مراجع النجف يغلقون أبوابهم ثانية أمام الزعماء السياسيين احتجاجا على سلوكهم

قيادي في المجلس الأعلى لـ «الشرق الأوسط»: إنها رسالة بليغة لطلاب المناصب

TT

تعبيرا عن استيائها من أدائهم وعدم التزامهم بوعودهم التي قطعوها لتحسين الوضع المعاشي في البلاد، قرر المراجع الشيعة الأربعة الكبار في النجف عدم استقبال السياسيين العراقيين، حسبما أفاد متحدث باسم أحدهم.

وقال الشيخ علي النجفي نجل بشير النجفي أحد المراجع الكبار الأربعة في النجف: «قررت المرجعيات الدينية عدم استقبال أي سياسي» في مكاتبها بالنجف. وأوضح علي النجفي لوكالة الصحافة الفرنسية أن هذا الموقف جاء «بسبب عدم التزام السياسيين بالوعود التي قطعوها من أجل تحسين الواقع المعاشي في العراق وعدم التزامهم بتوصيات المرجعية الدينية». وأضاف أن «المرجعيات الدينية عبرت عن امتعاضها من تصرفات السياسيين». وتابع أن بعض المرجعيات لجأت إلى «وسائل مختلفة (للتعبير) عن هذا الامتعاض. فمنهم من أصدر بيانا بهذا الخصوص ومنهم من صرح بذلك والنتيجة المحصلة لهذا الأمر أن المرجعية الدينية في النجف، ممتعضة من تصرفات السياسيين لذلك قررت عدم استقبالهم».

وبينما التزم الزعماء الشيعة في العراق الصمت حيال الغضب غير الاعتيادي وغير المسبوق الذي تبديه المرجعية الشيعية العليا في العراق ممثلة في المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني والمراجع الثلاثة الآخرين (محمد سعيد الحكيم ومحمد إسحق الفياض وبشير النجفي) حيال السلوك الذي تمارسه الطبقة السياسية العراقية، فإن رئيس البرلمان العراقي والقيادي السني البارز أسامة النجيفي يمكن أن يكون «تورط» مرتين خلال هذا العام في موقف إزاء المرجعية في النجف. ففي المرة الأولى عندما قام خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي بزيارة محافظة النجف ولكنه لم يتمكن من مقابلة السيستاني، والمرة الأخيرة عندما أعلن الأسبوع الماضي أن الطبقة السياسية العراقية بحاجة إلى نصائح المرجع الأعلى السيستاني.

وتأتي تصريحات النجيفي الأخيرة قبل جولة ميدانية يروم القيام بها في كل المحافظات العراقية يحمل خلالها مبادرة سياسية لحل الأزمات العالقة في البلاد وهو ما يعني وجود رغبة لديه في لقاء السيستاني لكن الرد السريع من قبل ممثل المرجع الأعلى في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي جاء ليقطع الطريق مجددا أمام أي محاولة من هذا النوع يمكن أن يبديها أي مسؤول عراقي كبير من المسؤولين الحاليين. وسبق زعيم التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، النجيفي في طلب زيارة السيستاني خلال شهر مارس (آذار) الماضي. لكن السيستاني دأب على مقابلة كبار الزوار العرب والأجانب الذين يقومون بزيارة العراق حيث كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هو آخر مسؤول دولي كبير زار مدينة النجف والتقى المرجع لأكثر من ساعة. وفي خطبة الجمعة الماضية أعلن ممثل السيستاني في كربلاء عبد المهدي الكربلائي أنه من بين «المطالب الأساسية إيقاف هذا التناحر السياسي والتراشق الإعلامي بين الكتل السياسية»، مشيرا إلى أن من «يتابع وسائل الإعلام وما يجري من لقاءات بين السياسيين وما يعلن من مواقف يجد أن هناك مساحة واسعة من الحديث والتراشق الإعلامي والاهتمام بالخلافات السياسية ذات الطابع الضيق الذي لا يتعلق بالمصالح العليا للبلد». وبشأن ما أشار إليه بعض كبار المسؤولين (في إشارة إلى النجيفي) أن المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق في ظل الأزمات المستمرة التي يعيشها هذا البلد بحاجة إلى نصح السيستاني، قال الكربلائي إن «النصائح وحدها لا تكفي لحل هذه الأزمات، نعم.. هي مطلوبة ومهمة وتمثل المقدمة للحل خصوصا حينما تعبر عن رؤى حكيمة ومتعقلة وثاقبة كما هو الحال فيما يقدمه سماحته من نصائح وإرشادات في مختلف المجالات». وأضاف قائلا إن «الذي نحتاج إليه في الوقت الحاضر ويحتاج إليه العراق هو رجال دولة يفكرون ويعملون من أجل مصالح العراق ككل ويبتعدون عن العمل لمصالح أضيق، فنحن حينما ندقق في الكثير من الرؤى والمواقف التي يتبناها الكثير من السياسيين نجدها نابعة من الحرص على مصالح أضيق مما تمثله مصالح العراق ككل، سواء أكان حرصا على مصالح منطقة معينة أو طائفة معينة أو كتلة أو حزب معين». إلى ذلك، اعتبر عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العملية السياسية تمر حاليا بظروف بالغة الصعوبة لأن التناحر السياسي يطغى على خدمة المواطن وعملية بناء الدولة»، معتبرا أن «هناك من ليس يعمل بأسلوب خاطئ ولكن بحسن نية بل إن هناك من يتعمد العمل على إسقاط الحكومة وبالتالي نمضي إلى مزيد من التعقيد». وأضاف أن «ما تعبر عنه المرجعية باستمرار هو ضرورة العمل لخدمة الناس وتطبيق البرامج بشكل صحيح وبالتالي فإنها تظل صوتا أبويا، ولكننا نلاحظ للأسف أن هناك من يطلب نصائح المرجعية ولكنه يعمل بالضد منها».

أما القيادي بالمجلس الأعلى الإسلامي والمقرب من المرجعية محمد البياتي، فقد أكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المرجعية «أعلنت مواقفها مرارا وهي أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع وتطلب من الجميع أن يكونوا عند الوعود التي قطعوها عند الانتخابات ولكن ما حصل كان عكس كل التوقعات». وأضاف أنه «من الملاحظ أن المرجعية تقف بالفعل بصرامة هذه المرة حيث إنها لا تفرق في عدم لقاء المسؤولين بين أي طرف أو ذاك، وحيث إن الأمور وصلت إلى أشدها في الآونة الأخيرة فإنها لا بد أن تعلن صراحة أمام الجميع أنها ليست راضية عما يجري وهي رسائل يجب أن يلتقطها طلاب المناصب ممن يتحدثون يوميا عن أنهم مع المرجعية وينفذون ما تقول، وهو كلام ليس له رصيد على أرض الواقع». وردا على سؤال حول الكتل الشيعية التي يفترض أن تكون الأقرب إلى المرجعية الشيعية من غيرها من الكتل، قال البياتي إن «مواقف المرجعية واضحة للجميع وبدون تفرقة ولكن أهم درس في ذلك هو أن السنوات القليلة المقبلة أمام الطامعين في السلطة ستثبت للناس من كان صادقا فعلا مع نفسه ومع المرجعية، ومن ليس كذلك». وأوضح أن «المجلس الأعلى الإسلامي الذي ينتمي إليه التزم بما قالته المرجعية وتنازل عن مناصبه التنفيذية بما في ذلك منصب نائب رئيس الجمهورية لأنه يريد خدمة الناس لا أن يجعل السلطة تخدمه بامتيازاتها».