اليمن: عودة صالح تثير صدمة في صنعاء.. والمعارضة تنعى الحل السياسي وتتخوف من «عنف قادم»

شباب الثورة: عودته وفرت علينا جهد المطالبة بإعادته للمحاكمة.. ومصدر سعودي: إنه أمر سيئ حقا * قتلى وجرحى في صنعاء

جندي يمني يقوم بالحراسة خلال خروج عشرات الآلاف من المحتجين المطالبين بتنحي الرئيس صالح في صنعاء أمس (أ.ب)
TT

عاد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، فجر أمس، إلى صنعاء بصورة مفاجئة، بعد قرابة 4 أشهر قضاها في المملكة العربية السعودية للعلاج إثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها. ومع عودته عاشت العاصمة صنعاء ليلة دامية إثر اشتباكات عنيفة أدت إلى مقتل وجرح العشرات بين أنصار الرئيس ومعارضيه المطالبين بتنحيته. كما شكلت عودته صدمة في أوساط المعارضة التي نعت الحل السياسي، وأعربت عن مخاوفها من «عنف جديد قادم».

ودعا الرئيس صالح «كل أطراف العمل السياسي والعسكري والأمني في السلطة والمعارضة إلى هدنة كاملة وإيقاف إطلاق النار تماما، بما يتيح العمل لإفساح المجال للتوصل إلى الاتفاق والوفاق بين كل الأطراف السياسية». وأكد صالح أن «الحل ليس في فوهات البنادق والمدافع، وإنما بالحوار والتفاهم وحقن الدماء وصيانة الأرواح والحفاظ على الأمن والاستقرار ومقدرات ومكاسب الوطن». وقال صالح «لقد عدت إلى الوطن حاملا معي حمامة السلام وغصن الزيتون، غير متربص أو حاقد أو ناقم على أي شخص. وحريص على أن يسود السلام والتسامح والمودة والإخاء والتفاهم علاقات الجميع، وأن نكبر جميعا فوق الآلام والجراح من أجل الوطن وعزته وكرامته».

وبينما قالت مصادر معارضة إن عودة صالح ستؤجج من الانتفاضة، وستسرع من وتيرتها، أشارت مصادر من شباب الثورة إلى أن عودة صالح وفرت عليهم جهد المطالبة بإعادته للمحاكمة على الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب. وقال عبد الغني الارياني، المحلل السياسي والمشارك في تأسيس حركة الصحوة الديمقراطية، إن العنف قادم. وقال «هذا نذير شؤم.. العودة في وقت كهذا على الأرجح تعني أنه ينوي استخدام العنف في حل الموقف. هذا خطير. مؤيدوه يشعرون بأنهم في موقف أقوى ولن يقبلوا الحل الوسط. وهذا بالأساس يعني أن العملية السياسية ماتت».

وفي المقابل، انتشى أنصار صالح، وانطلقت محطات الإذاعة في بث أغنيات احتفالية، وتجمع الآلاف في مظاهرة مؤيدة لصالح، ولوحوا بالأعلام، وقرعوا الطبول، وأطلقوا أبواق سياراتهم. وحذر التلفزيون اليمني الناس من إطلاق النار في الهواء احتفالا خوفا من إصابة المارة. وفي ساحة السبعين مركزا، تجمع أنصار صالح. وصف الإمام الذي ألقى خطبة الجمعة الرئيس اليمني بأنه نبض قلب اليمن والسعد والحب والعقل، ورحب بعودته.

وتصور الكثير من اليمنيين أنهم شهدوا نهاية صالح عندما سافر إلى السعودية في يونيو (حزيران) لتلقي العلاج بعد انفجار قنبلة في قصره الرئاسي وإصابته بحروق شديدة. وقال ياسر، عامل التنظيف في أحد الفنادق «لا أصدق أنه عاد. ما كان يجب أن يعود. كأشخاص عاديين سئمناهم جميعا، المعارضة والحكومة. ألا يرون أنهم سيدمرون هذا البلد؟». وألجمت عودة صالح المفاجئة المعارضة السياسية والمحتجين والدبلوماسيين الذين يتوسلون إليه كي يرحل. وقال مفاوض رفيع لـ«رويترز» إنه لم يتوقع عودة صالح، لكنه قال إن التعامل مع الرئيس وجها لوجه ربما يجعل الأمور أسهل.

ومن جهتها، بثت وكالة الأنباء الرسمية نداء صالح، مضيفة أنه سيلقي «خطابا مهما للشعب بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين لثورة 26 سبتمبر (أيلول)». ومن المحتمل أن يلقي صالح كلمته غدا الأحد عشية حلول ذكرى الانقلاب الذي أطاح بآخر أئمة اليمن وأعلن قيام الجمهورية. وقال نائب وزير الإعلام اليمني عبده الجندي، أمس، إن الرئيس صالح لا ينوي التنحي عن منصبه. وقال الجندي في تصريحات إن «الحديث عن تنحي الرئيس صالح غير وارد، وما هو إلا كلام أطلقته المعارضة» التي تسعى لحل الأزمة التي تعيشها البلاد لصالحها. وأضاف أن عودة صالح لليمن أمر طبيعي لأنه رئيس البلاد المنتخب من الشعب.

