام 1938م
TT

نشأت بين الأب والابن علاقة احترام وتقدير إلى درجة أن الملك المؤسس عندما تمكن من دخول الرياض استقبل والده قادما من الكويت وأعلن بكل أدب البيعة له في المسجد الجامع الكبير في الرياض حاكما على البلاد، إلا أن والده نهض معلنا البيعة لابنه لثقته به، فقبله عبد العزيز مشترطا جعل حق الرأي الأول في معالي الأمور المهمة لوالده الإمام، كما أشار إلى ذلك الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض في كتابه الذي صدر هذا العام وعرض فيه ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز وجوانب متعددة من شخصيته وقدم فيه نماذج متعددة للفكر التربوي الذي حرص الملك عبد العزيز عليه عند تربيته أبناءه وجميع أفراد أسرته.

وقدم الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض صورا حية لمواقف تاريخية وجوانب إنسانية من شخصية الملك عبد العزيز، كما قدم نماذج متعددة للفكر التربوي، الذي حرص عليه الملك المؤسس عند تربية أبنائه وجميع أفراد أسرته، معرجا بالحديث على أساس الدولة السعودية وجهود الملك في تأسيس أول وحدة عربية في جزيرة العرب بعد دولة الإسلام الأولى.

وأفاض أمير منطقة الرياض في الحديث عن مواقف للملك المؤسس تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك، وروح العدل التي سادت كل نوازعه، ويد الجود التي اكتست بها هباته الوافرة.

وأورد الأمير سلمان في كتابه «ملامح إنسانية من سيرة الملك عبد العزيز» سجلتها ذاكرته عن والده الملك، والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، فأراد إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال الآتية، ولتكون قصصا تروى عن شخصية المؤسس، الذي قد ملأ اليقين قلبه فأصبح ملكا في كل خصلة من خصال الخير وشمائل الوفاء، كما عبر عن ذلك الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز في تقديمه للكتاب الذي قامت الدارة بطباعته مؤخرا، ويعد أصله محاضرة ألقاها الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز في رحاب جامعة أم القرى في مارس (آذار) من عام 2008م، وألقى موجزا بأبرز عناصر المحاضرة. وشدد أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز على أن تاريخ الملك المؤسس لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فقط، وإنما يتضمن جوانب كثيرة عن شخصيته الإنسانية التي تنهل من مسيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، معتبرا أن رجال التاريخ وشخصياته مثل الملك عبد العزيز تتواصل الكتابة عنهم خلال السنين ويقدم عنهم إلى اليوم ومستقبلا رسائل علمية ودراسات جديدة.

وبدأ الكتاب بالحديث عن الأساس الذي قامت عليه الدولة السعودية، مشددا مؤلفه الأمير سلمان على أنها قامت على أساس الكتاب والسنة ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو آيديولوجي (فكر بشري)، موردا في هذا الصدد ما ذكره المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان عام 1824م إثر سقوط الدرعية في كتابه «تاريخ مصر في عهد محمد علي» وتوقعه عودة قيام الدولة السعودية بقوله: «ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أُسٌّ خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد».

وضمن حديثه عن إعادة تأسيس الدولة السعودية التي بدأها الملك عبد العزيز في سن مبكرة وبأفراد قليلين وبشعار أساسه كلمة التوحيد، لمح الأمير سلمان إلى أنه، وفي الوقت الذي كان بعض الناس ينادي فيه بالوحدة العربية على أساس قومي دون تطبيق، انبرى الملك عبد العزيز يحقق تلك الوحدة عمليا في أغلب أراضي الجزيرة العربية وفي مهبط الوحي معيدا إلى الأذهان تلك الوحدة التي حققها نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أسس الدولة الإسلامية الأولى في الجزيرة العربية على الإسلام، وتوحدت فيها مجتمعات المهاجرين والأنصار دون اعتبار لعصبية، وبهدي هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أصبح للعرب عزهم وقوتهم وانتشارهم.

المؤسس يعلن البيعة لوالده وحول طبيعة علاقة الملك المؤسس، بوالده أشار الأمير سلمان بالقول: «ولد الملك عبد العزيز وتربى في الرياض على يدي والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ووالدته سارة بنت أحمد السديري، رحمهما الله، وحظي برعاية كبيرة من حيث التعليم والتنشئة الإسلامية، وغرس الشيم والقيم والمكارم التي هي أساس البيت السعودي، وتمكن من إقامة شعائر الإسلام، والحكم بما أنزل الله تعالى، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأمن السبل، وآخى بين المتناحرين، ودمج الأمة بعد أن كانت أجزاء متفرقة. ولم يكن هدفه توسيع الملك لأجل الحكم فقط، وإنما لخدمة دينه وشعبه، وخدمة المسلمين في كل مكان».

