عودة صالح تزيد الغموض حول مصير حكمه

بدأت مسيرته نحو كرسي الرئاسة عندما كان قائدا للواء محافظة تعز

TT

كان الرئيس اليمني الأسبق، الرائد إبراهيم الحمدي، يطلق الألقاب على أحد ضباطه المقربين دلالة على شجاعته وقوته وتحمسه.. هذا الضابط لم يكن إلا الرئيس علي عبد الله صالح، الذي تولى كرسي الرئاسة في ما كان يعرف بـ«الجمهورية العربية اليمنية» عام 1978، قبل أن يصبح رئيسا لليمن الموحد في 22 مايو (أيار) عام 1990. وحتى يوليو (تموز) الماضي، مرت 33 عاما من تسلم صالح لزمام الحكم في اليمن، وما زالت ولايته الرئاسية مستمرة حتى عام 2013.

وللمرة الأولى اهتز الكرسي تحت صالح خلال أكثر من 3 عقود، بعد أن خرجت جماهير غفيرة للاحتجاج ضده والمطالبة برحيل نظامه ورحيله عن الحكم، خاصة بعد أن خسر حلفاؤه الإسلاميين المتمثلين في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد، حاليا، أكبر أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك». وتعرض صالح في 3 يونيو (حزيران) الماضي لمحاولة اغتيال في تفجير غامض استهدف جامع النهدين الكائن في «دار الرئاسة» بمنطقة السبعين في جنوب صنعاء، واستهدف في المحاولة التي تعد الأولى من نوعها بالنسبة لصالح وخلال حقبته، رؤساء الوزراء ومجلسي النواب والشورى، والأخير توفي في رمضان المنصرم متأثرا بجراحه، إضافة إلى نواب رئيس الوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين، وقد توفي في حادث التفجير على الفور نحو 11 ضابطا وجنديا من حراسة صالح، إضافة إلى إصابة العشرات، في حين لم تعلن السلطات اليمنية، حتى اللحظة، نتائج التحقيق بشأن محاولة الاغتيال تلك.

وولد علي عبد الله صالح الأحمر في منطقة سنحان في ريف العاصمة صنعاء عام 1942، وبدأ حياته راعيا للأغنام، قبل أن يلتحق بحركة الضباط الأحرار أواخر عقد الخمسينات، وهو يحمل تعليما محدودا للغاية، لكن ظروف تلك المرحلة من تاريخ اليمن أتاحت له أن يصبح ضابطا في القوات المسلحة، ويفاخر صالح بكل مراحل حقبته ومسيرته، بدءا من رعي الأغنام حتى المشاركة في «ثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962».

وبدأت مسيرة صالح نحو كرسي الرئاسة عندما كان قائدا للواء محافظة تعز، التي كانت تعد ثاني أكبر المحافظات اليمنية في «الشطر الشمالي»، والتي تعد أكبر المحافظات اليمنية، حاليا، من حيث عدد السكان، ففي عهد الرئيس الراحل أحمد حسين الغشمي، عين صالح في منصبه المشار إليه، وكان قد ذاع صيته كضابط وقائد عسكري شجاع ومقدام، وكان من المقربين للغشمي الذي جاء إلى الرئاسة بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، وكان هو وصالح من أقرب المقربين للحمدي، وبعد اغتيال الغشمي بحقيبة دبلوماسية مفخخة أرسلت إليه من قيادة «الشطر الجنوبي» لليمن، خلت الساحة من الشخصيات التي كانت مستعدة للتضحية وتحمل المسؤولية في ذلك الوقت الذي كان يقتل فيه الرؤساء، فتقدم صالح للمنصب.

وبعد أشهر معدودة على توليه منصب الرئاسة، عندما كان برتبة رائد، تعرض نظامه لمحاولة انقلاب عسكري قام بها، حينها، الناصريون، لكنه تمكن من السيطرة على الموقف والبطش بالانقلابيين والتنكيل بهم، ولا يزال ملف هذه القضية ومقتل وإخفاء العشرات منهم مفتوحا ويطرح حتى اللحظة، من قبل أقرباء ورفاق قادة الانقلاب.

ولعب صالح دورا رئيسيا في إعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، الشمالي والجنوبي، في 22 مايو (أيار) عام 1990، هو ونظيره الجنوبي علي سالم البيض، لكن «شهر العسل» بين الجانبين لم يدم سوى أشهر معدودة، قبل أن يدخل اليمن في أزمة سياسية استمرت حتى صيف عام 1994، عندما اندلعت المواجهات العسكرية المسلحة بين شريكي الوحدة، ومالت الكفة في الحرب لصالح الذي كان متحالفا من القوى الإسلامية الأصولية والقبلية التقليدية.

لكن عقد التحالف الذي جمع صالح بتلك القوى انفرط في عام 1997، حينما التحق الإسلاميون بحركة المعارضة، وشكلوا معها تكتلا كبيرا، هو «اللقاء المشترك» حاليا، وهو الذي يقود في الوقت الراهن حركة الاحتجاجات ضد صالح. وشكلت الاحتجاجات ضد نظام صالح ضربة قاسمة لما كان يسمى «مشروع التوريث» في اليمن، أي توريث الحكم لنجله العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ومع اشتداد الاحتجاجات أعلن صالح عدم توريث الحكم لنجله أو التمديد لنفسه في آخر فترة رئاسية له تنتهي في عام 2013.

وتدخلت دول مجلس التعاون الخليجي في محاولة لإنقاذ نظام صالح من اللحاق بنظيريه التونسي والمصري بحكم الجوار والآثار السلبية على دول الجوار في حال انفرط العقد الاجتماعي في اليمن، وقدمت دول مجلس التعاون مبادرة قضت بأن يتنحى صالح عن الحكم وينقل صلاحياته إلى نائبه، لكن صالح لم يوقع إلى اليوم على المبادرة، رغم توقيع حزبه عليها، وكذا أحزاب المعارضة. ولا يزال الرئيس اليمني يتمسك بالسلطة حتى نهاية ولايته، لكن معارضيه يقولون إنهم مصممون على أن يرحل عن الحكم.