عراقيل جديدة تؤجل الإعلان عن تشكيل الحكومة الليبية الجديدة

قيادي في ثورة 17 فبراير لـ «الشرق الأوسط» : مخاوف من تحول «اتحاد الثوار» لـ«ميليشيا خارج سلطة الدولة»

TT

قالت مصادر ليبية مطلعة أمس، إن عدة عراقيل جديدة أصبحت تؤجل الإعلان عن تشكيل الحكومة الليبية المفترض خلال أيام، في وقت صرح فيه عبد الناصر دومة، القيادي في ثورة 17 فبراير (شباط) في بنغازي، لـ«الشرق الأوسط»، بأن هناك مخاوف من تحول «اتحاد الثوار» الجديد الذي أعلنه أخيرا قادة سرايا عسكرية غالبيتهم من المتشددين الإسلاميين، لنوع من الميليشيا التي تعمل خارج سلطة الدولة، مثل تجربة حزب الله في لبنان.

ومع إعلان حكام ليبيا الجدد أمس، تأجيل الأمر إلى الأسبوع المقبل، يأمل الليبيون في سرعة إنجاز تشكيل الحكومة الجدية التي سيكون على عاتقها إدارة البلاد لمرحلة انتقالية بعد إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي، لكن الوصول لاتفاق سريع حول حكومة جديدة تتطلبها المرحلة الراهنة أمر يبدو شديد الصعوبة، على الرغم من وعود حكام ليبيا الجدد بقدرتهم على إنجاز الأمر خلال أيام قليلة.

وإضافة إلى التنافس السافر بين العلمانيين والإسلاميين على موقع رئيس الوزراء والحقائب الوزارية، يواجه المجلس الانتقالي مشاكل أخرى منها، بحسب المصادر، الضغط الذي أصبح يمثله الاتحاد الجديد للثوار على اتخاذ القرارات الخاصة بالحكومة، وطعن عدد من فقهاء القانون في شرعية تشكيل حكومة جديدة قبل الإعلان عن التحرير الكامل للأراضي الليبية من سيطرة كتائب القذافي.

وقالت مصادر ليبية على صلة بالمجلس الانتقالي «إن المجلس لديه أسماء أربعة مرشحين لرئاسة الحكومة، يجري التداول بشأن اختيار أحدهم»؛ لكنها أضافت أن المشكلة من التعقيد بحيث لا يمكن التوصل إلى حل بسهولة، خاصة مع تزايد التنافس بين المؤيدين لترشح محمود جبريل مسؤول المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي، وعبد الرحمن السويحلي، الذي يوصف بالمناضل كونه عارض لسنوات طويلة العقيد الليبي معمر القذافي.

وينافس على رئاسة مجلس الوزراء أيضا اثنان آخران هما عضو المجلس الانتقالي عن طرابلس الدكتور محمد الحريزي، ورجل القانون الدولي المعروف الدكتور الهادي شلوف، الذي يراهن على استقلاليته عن الفصائل والتيارات السياسية والدينية، فيما تأكد عدم تقدم الدكتور إبراهيم قويدر للمنافسة لأسباب صحية. وقال شلوف يوجد صراع بين محمود جبريل الذي ينتمي لمنطقة بني وليد (وهو من مواليد درنة)، والسويحلي الذي ينتمي لمنطقة مصراتة، وإنه كان هناك رفض للمجموعة (الوزارية) التي اقترحها جبريل عن مصراتة والزاوية والزنتان.

وفي بلد لم يعرف الاختلاف والعمل السياسي المستقل طوال حكم العقيد الليبي معمر القذافي الذي استمر 42 سنة، تجري مشاورات على مستوى تيارات ذات طبائع متنافرة، يتقاطع فيها الانحياز القبلي مع الديني وطموحات معارضي الخارج العائدين، مع توجهات قادة المقاتلين في الثورة، ومطالب مناطقية لجهويين ظلوا منسيين طيلة حكم القذافي. وخلال نحو أسبوعين بدا أن كل طرف يصر على موقفه.

