المرأة السعودية.. من زمن «أنا أخو نورة» إلى عصر «المواطنة البانية وسفيرة الوطن»

الملك عبد الله يحقق حلمهن منذ 40 عاما عبر أكبر جامعة للبنات في العالم

المرأة السعودية حظيت بتكريم وتقدير من الملك عبد الله
TT

سجلت المرأة السعودية حضورا في فترات زمنية من تاريخ بلادها، وحظيت باهتمام القيادة السعودية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز مرورا بالملوك سعود وفيصل وخالد وفهد «رحمهم الله» إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي توج قبل أربعة أشهر بنات بلاده بافتتاح أكبر جامعة في العالم مخصصة للبنات، حملت اسم عمته نورة بنت عبد الرحمن أخت الملك المؤسس وملهمته التي حظيت عنده بمكانة خاصة لم تحظ بها امرأة أخرى بعصرها، ومارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الأولى، واعتبرها بعض المؤرخين والباحثين وزائري الرياض من الأجانب من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية، وجاء هذا التكريم من الملك عبد الله تقديرا للمرأة السعودية بشكل عام وتحقيق حلم السعوديات الذي راودهن منذ أربعين عاما.

وأعادت بادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بتسمية أضخم مؤسسة للتعليم العالي للبنات في العالم باسم عمته الأميرة نورة بنت عبد الرحمن حكاية نساء أنشأن لوحات من القصص الحركية والحضور اللافت في المجتمع هي أقرب إلى التراجيديا والأسطورة لتتحول إلى رموز كبرى في الحياة، وتصبح هذه القصص دروسا يحتذى بها، ورغم عفوية بعض هذه القصص فإنها تدل على أن الأميرة الراحلة لم تكن بحق امرأة عادية، بل تجاوزت نساء وقتها بما تملكه من أعلى درجات الحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير، وما حملته من قلب كبير اتسع للمحتاجين والأيتام وقدرتها على حل مشكلات المحيطين بها من داخل الأسرة المالكة وخارجها، كما حملت الأميرة الراحلة آراء وأفكارا سياسية ذات شأن، وهو ما دفع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى أن يردد دائما في مواقف بالغة الصعوبة تحتاج إلى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ القرار «أنا أخو نورة».

وعُدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، التي تشترك مع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز في صفات عديدة، امرأة ذات شخصية قوية، كما تميزت بالكرم والجاذبية، وقيل عنها: إنها تتمتع بحملها عقول أربعين رجلا نظرا لكفاءتها ورجاحة عقلها، كما تتمتع بحس سياسي، الأمر الذي جعل الملك المؤسس يولي اهتماما كبيرا لأفكارها وآرائها السياسية، بل كان الملك يجلس معها ساعات طوالا ليستمد منها الرأي والمشورة.

وضرب الملك عبد الله بن عبد العزيز أعلى درجات إنكار الذات، كما أعطى أسمى معاني الوفاء والتقدير للمرأة بشكل عام وللأميرة نورة بشكل خاص، عندما تنازل عن إطلاق اسمه على جامعة البنات بالرياض، حيث فضل الملك أن يطلق اسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن على الجامعة بعد لحظات من الإعلان عن إطلاق اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز عليها.

وعكس توجيه الملك بخصوص تسمية الجامعة التي تعد الأكبر من نوعها في العالم ولديها القدرة على استيعاب 40 ألف طالبة في مختلف التخصصات عند افتتاحها، عكس هذا التوجيه تقدير الملك عبد الله لكبرى بنات الإمام عبد الرحمن الفيصل والد الملك المؤسس بل تقديره لكل نساء البلاد وخصوصا من كان لهن حضور في المجتمع على مختلف الأصعدة ووفق ظروف وطبيعة المجتمع في العقود الماضية والحالية.

ولدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في مدينة الرياض عام 1875م وتزوجت عام 1905م الأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل الملقب بـ «سعود الكبير» المولود في الرياض عام 1882م وتوفي في عام 1989م وأنجبت منه الأمير محمد بن سعود الكبير الملقب بـ«شقران» كما أنجبت الأميرة حصة والأميرة الجوهرة التي تزوج بها الملك فيصل.

ورصدت الدكتورة دلال الحربي في كتابها «نساء شهيرات من نجد» جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة التي تكبر الملك عبد العزيز بسنة واحدة، وارتبطت بأخيها عبد العزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة إذ كانت تشاركه اللعب كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبد الرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891م، كما كانت نورة وبعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت عاملا مهما في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه، فوفقا للمعلومات المتاحة قد كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد أن أخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حارا وحاولت أن تثنيه عن قصده، غير أن نورة شجعته وهو الأمر الذي انتهى إلى نجاح عبد العزيز ذلك النجاح المعروف تاريخيا، وهذا الموقف يدل على أن نورة كان لها دور في تثبيت الملك عبد العزيز على موقفه، وهو جزء من مواقفها المساندة لأخيها خلال إقامة الأسرة في الكويت.

وطرحت الدكتورة الحربي نماذج من دور نورة المؤثر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية بعد أن استرد الملك عبد العزيز الرياض واستقر فيها وعادت أسرته إليها ومن ذلك أنها كانت عامل ترابط بين آل سعود عندما وافقت على الزواج من سعود بن عبد العزيز بن فيصل بن تركي والملقب بسعود الكبير، فوفقا للمعومات التاريخية فإن الأخير كان على خلاف مع أخيها الملك عبد العزيز وفي هذا الصدد كان زواجها هذا أسمى رمز للمصالحة بين عبد العزيز وأبناء عمومته ومعه أصبح سعود الكبير من أشد المقربين والمخلصين للملك كما أجمعت على ذلك المصادر والمعلومات التاريخية، كما جنبت الأميرة نورة أخاها مشاكل وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، كما أنها كانت تشرف على تسيير أمور نساء العائلة إضافة إلى أنها كانت تشفع عند الملك عبد العزيز لكثير من المحتاجين ومن لهم مشاكل تحتاج إلى حل، كما أن من نماذج بروز دورها المؤثر أن الملك عبد العزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيرا ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار، كما أن الملك كان يعتمد عليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة من المجتمع، واعتبر المؤرخون أن الأميرة مارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الأولى وكانت تستقبل زائرات الرياض من الأجنبيات وتأذن لهن بزيارة ورؤية معالم معينة فيها، كما أنها كانت تهتم بتنمية قدرات الأطفال وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم ويبدو ذلك من اهتمامها بالأطفال الذين يختمون القرآن إذ كانت تكافئهم على فعلهم.

وحظيت نورة بمكانة خاصة عند الملك عبد العزيز لم تحظ بها أي امرأة أخرى في عصرها، وكعادة الرجل النجدي كان الملك عبد العزيز يعتز بها حيث يردد: (أنا أخو نورة) وفي حالة غضبه يكنى بها حيث يقول: (أنا أخو الأنور المعزي) .

ولفتت شخصيتها وعلاقتها المتميزة مع أخيها والتي أتاحت لها أن تقوم بدور مؤثر في كثير من جوانب الحياة أنظار كثير من المؤرخين والباحثين خاصة أولئك الذين أتيح لهم مقابلتها أو السماع عنها عن قرب ففيوليت ديكسون التي قابلتها عام 1937 مع بعض نساء الملك عبد العزيز أعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحا» وأنها من: «أهم الشخصيات في الجزيرة العربية» كما تعد «من أجمل وأعظم وأشهر البنات في كل عصر».

وأما جون فيلبي فقال عنها «كانت السيدة الأولى في بلدها».

في حين سجل ديفيد هاوارث انطباعه عنها بالقول: «أبدى ابن سعود اهتماما ورعاية لأخته نورة طوال حياته».

