في مهمة لإنقاذ تشيلي.. حتى النهاية

رجل أعمال استثنائي وهب حياته لمنكوبي الكوارث.. والدولة تكرمه بقانون يحمل اسمه

TT

بعد 3 أيام من وقوع الزلزال المدمر والتسونامي في تشيلي العام الماضي، اقترض فيليب كوبيلوس طائرة هليكوبتر من أحد أصدقائه واستقلها متجها إلى الساحل الذي لحق به الدمار. وقال كوبيلوس: «أبصرت كل شيء وقد حل به الدمار، كانت هناك حالة من الفوضى وغياب النظام، حالة من الأسى والحزن والحيرة المروعة». وقال أيضا: إنه شعر بدافع داخلي للقيام بشيء ما. ومن خلال إجراء اتصالات مع من تربطه بهم علاقات بمختلف أنحاء العالم نتيجة عمله لسنوات في مجال التجارة، شكل مؤسسة وبدأ على الفور بمد يد العون في جهود إعادة إعمار تشيلي. وكان المشروع الأول، الذي تم الانتهاء منه بعد 20 يوما من وقوع التسونامي، هو بناء مدرسة تستوعب 150 طالبا في إيلوكا. وعلى مدار الأربعين يوما التالية، بنت المؤسسة 17 مدرسة إضافية. وتبع ذلك إنشاء دور حضانة ومنازل لمحدودي الدخل، كما قدمت مساعدات للصيادين من أجل إصلاح قواربهم. وبحلول مارس (آذار) من هذا العام، بدأت المؤسسة في مساعدة الشركات الصغيرة من أجل البدء من جديد.

وقال كوبيلوس: «الفقراء في تشيلي بحاجة لثلاثة أشياء: رأس المال والتدريب والاتصالات». وأضاف: «أسعى للعمل كحلقة وصل بين من يحتاجون المساعدة ومن يمكنهم تقديمها».

ورغم كونه حدثا مفجعا، فإن الزلزال «أتاح مجموعة فرص» لمساعدة أهالي تشيلي الأقل حظا. وقد نظر كوبيلوس إلى هذا الحادث بوصفه بداية مرحلة خاصة في حياته. ففي يوم 2 سبتمبر (أيلول) الحالي، ركب هو و20 آخرون طائرة تابعة للقوات الجوية التشيلية متجهين إلى جزيرة روبنسون كروزو، التي تبعد مسافة 420 ميلا عن الساحل، حيث كانت مؤسسته تقدم مساعدات من أجل إعادة إعمار إحدى المناطق الأكثر تضررا بالكارثة. وكان مسافرا إلى الجزيرة بصحبة متطوعين آخرين وفريق تلفزيوني، بهدف إقامة وطن جديد للناجين من تسونامي ومساعدة الشركات الكائنة في الجزيرة في البدء من جديد. وفي ظل الرياح العاتية، فشلت الطائرة مرتين في الهبوط وتحطمت. وصرحت السلطات أنه لم يكن هناك أي ناجين.

كان كوبيلوس شخصية نادرة في تشيلي، بحسب مسؤولين وأشخاص عملوا معه ممن وصفوه بأنه نموذج لرجل أعمال ناجح صاحب ضمير اجتماعي. وقال رودريغو بيريز وزير الإسكان التشيلي بعد هبوط الطائرة: «إنه شخص استثنائي، المواطن الوحيد الذي بذل أقصى جهد ممكن من أجل إعادة الإعمار».

وكان كوبيلوس، 49 عاما، المولود في سانتياغو، أحد الأبناء الأربعة لهرنان كوبيلوس، الذي عمل وزير خارجية في حكومة الديكتاتور التشيلي أوغوستو بينوشيه. وتحالف كوبيلوس الأب بشكل فعلي مع ضباط البحرية من أجل الإطاحة بالرئيس السابق سلفادور أليندي في عام 1973. وكان هو أول وزير خارجية مدني في حكومة بينوشيه، حيث شغل هذا المنصب في الفترة من عام 1978 إلى 1980. وقد أشرف على المفاوضات بشأن قناة بيغل، المحادثات التي جنبت تشيلي الدخول في مواجهة عسكرية مع الأرجنتين في اللحظة الأخيرة. لكن في عام 1980، أجبر بينوشيه ووفده على العودة إلى تشيلي في منتصف رحلتهم إلى الفلبين، وذلك حينما ألغى الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس فجأة الزيارة لأسباب غير معروفة. وألقى بينوشيه اللوم على كوبيلوس الأب في الانسحاب المخزي وأقاله من الوزارة. عاد الوزير السابق إلى عالم التجارة، من خلال العمل لحساب شركات خمور وتبغ وشركات استثمار وبنوك شهيرة. ووافته المنية في عام 2001.