وأعلن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل أمس تأجيل إعلان الحكومة المؤقتة إلى الأسبوع المقبل، وأن أعضاء من المجلسين (الانتقالي والتنفيذي) سيتولون حقائب فيها، قائلا في مؤتمر صحافي في بنغازي «على الليبيين أن يعلموا أن النضال ليس المعيار للدخول إلى الحكومة». وأشار إلى أن «المدن التي تضررت لها الأولوية في إعادة البناء، أما عضوية الحكومة والمجلس فهي مكفولة لكل الليبيين»، وأضاف في ما يخص موضوع تشكيل الحكومة «على الجميع أن يعلم أننا نمر بأزمة تستلزم أن نتكاتف للخروج منها».

ووفقا لمسؤول في المكتب الإعلامي لثوار 17 فبراير في مدينة بنغازي، التي ما زالت مقرا لعبد الجليل، فإن الرجل يواجه ضغوطا لتأجيل إعلان الحكومة مجددا، وذلك عبر انتقادات واعتراضات من تيارات ترى أنها لن يكون لها مكان في الحكومة المرتقبة، وأن أبرز الحجج هي أن تحرير ليبيا لم يعلن بعد، وهو ما لا يجوز معه تشكيل الحكومة. وأقر عبد الجليل نفسه أمس بأن «ليبيا لم تتحرر بعد»، وقال إن المعركة مع القذافي لم تنته بعد، ويجب توجيه الجهود لتحرير ليبيا أولا، لأن القذافي «لا يزال يحتفظ بالإمكانيات التي تؤهله لإقلاق راحة الليبيين».

وقال عبد الناصر دومة، القيادي في ثورة 17 فبراير في بنغازي، إن هناك مؤشرات تنبئ عن «مشاكل مستقبلية»، مشيرا إلى أن السبب يرجع إلى الاجتماع الذي عقده قبل يومين قادة المجالس العسكرية في ثلاث مدن رئيسية هي طرابلس ومصراتة وبنغازي، والإعلان عن تأسيسهم «اتحاد سرايا ثوار ليبيا». وأضاف دومة «هذا يؤثر على عمل الحكومة القادمة.. كان ينبغي أن يعملوا تحت سلطة وزارة الجيش التي سيتم تشكيلها.. لا نريد ميليشيات خارج سيطرة الدولة، كما حدث من حزب الله في لبنان».

لكن مؤسسي «اتحاد سرايا ثوار ليبيا»، وغالبيتهم من ذوي التوجهات الدينية المتشددة، أعلنوا عن رسائل تطمينية في محاولة لإبعاد أي مخاوف، بالقول إن الهدف من الاتحاد حماية الثورة وتحريم الاقتتال بين الثوار.

ويزيد الجدل حول شرعية تشكيل حكومة، والذي قالت المصادر إنه بدأ ينتشر في أوساط القانونيين الليبيين المدعومين بأطراف قد لا تجد لها مكانا في المواقع الحكومية الجديدة، من صعوبات الإعلان عن الحكومة.

لكن شلوف قال ردا على مطالب التأجيل «هذا غير سليم. نحن ندعو إلى العمل سريعا لتشكيل الحكومة لإنشاء دستور»، مشيرا إلى أن الإعلان الدستوري الذي يستند إليه البعض لتأجيل إعلان الحكومة حتى تحرير كامل الأراضي الليبية من قوات القذافي «مرفوض شكلا وموضوعا، لأن المجلس الانتقالي لم يكن مجلسا للإدارة فقط، وليس للتشريع، كما أنه ليس منتخبا، وليس من اختصاصه أن يقوم بإعلان دستوري أو قيادة البلاد أو إجراء الاتفاقات الدولية».

* المرشحون الأربعة لرئاسة الحكومة الليبية

* محمود جبريل: مواليد 1952. رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي، محسوب على الليبراليين، ترك العمل في نظام القذافي منذ سنتين، انضم للثورة مع بدايتها.

* عبد الرحمن السويحلي: مواليد 1948، معارض للقذافي منذ السبعينات، محسوب على الإسلام السياسي، خصم قوي لجبريل.

* الهادي شلوف: من مواليد 1954، قانوني دولي، معارض لنظام القذافي، ذو توجهات وسطية.

* محمد الحريزي: مواليد 1952، رئيس لجنة السياسات العامة بالمجلس الانتقالي، إسلامي معتدل، من قدامى المعارضين للقذافي.