ومن الصفات التي تميزت بها شخصيتها أنها كانت تتمتع بالحصافة والحكمة ورجاحة العقل والدين والورع والفضل وهي تشبه بشخصيتها وأخلاقها وكرمها شقيقها الملك عبد العزيز، كما أنها كانت متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر، فعلى سبيل المثال كانت تعد الهاتف أداة ضرورية مفيدة، ففي نصي ترويه فيوليت ديكسون تذكر أنها خلال زيارتها لها رن الهاتف فقامت إحدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية قالت فيوليت معلقة إنها تنزعج من الهاتف فردت نورة: «لا إنها رائعة، لست أدري إذا كنا نستطيع البقاء بدونها».

إضافة لذلك كانت تتمتع بروح تنم عن معرفة جيدة بسلوكيات التعامل مع الآخرين حيث أبدت في حوارها مع فيوليت إعجابها بالحلق الذي ترتديه وكذلك ثوبها وهو سلوك ينم عن تواضعها ومحاولتها أن تشعرها بالقرب منها وأورد الباحث راشد بن عساكر قصتين تنمان عن إنسانية الأميرة الأولى على لسان والده محمد بن عساكر، حيث قال: حدثت لنا حادثة تدل على رأفة الأميرة، ففي آخر يوم من شعبان من عام 1356 هـ قدمنا مع والدي ونحن صغار برفقة والدتنا الجوهرة بنت صالح بن مرشد قادمين من حائل بصفة والدي مدير مالية بيت حائل في عهد الملك عبد العزيز فتعطلت بنا السيارة ونحن على مشارف الرياض وبقربنا قصر الشمسية التي كانت تسكنه الأميرة نورة فتوجه والدي إليها ونزلنا من السيارة وسلم عليها وأخبرها بتعطل السيارة بسبب نفاد الوقود فأرسلت الأميرة جالونين من البنزين وأتبعته بباديتين «وعاءين من الطعام» وذلك في يوم شديد البرودة وهو موقف لن ننساه، أما الموقف الثاني فهو موقف إنساني لم يستجب له الملك عبد العزيز حيث دخلت عليها الأميرة والدة الشيخ عبد الرحمن بن صالح المرشد وهي لطيفة بنت عتيق تطلب منها الشفاعة لدى الملك عبد العزيز بعدم إرسال ابنها الوحيد عبد الرحمن إلى حرب اليمن ونقلت الأميرة تلك الرغبة إلى الملك فقال لها: «إذا شفعتِ في ابن مرشد من أرسل؟» لمعرفة الملك بأهمية الرجل. وقدرته على القيام بالمهمة الموكلة إليه.

ويشير المحقق راشد بن جعيثن إلى أن الأميرة نورة تتمتع بحس شعري، حيث كتبت قصائد شعبية كان أجملها تلك التي قالتها في غربة زوجها الأمير سعود الكبير.

توفيت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في عام 1950م بعد أن عاشت 77 عاما كانت حافلة بالحضور اللافت على مختلف الأصعدة والمجالات وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة وفي فترات ذات شأن سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

وكانت وفاتها لبضعة أيام سابقة من تاريخ اليوبيل الخاص بمرور نصف قرن على فتح الرياض.

وحقق الملك عبد الله بن عبد العزيز حلما راود بنات الوطن منذ أربعة عقود عندما خصص لهن جامعة تعد الأكبر في العالم، حيث دشن في مايو (أيار) الماضي جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في الرياض التي تم إنجازها في فترة وجيزة، مؤكدا بذلك على أن المرأة شكلت ولا تزال تشكل أولوية في مشاريع الملك عبد الله بن عبد العزيز للإصلاح والتطوير، واعتبر الملك أن حضور المرأة السعودية في مختلف مجالات التنمية أمر مهم، انطلاقا من أنها حققت نجاحات لافتة في الأعمال التي أوكلت إليها، وحصلت فيه على أعلى درجات التفوق، بل إن العديد من النساء السعوديات سجلن حضورا عالميا بأنشطة متعددة ووردت أسماؤهن في المحافل الدولية بعد سلسلة من الإنجازات والتفرد وتحقيقهن نجاحا في الأبحاث العلمية والطبية التي تهم الإنسانية جمعاء، ووجدت المرأة من لدن الملك أعلى درجات التكريم والتقدير ومنح البعض منهن أوسمة عالية وشد من أزرهن، باعتبار المرأة هي الأم والأخت والزوجة، بل إن الملك وأثناء حديثه عن العارض الصحي الذي ألم به وقبل مغادرته بلاده في رحلته العلاجية لم ينس الإشارة إلى المرأة وتقديره لها بقوله «إخواني أشكركم وأرجو لكم التوفيق وأشكر كل فرد من الشعب السعودي سأل عني ولله الحمد أنا بخير وصحة ما دمتم بخير».

