الغموض لا يزال يلف اعتقال الضابط المنشق هرموش

قصص كثيرة مختلفة تروى منها أنه غادر مع مسؤولين أتراك ولم يعد

TT

ذكر البعض أنه خرج للتسوق لكنه لم يعد، والبعض الأخر قال إنه استخدم كورقة تفاوض في عملية سرية لتبادل الأسرى بين سوريا وتركيا. ولا يزال آخرون يصرون على أنه قد تعرض لعملية خيانة.

بشكل أو بآخر، ظهر العقيد حسين هرموش، وهو المنشق الأعلى رتبه عسكرية حتى الآن، الأسبوع الماضي على التلفزيون السوري، ومن الواضح أنه بات في قبضة القوات الحكومية، ينكر أي انتقادات كان قد أبداها قبل بضعة أشهر.

اندلعت الانتفاضة الشعبية في سوريا منذ مارس (آذار)، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 2,600 شخص بما فيهم ما لا يقل عن ثلاثة قتلى يوم الجمعة الماضي - واعتقال عدة آلاف. وبعد تمركز السلطة في أسرة الأسد لمدة أربعة عقود، فقد بدأ حكمها في التأرجح، وبدأ أكثر حلفاء الأسد قربا في مطالبته بإجراء تغييرات.

طوال تلك الأحداث، من الانتفاضات والقمع، حاولت سوريا إخفاء ما يجري، حيث قامت بإغلاق حدودها أمام الإعلام الأجنبي، ورفضت السماح لأغلب المراسلين الدوليين في الداخل بتغطية الأحداث، مما أدى إلى صعوبة معرفة ما يحدث بدقة. وداخليا، فقد ظل الأمر مقتصرا على روايتها للأحداث، مصرة على أن عصابات من المتطرفين والأجانب هم المسؤولون عن تلك الاضطرابات.

وتقدم قضية هرموش فكرة مصغرة عن الغموض الذي يلف الأحداث في سوريا أثناء قيام قادتها باتخاذ إجراءات قمعية مهلكة.

وحتى الآن، لا يعلم أحد ما الذي حدث بدقة بين 9 يونيو (حزيران)، عندما نشر مقطع فيديو لهرموش على «يوتيوب» يعلن فيه انشقاقه عن الجيش اعتراضا على عمليات قتل المدنيين، و15 سبتمبر (أيلول)، عندما أذاع التلفزيون السوري بلهجة المنتصر مقابلة مع المقدم يقوم خلالها بإعادة الرواية الحكومية.

وقال عمر إدلبي، الناشط مع لجان التنسيق المحلية، وهي عبارة عن مجموعة من النشطاء الذين يحددون مسار الانتفاضة ويساعدون في التخطيط لها من بيروت: «إن القضية غامضة للغاية وبدرجة مخيفة. ليس لدينا أي مصدر يخبرنا ما حدث بدقة. فلم تذكر السلطات السورية كيف تم اعتقاله كما لم يقدم المسؤولون الأتراك أي تفاصيل».

ووفقا لنشطاء، فقد تخلى هرموش عن موقعه ومعه العديد من جنود وحدته في أوائل شهر يونيو (حزيران)، أثناء هجوم على جسر الشغور، المدينة القريبة من الحدود التركية شمال غربي سوريا. وظلت الحادثة نفسها مبهمة: حيث يذكر نشطاء أنها كانت صداما بين وحدات عسكرية متناحرة، فيما تذكر الحكومة أنها مذبحة ارتكبها مسلحون إسلاميون. على أي حال، فقد أسفر هذا الهجوم عن مقتل المئات وهروب الآلاف إلى الحدود مع تركيا، حيث ساعدت السلطات في بناء معسكرات لهم لا تزال قائمة إلى الآن.

وكان هرموش أحد الذين فروا إلى تركيا، وعندما كان لاجئا هناك، أعلن أنه سيقود حركة من الضباط المنشقين ضد الحكومة السورية.