إلى ذلك، وصف دبلوماسي سعودي عودة صالح بأنها «أمر سيئ». وقال في معرض رده على سؤال لـ«رويترز» عن رأيه في عودة صالح، إن «الأمر سيئ حقا». وقال مصدر سعودي رفيع المستوى لوكالة الصحافة الفرنسية إن عودة الرئيس صالح جاءت بهدف «الإعداد للانتخابات» و«ترتيب البيت اليمني». وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه «لقد توجه إلى صنعاء لترتيب البيت اليمني والإعداد للانتخابات على أن يغادر بعدها». ولم يوضح ما إذا كانت المغادرة تعني من السلطة أم من اليمن، كما لم يحدد ما إذا كانت الانتخابات رئاسية أم تشريعية أم الاثنتين معا. وقال المسؤول إن الرئيس يدعو جميع الفرقاء السياسيين والعسكريين إلى وقف للنار. وأضاف أن صالح يعتبر أنه «لا يوجد حل آخر سوى الحوار والمفاوضات من أجل وقف إراقة الدماء والتوصل إلى تسوية». وبدوره، قال مصدر يمني في السعودية ردا على سؤال حول مغادرة صالح بشكل مفاجئ «لقد طلبت منه إحدى الجهات الذهاب إلى صنعاء»، مشيرا إلى أن طائرة خاصة كانت حطت في مطار الرياض قبل أيام لهذا الغرض. ورفض إعطاء توضيحات حول ذلك.

وفوجئ اليمنيون عند بداية النهار، أمس، بإطلاق نار في أحياء مختلفة من صنعاء من قبل أنصار صالح الذين احتفلوا بعودته إلى البلاد. وشهدت أكثر من منطقة في صنعاء مواجهات دامية بين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح، من جهة، وأنصار زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر وعناصر الفرقة الأولى مدرع من جهة أخرى. وأشارت إحصائية أولية إلى مقتل 13 شخصا في الاشتباكات بصنعاء، وتعز، فقط منذ منتصف الليلة الماضية، إضافة إلى 6 قتلى وعدد من الجرحى في القصف الذي استهدف منزل نائب رئيس مجلس النواب، الشيخ حمير الأحمر، هذا عوضا عن أن الجهات العسكرية لا تكشف عن أرقام خسائرها البشرية على الإطلاق.

وشيع مئات الآلاف في صنعاء 40 قتيلا من قتلى قمع قوات الأمن خلال الأيام الماضية، وخرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة تهتف ضد عودة صالح وتطالب بمحاكمته وأركان نظامه، كما دعت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية «الجماهير اليمنية» إلى الخروج في مظاهرات و«مسيرات ثورية للمطالبة بمحاكمة السفاح»، حسب وصفهم.

وأدت عودة صالح إلى حالة من الاضطراب في الشارع اليمني، ففي البداية لم يعرف المكان الذي وصل إليه، فأغلب المصادر التي اتصلت بها «الشرق الأوسط» أكدت أنه وصل بطائرة سعودية ملكية إلى مدينة عدن، قبل أن ينقل إلى صنعاء بواسطة مروحية. وأرجعت المصادر عدم وصول صالح إلى صنعاء وعدم استقباله من قبل مؤيديه، إلى الوضع الأمني الصعب والاشتباكات التي تجري في أرجاء صنعاء، وضمن ذلك منطقة مطار صنعاء الدولي، في حين قالت مصادر رسمية إن مظاهرات مؤيدة للنظام انطلقت في صنعاء وعدة محافظات للتعبير عن الفرحة بعودته. وبلغ عدد القتلى في القصف والمواجهات في مدينة صوفان ومنطقة الحصبة 18 قتيلا وعشرات الجرحى، غير أن السلطات لم تعلن رسميا عن عدد القتلى من الجنود، لكنها أعلنت، أمس، تشييع جثامين 24 ضابطا وجنديا ممن قالت إنهم سقطوا ضحايا لقوات «الفرقة الأولى مدرع» التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر، والتي تتهم من قبل نظام صالح بارتكاب «الجرائم الإرهابية التي ترتكبها الميليشيات والعصابات المسلحة التابعة لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) والمنشقون من أفراد الفرقة الأولى مدرع والتي تطال أفراد القوات المسلحة والأمن والمواطنين العزل، والتي تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار الوطن وترويع المواطنين الآمنين وإقلاق السكينة العامة والسلم الاجتماعي».