وأضاف الملك عبد الله الذي كان متكئا على عصا يحيط به عدد من الأمراء السعوديين أنه لا يدري من أين أتته هذه الوعكة، حيث هناك «ناس يقولون لها انزلاق وناس يقولون.. عرق النسا. النساء ما شفنا منهن إلا كل خير.. والعرق هذا من أين جاءنا هذا عرق فاسد.. أتمنى لكم التوفيق وأشكر كل من سأل عني القاصي والداني وعلى رأسهم الشعب السعودي الكريم وأتمنى لكم التوفيق».

وبلغ الاهتمام بالمرأة السعودية وتقدير إنجازاتها من قبل الملك عبد الله أن وجه بإنشاء أكبر جامعة في العالم مخصصة للبنات وحرص على تسميتها باسم الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أخت الملك المؤسس وملهمته، مما يعد قمة التقدير للمرأة بشكل عام، حيث اعتذر الملك عن قبول تسمية الجامعة باسمه واختار اسم عمته لتحمل مسمى الجامعة التي كانت حلم السعوديات منذ أربعين عاما، بعد أن أعلن الملك قبل أربع سنوات عن قيام جامعة للبنات في الرياض، ثم وضع حجر الأساس لها قبل سنتين ونصف.

ودشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يوم الأحد 15 مايو (أيار) الماضي، المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، التي تعتبر الأولى من نوعها والأكبر عالميا، والتي تم إنشاؤها على أرض تبلغ مساحتها 8 ملايين متر مربع بتكلفة إجمالية تزيد على 20 مليار ريال، وذلك في حفل خاص أقيم بهذه المناسبة بمقر الجامعة الجديد على طريق المطار.

وأكد خادم الحرمين على الدور الكبير الذي تنهض به المرأة السعودية في المجتمع، مبينا أنها الأم الحانية والمواطنة البانية والموظفة المجدة، وقال الملك عبد الله، في كلمة تضمنها كتيب، تم توزيعه خلال الاحتفال بتدشين المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض «إن المرأة تحمل مسؤولية أكثر من واجب، أن تحافظ على استقرار المجتمع وأن تسهم في بناء اقتصاد الوطن، وأن تمثل هذا المجتمع والوطن خير تمثيل، خارجه وداخله، فتكون الأم الحانية والمواطنة البانية والموظفة المجدة، وتكون في الخارج سفيرة وطنها ومجتمعها ولها في دينها وعقيدتها وقيم مجتمعها أسوة حسنة».

وعكست الكلمات التي ألقيت خلال حفل تدشين المدينة الأكبر في العالم على أهمية الجامعة كصرح علمي عالمي، حيث قال الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية السعودي «لقد شرفتموني أنا وزملائي يا خادم الحرمين الشريفين قبل سنتين ونصف السنة بالإشراف على بناء مدينة جامعية للبنات أطلق عليها جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، تكون مميزة بجميع النواحي وتليق ببناتكم، وتكون رمزا لمشاركة المرأة في بناء الوطن، وأن ينتهي بناؤها خلال سنتين فقط، وألا يُدخر مال أو جهد في سبيل تحقيق ذلك».