عرف عن الملك عبد العزيز تأدبه مع والده وتقديره له، فعندما تمكن من دخول الرياض استقبله قادما من الكويت، وأعلن بكل أدب البيعة له في المسجد الجامع الكبير بالرياض، حاكما على البلاد، إلا أن والده نهض معلنا البيعة لأبنه لثقته به، فقبله عبد العزيز مشترطا جعل حق الرأي الأول في معالي الأمور المهمة لوالده الإمام. ومن شدة احترامه له لم يكن يمشي في غرفة علوية بينما والده في الغرفة التي أسفل منها، وقد أكد هذا محمد أسد - رحمه الله - في كتابه «الطريق إلى مكة»؛ إذ ذكر أن الملك عبد العزيز لم يكن يسمح لنفسه ولا لغيره قط أن يضع قدمه في غرفة من القصر إذا كان أبوه في غرفة تحتها، ونقل عنه قوله: «كيف أسمح لنفسي أو لغيري أن يسير فوق رأس أبي؟».

وأشار عبد الله فيلبي - رحمه الله - في كتابه «قلب الجزيرة العربية» إلى أنه عند زيارته الرياض سنة 1336هـ (1917م) لاحظ كيف كان الملك عبد العزيز يجلس بحضرة والده قائلا: «وفي الحياة العامة عند مقابلة المواطنين، كان الابن بحضرة أبيه يجلس في مكان منخفض».

و«روى لي عبد العزيز بن عبد الله بن ماضي - رحمه الله - أنه كان في مجلس خاص بالملك فيصل - رحمه الله - عندما كان نائبا لوالده في الحجاز، وكان الحديث عن الملك عبد العزيز، وقال له: كنا جلوسا على الحبوس (مواضع للجلوس من الحجر) والملك عبد العزيز كان جالسا على الأرض، فاستنكر الملك فيصل ذلك، واندهش لهذا القول، فأوضح ابن ماضي ذلك قائلا: جئت مع والدي عبد الله بن ماضي - أمير روضة سدير - إلى الرياض للسلام على الإمام عبد الرحمن، والملك عبد العزيز، وجلسنا على الحبوس التي وضعت في الديوانية لأجل جلوس الإمام بسبب الألم في ركبتيه، وعندما دخل الملك عبد العزيز سلم على والده، وقبل يده، ثم جلس على الأرض في آخر المجلس احتراما له، وهذا الذي أزال استغراب الملك فيصل».

وكان عبد العزيز لا يقبل أن يطلق عليه لقب «الإمام» في حياة والده، تأدبا وتوقيرا له، وكان يلقب بـ«السلطان» ثم «الملك»، إلى أن توفي الإمام عبد الرحمن سنة 1346هـ وأصبح عبد العزيز يلقب بـ«الإمام» بعد ذلك إلى جانب كونه ملكا.

و«من أدب الملك عبد العزيز مع والده وبره به أنه كان يساعده كثيرا على امتطاء صهوة جواده، فيرفع قدميه بنفسه مع وجود مرافقيه، كما ذكر ذلك أخي الأمير طلال بن عبد العزيز في كتابه (صور من حياة عبد العزيز)، ونقل لنا السيد عبد الحميد الخطيب في كتابه (الإمام العادل) ما شاهده حينما جاء الملك عبد العزيز، واستقبل والده عند مدخل باب السلام، وحمله لكبر سنه، ودخل به إلى حيث مصلاه، ولم يشأ أن يتولى ذلك غيره».

وذكر أحمد حمدي الطاهر - رحمه الله - في كتابه «الحجاز مهبط الوحي» أن أحد العلماء من أهل مكة حدثه قائلا: كان الملك عبد العزيز مع والده الإمام عبد الرحمن في الحج فطافا معا، لكن الأب أدركه الإعياء في آخر أشواط الطواف، فحمله عبد العزيز ليتم بقية الشوط دون أن يترك ذلك لرجاله.

ولم يكن بره بوالده أقل من بره بوالدته، التي اهتم بها ورعاها، وحرص على رضاها أحسن ما يكون البر والرعاية.