درس ابنه فيليب الحقوق بجامعة تشيلي وتبعه في اقتحام مجال التجارة والأعمال في سن صغيرة، منضما إلى صناعة السلمون حينما بدأت تظهر في تشيلي. وفي سن الخامسة والعشرين، كان مديرا بشركة «إيكومار» التي كانت من أوائل الشركات التي اقتحمت مجال زراعة أسماك السلمون. دشن مجموعة من الشركات، بينها شركة إنترنت، إلى جانب شركات إصلاح قوارب وشركات نقل بحري. كما كون أسرة، وأصبح أبا لابن و3 بنات. لكنه لم يكن يشعر بالرضا. وقال في مقابلة معه هذا العام: «إنني أنجذب إلى الأمور المجهولة والمشكوك فيها. من الصعب علي أن أعيش حياة روتينية».

دائما ما كان الإبحار هوايته المفضلة، وفي عام 2008، واصل سعيه لتحقيق حلمه بالإبحار حول العالم. ولإنهاء سباق المحيط العالمي بورتيماو، حصل على رعاة وباع إحدى شركاته وسافر إلى فرنسا لبناء زورق شراعي. وأطلق على القارب البالغ طوله 40 قدما اسم «كيب هورن تشالنج». وبعد مغادرته من البرتغال، عاش هو وصديقه خوسيه مونيوز «في أزمة دائمة»، خاصة خلال الثلاثين يوما التي أبحرا فيها من جنوب أفريقيا إلى نيوزيلندا، حيث هبت عواصف قوية في 27 يوما منها. وبعد عبور كيب هورن، في أقصى جنوب تشيلي، كانت هناك أوقات تعطلت فيها إلكترونيات الزورق.

وكانت أسوأ لحظة بالقرب من بورتو ريكو، حينما انكسرت إحدى دفتي الزورق. وقال: «كنا معرضين لخطر أن يتعين علينا التخلي عن المشاركة في سباق الزوارق الشراعية». لكنهما أصلحا الدفة بعد شهرين، في مايو (أيار) 2009، وتمكنا من مواصلة الإبحار. وذكر أن ابنتيه كتبتا في متن رسالة بريد إلكتروني: «أبي، كم من الرائع أنك لا تستسلم أبدا». وقال كوبيلوس: «كان ذلك حينما أدركت أن سباق الزوارق الشراعية حول العالم حمل مغزى بالنسبة لي. كنت أمثل قدوة لأبنائي، حتى يتعلموا مني عدم الاستسلام مطلقا».

في صيف 2009، وبعد 142 يوما من الإبحار، أبحر الرجلان متجهين إلى البرتغال، محققين المركز الثاني في سباق الزوارق الشراعية. وأشار إلى هذه الرحلة بوصفها الرحلة «التي غيرت مسار حياته»، «رحلة إلى أعماق الروح، تكتشف فيها جوهرك وحدودك وقدراتك وإمكاناتك».

دعمت تلك الدروس كوبيلوس في فبراير (شباط) 2010، عندما تجرعت تشيلي مأساة الزلزال. وقبيل وفاته، وصل عدد المشاركين في المؤسسة التي أنشأها والتي حملت اسم «ليتس ليفت أب تشيلي تشالنج» إلى نحو 60 شخصا، مع زيادة عدد المشاركين من الشباب كل يوم.

وفي 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، أقامت عائلة كوبيلوس حفلا تذكاريا في ألغاروبو، وهو خليج يبعد نحو 70 ميلا شرق سانتياغو. وكان ذلك في نادي يخت على مقربة من هناك، حيث كان كوبيلوس قد تعلم كيفية الإبحار من والده – وهو النادي نفسه الذي قد تحالف فيه والد كوبيلوس مع قوات البحرية ضد أليندي.

أبحر نحو 40 زورقا شراعيا وشكلوا معا دائرة. ونثر أفراد أسرته الرفات المتبقية من جثمانه في المحيط الهادي، بينما ألقى الأصدقاء ورودا في البحر من الزوارق الشراعية. وفي اليوم نفسه، طرح الرئيس سيباستيان بينيرا مشروع قانون على الكونغرس. وإذا تم تمرير «قانون كوبيلوس»، فإنه سيعجل بعملية منح مزايا ضريبية على التبرعات المقدمة للشركات للمضي في جهود إعادة الإعمار.

* ساهمت باسكال بونفوي في إعداد التقرير من سانتياغو بتشيلي

* خدمة «نيويورك تايمز»