وأضاف «وكنتم حريصين، أشد الحرص، على إنهاء المشروع في الوقت المحدد من خلال متابعتكم المتميزة، حتى إنكم أمرتم بوضع كاميرات للنقل المباشر على مدى 24 ساعة لمتابعة سير العمل في المشروع من قبلكم شخصيا، هذا بالإضافة إلى التقارير الشهرية التي أمرتم برفعها لمقامكم الكريم، وهانحن بعد سنتين وشهرين من تسليم المواقع للمقاولين نحتفل برعايتكم الكريمة بانتهاء بناء هذه المدينة الجامعية التي تعتبر، حسب المعلومات المتوافرة لديَّ، أكبر مشروع على مستوى العالم، من حيث الحجم والمكونات، الذي يُنتهى منه في هذه المدة الوجيزة؛ فهي فعلا مدينة، ليست حرما جامعيا أو مدينة جامعية فقط؛ حيث يبلغ إجمالي مساحتها 8 ملايين متر مربع وتبلغ مساحات البناء المنفذة منها أكثر من 3 ملايين متر مربع تقريبا».

وأوضح الوزير العساف أن المدينة الجامعية تعتبر صرحا عمرانيا وتقنيا، وبحول الله ستكون صرحا علميا عالميا بما تضمه من قدرات بشرية ومن مراكز أبحاث وكليات علمية وطبية.. وبيَّن أنه تم تصميم المدينة وفقا لأحدث المواصفات البيئية وتوفير الطاقة، ومن ذلك نظام تسخين المياه عن طريق الطاقة الشمسية، كما طبق فيها أحدث المعايير لجعلها صديقة لذوي الاحتياجات الخاصة في جميع أرجائها، بما في ذلك قطار نقل الركاب الآلي الذي روعي في إنشائه وتشغيله الجوانب البيئية، ولقد تم تنفيذ وتجهيز المشروع من قبل شركات ومؤسسات ومصانع سعودية وموردين سعوديين تجاوز عددهم ألفي شركة ومورد.. وأشار إلى أن عدد العاملين يوميا في المواقع في أجزاء من مراحل التنفيذ وصل إلى أكثر من 75 ألف شخص ما بين مهندس وفني وعامل.

واستعرض وزير المالية أهم عناصر المدينة الجامعية والمتمثلة في الكليات الأكاديمية، وتضم 15 كلية في مختلف التخصصات النظرية والعلمية، منها: 5 كليات طبية، ومستشفى تعليمي بسعة 700 سرير، ومركز للأبحاث مجهز بأحدث الوسائل، ومركز لتنمية المهارات السريرية؛ حيث يعتبر الأكبر على مستوى العالم ويشتمل على أحدث التقنيات التي توصل لها العلم في هذا المجال.

كما تضم المنطقة الإدارية، وتتكون من، مبنى الإدارة الرئيسي، وهو خاص بالنساء، ومبنى آخر ملحق به خاص للرجال، ومكتبة مركزية متميزة عمرانيا وعمليا تتسع لـ5 ملايين كتاب يتم صفها واستدعاؤها آليا وتستوعب 4 آلاف قارئ، بالإضافة إلى مركز للمؤتمرات يتسع لأكثر من 4 آلاف شخص، ومسجد جامع يتسع لـ4 آلاف مصلٍّ.

وتحتوي المدينة الجامعية على المنطقة السكنية وتتكون من 1440 فيلا ووحدة سكنية لأعضاء هيئة التدريس، وسكن للطالبات يستوعب أكثر من 12200 طالبة، روعيت فيه متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة من الإناث، وكذلك المنطقة الترفيهية والرياضية التي تنقسم إلى قسمين منفصلين، الأول: خاص بهيئة التدريس، وينقسم بدوره إلى جزأين، أحدهما خاص بالرجال، والآخر بالعوائل، ويحتوي على جميع سبل الترفيه الرياضية والاجتماعية، ويستوعب أكثر من 3000 شخص، أما الثاني فهو خاص بالطالبات، ويحتوي على استاد يتسع لـ7 آلاف متفرجة وجميع سبل الترفيه الرياضية والاجتماعية.