لكنه اختفى من المعسكر في ظروف غامضة في 29 أغسطس (آب) الماضي. وقال أحد أقارب المقدم من مسقط رأسه، إبلين، التي تقع شمال غربي مقاطعة إدلب إن آخر مره تكلم فيها مع هرموش كانت في 27 أغسطس، عندما اتصل به المقدم ليخبره أنه سيلتقي بضباط من الاستخبارات التركية وأنه يتوقع حدوث أنباء جيدة خلال يومين.

كما ذكر بعض اللاجئين السوريين في تركيا، توصلنا إليهم عن طريق الهاتف، أن هرموش التقى مسؤولين تركيين في معسكر هاتاي للاجئين في هذا اليوم، ثم ذهب معهم في رحلة غير محددة. وذكر آخرون في المعسكر أنه ترك المعسكر للتسوق لكنه لم يعد مرة أخرى.

وذكر نشطاء حقوقيون من منظمة أفاز، وهي مجموعة تساعد في توثيق الثورات، أنهم يعتقدون أن السلطات التركية قامت بتسليم هرموش إلى سوريا مقابل تسعة أفراد من حزب العمال الكردستاني، الذين يقاتلون من أجل الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرقي تركيا منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. ولم يقدم النشطاء دليلا على هذا الإدعاء.

وتشير رواية أخرى للنشطاء واللاجئين إلى أن هرموش قد تم دعوته على العشاء يوم 29 أغسطس مع ضابطين آخرين كانا قد انشقا أيضا. ووفقا لهذه الرواية، فقد تم تخدير السوريين الثلاثة وتهريبهم إلى سوريا عبر الحدود، بمساعدة مسؤولين استخباراتيين أتراك. ولم تتضح أماكن وجود الضابطين الآخرين.

ولا يمكن التأكد من أي من هذه الروايات.

وأصر مسؤولون أتراك على عدم وجود أي علاقة بينهم وبين هذا الأمر، وذكروا أن عملية تحقيق أخيرة أظهرت حدوث عملية اعتقال في تركيا لثلاثة من الرجال، اثنين من السوريين وإيراني، يعتقد أنهم عناصر استخباراتية سورية.

وفي حوار معه، أنكر أحمد داود أوغلو، وزير خارجية تركيا، بحدة وجود أي دور لتركيا في قضية عودة هرموش إلى سوريا. وقال يوم الأحد الماضي: «إن هذا ليس حقيقيا على الإطلاق. لقد قرر هو نفسه العودة. من يرغب في العودة، يستطيع أن يعود. لا يمكننا أن نمنعهم».

ولم يذكر هرموش، عند ظهوره في التلفزيون السوري الأسبوع الماضي، متى أو كيف عاد إلى سوريا. وذكر أنه كان يفكر في العودة لعدة أسابيع، لكنه مع ذلك «صدم عندما تم استخدامه في تجارة» ولم يفسر.

وقد أجاب هرموش على أسئلة بدا أنها هدفت إلى إذلاله في حوار دام 20 دقيقة. وبدا أن بعض إجاباته كان قد تدرب عليها.

فعندما سأله المعد «ما هي أسباب انشقاقك؟» أجاب «الأحداث الدامية التي شهدناها في الشوارع».

* «وماذا تعني كلمة دامية؟» - «تعني أنه كان هناك العديد من القتلى في الشوارع».

* «من الذي قتل المدنيين؟» - «العصابات».

* «عصابات مسلحة؟» فأجاب في النهاية «بالطبع لقد كانت عصابات مسلحة تقتل المدنيين».

وقال هرموش على التلفزيون السوري إن ما لا يقل عن 300 ناشط سوري ممن يؤيدون الديمقراطية ومنشقين اتصلوا به خلال الشهور الثلاثة التي قضاها في تركيا، لكن أيا من وعودهم لم تحقق. وقال للمذيع «لقد كنا نضع خطة لحماية المدنيين غير المسلحين. لقد قالوا لي (سنقوم بتزويدك بأسلحة ومال ودعم لوجستي من أجل الحرية) لكن كل ذلك كان مجرد وعود لم تتحقق».

* خدمة «نيويورك تايمز»