كما تشتمل المدينة الجامعية على الخدمات المساندة والبنية التحتية، وتشتمل على نفق للخدمات بطول 4.5 كيلومتر لإيصال جميع الخدمات إلى جميع المباني داخل المدينة الجامعية وتشمل الأعمال الكهروميكانيكية والمياه والشبكات الهاتفية وتقنية المعلومات، إضافة إلى محطة لمعالجة النفايات الصلبة تعمل بأحدث التقنيات، وكذلك محطة معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها لأغراض الري، كما تضم مطبعة مركزية ومخازن وورشا للصيانة، إضافة إلى الخدمات الاجتماعية والتعليمية والاستهلاكية في جميع المناطق داخل المدينة الجامعية من مدارس تستوعب 800 طالب وطالبة ومحلات تجارية وخدمات عامة.

وقال الدكتور العساف «إن المدينة الجامعية حصلت، حتى الآن، على الكثير من الجوائز والشهادات من كل من: الهيئة السعودية للمهندسين، والجمعية السعودية لعلوم العمران، التابعة لجامعة الملك سعود، والاتحاد الدولي للمعماريين، ومجلس الأبنية الخضراء العالمي الأميركي، ومجلس الأبنية الخضراء العالمي الإسباني».

ورحب العساف بممثلي تلك الجهات المشاركين في هذا الحفل وشكرهم على جهودهم، متوقعا المزيد من الجوائز والشهادات لهذه المدينة الجامعية الحديثة.. واختتم كلمته بتقديم الشكر لكل من عمل بجد على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، وعلى رأسهم: الدكتور محمد بن حمود المزيد، مساعد وزير المالية المشرف على المشروع، والمهندسون السعوديون المقيمون في المشروع من قبل الوزارة والآلاف من المقاولين والموردين السعوديين، كما شكر الاستشاري الذي عمل بمهنية وكفاءة عاليتين، فقد حرص الجميع على إنهاء المشروع في وقته المحدد.

كما ألقى وزير التعليم العالي كلمة عبَّر فيها عن شكره وامتنانه لخادم الحرمين الشريفين على ما يوليه للتعليم بوجه عام وللتعليم العالي بوجه خاص من اهتمام ورعاية شملا كلتا بنيتيه: البشرية، من طلبة وطالبات وهيئة تعليمية، والمادية، المتمثلة في المدن الجامعية وما تحتاجه من إمكانات وتجهيزات متطورة.

وأشار الدكتور خالد العنقري إلى ما تشهده مسيرة التعليم العالي في عهد خادم الحرمين الشريفين من منجزات وقرارات تواكب متطلبات العصر وتتسق مع حرص المملكة على تطوير منظومة التعليم ليحظى بالتقدير الإقليمي والدولي، ومن أولى الخطوات: زيادة القدرة الاستيعابية للجامعات الحكومية وانتشارها بمختلف مناطق المملكة؛ حيث وجه إلى تحمل الدولة للرسوم الدراسية لـ50 في المائة من الذين يتم قبولهم سنويا بالجامعات والكليات الأهلية.

وبيَّن أن من أهم أوجه رعاية البنية البشرية التي أساسها المواطن: ابتعاث آلاف المعيدين والمتخصصين للدراسة في أرقى الجامعات بمختلف تخصصاتهم، إيمانا بأهمية مد جسور التواصل العلمي ومتابعة كل جديد في منظومة عطاءات الجامعات العالمية المتميزة، مشيرا إلى أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي يعتبر واحدا من أكبر برامج التأهيل العلمي المتميز عددا ونوعية؛ حيث شمل أكثر من 100 ألف طالب وطالبة ينهلون من ثقافات علماء أرقى الجامعات، ويكتسبون من علومهم ومعارفهم، والمملكة، بعدد مبتعثيها، أصبحت ثالثة دول العالم في هذا المجال بعد الصين والهند، وترتقي إلى المكانة الأولى عالميا في عدد المبتعثين من الطلاب على منح حكومية.

وكانت الدكتورة هدى العميل، مديرة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، قد ألقت بدورها كلمة رحبت فيها بخادم الحرمين الشريفين، وثمنت فيها افتتاحه مشروع المدينة، الذي وصفته بـ«الصرح العلمي المتميز»، وقالت «لا أدري، والمدخل صعب، أي طريق أسير عليه وتسير معي فيه أمة رأت فيك أبا وأخا وقائدا، كثيرا ما سرى ليلا وراح صباحا أمام تطلعات أمته وآمالها.. نعم قائد وأمة.. أمة اختارت قائدها واختار قدر الله لها هذا القائد الذي شابه أباه قيما وخلقا ورأفة بشعبه، جاءنا اليوم ليشرفنا ولتشرف به جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، تلك الأميرة - يرحمها الله - التي كانت شخصا عزيزا في عقل شقيقها عبد العزيز - يرحمه الله - أجل.. ما أجلّ تلك المرأة وما أكرم من يحذو حذوها ويسعى إلى مرتقاها، فقد كانت نعم الأخت والمرأة قيمة وخلقا ورأيا».

وأضافت، مخاطبة خادم الحرمين الشريفين «إنكم بإنجازكم لهذه القيمة العلمية العظيمة، بتأسيسكم لجامعة الأميرة نورة، وافتتاحكم اليوم لها، تشرعون باب التاريخ ليقول لبناتكم: ها أنا ذا أفتح صفحاتي لكُنَّ، فاكتبن بيراع المعرفة ودواة العلم منجزات أمتكن، عطاء يرتقي لآمال مليككن وأهلكن وحسن ظنهم بكن، وإنهن لفاعلات - إن شاء الله».

وقد شاهد خادم الحرمين الشريفين والحضور فيلما وثائقيا عن إنشاء جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن والتطلعات المستقبلية للجامعة، ثم أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عن افتتاح المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن؛ حيث تفضل، بالضغط على الزر إيذانا بالافتتاح، قائلا: «بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى بركة الله»، تسلم بعدها هدية تذكارية بهذه المناسبة من وزير المالية، عبارة عن مجسم للمدينة الجامعية.

وتضم الجامعة تخصصات عدة مما يجعل خريجاتها قادرات على المنافسة محليا وإقليميا وعالميا، وتلبية الحاجة الفعلية لسوق العمل السعودي، كما تضم تخصصات استحدثت ولا يوجد لها نظير في جميع جامعات المملكة ولها من الأهمية بمكان - على سبيل المثال لا الحصر - ما تضمنته كلية التربية من تخصصات أبرزها تخصص إعداد معلمة الصفوف الأولى الابتدائية (الصف الأول، الصف الثاني، الصف الثالث الابتدائي) لتأهيل معلمات لهذه الصفوف تأهيلا علميا وتربويا ومهاريا وفق ضوابط معينة، وأيضا إعداد المؤهلات في الإرشاد التعليمي والمهني وذلك للعمل في مدارس التعليم العام للبنات لإرشادهن وتشجيعهن من خلال الإرشاد التربوي والمهني للتوجه إلى نوعية الدراسة والتدريب التي تتناسب مع قدراتهن للحد من نسب الرسوب والتسرب وأيضا للحد من التكدس في المدارس الثانوية وللحد من الضغط على الجامعات وتوجيههن لما يحتاجه المجتمع. وهذا ما نصت عليه خطة التنمية الثامنة.

أيضا جميع التخصصات التي تضمنتها كلية التصاميم والفنون والتي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى المملكة حيث تضمنت تخصصات التصميم الداخلي (الديكور)، تصميم الاتصالات المرئية، الجرافيك والرسوم المتحركة وغيرها.

وبصفة عامة أستطيع القول بأن جميع ما تضمنته كليات الجامعة لا سيما الجديدة منها تعتبر بارزة.