ميدفيديف يضع حدا للتكهنات ويؤكد تنازله عن عرش الكرملين لبوتين

الزعيمان الحليفان يستعدان لتبادل موقعيهما العام المقبل.. بناء على اتفاق أبرماه منذ 2007

TT

في مفاجأة توقعها الكثيرون، أماط الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، اللثام عن الاتفاق الذي انتظرته الملايين في الداخل والخارج، حول مستقبل السلطة في روسيا، وحسم الجدل حول احتمالات عودة رئيس الحكومة، فلاديمير بوتين، إلى عرش الكرملين، فقد أعلن الرئيس ميدفيديف، أمس، اقتراحه عودة بوتين رئيسا للبلاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما رد عليه بوتين باقتراح اسم ميدفيديف لصدارة قائمة مرشحي حزب الوحدة الروسية، أي الحزب الحاكم، في الانتخابات البرلمانية المرتقبة في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تمهيدا للاضطلاع بمسؤولية تشكيل الحكومة في الفترة المقبلة. وفي كلمته التي ألقاها في المؤتمر السنوي للحزب الحاكم، في إطار الاستعدادات للانتخابات البرلمانية، قال بوتين إن تقليدا اتبعناه منذ فترة، يتلخص في أن يترأس رئيس الدولة قائمة الحزب الحاكم، بما يعني ترشيح ميدفيديف لرئاسة قائمة المرشحين إعلاء لهيبة ومكانة الحزب. وعلى الرغم من عدم عضوية ميدفيديف في حزب الوحدة الروسية، فإنه أعلن أن ما يطرحه بوتين «عرض بالغ الجدية»، مؤكدا في الوقت نفسه أنه يقبله، معربا عن استعداده لمواصلة خط تحديث الدولة وإقرار الديمقراطية، ومواصلة المسيرة التي بدأها لتطوير البلاد، في حالة فوز الحزب في الانتخابات، الذي قال إنه على يقين من تحقيقه.

ومن جانبه كشف ميدفيديف عن الخبر الذي طالما احتدم حوله الجدل منذ ما يزيد عن العام، حول مدى احتمالات عودة بوتين إلى عرش الكرملين، قائلا إنه يرشح زعيم الحزب لقيادة مسيرة الدولة في الفترة المقبلة، من موقع الرئيس، بما يعني ترشيح فلاديمير بوتين لخوض الانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) المقبل، التي لا أحد يشك في فوزه بها. بل مضى ميدفيديف إلى ما هو أبعد من ذلك، حين أعلن أنه ناقش كل هذه التطورات مع بوتين منذ سنوات طويلة، وقال إنهما فعلا ذلك منذ اللحظة الأولى «لتشكيل تحالفهما الرفاقي»، أي في نهاية عام 2007، منذ طرح عليه بوتين أن يحل محله في رئاسة الدولة على أن يشغل بوتين منصب رئاسة الحكومة. غير أن ما قاله ميدفيديف يأتي على النقيض مما صدر عن ميدفيديف وممثليه في الكرملين، من تصريحات حول رغبته في الاستمرار لفترة ولاية ثانية. وكان ميدفيديف لمح إلى رغبته في فترة ولاية ثانية، لمواصلة ما بدأه من مشاريع لتحديث الدولة، ودعم بناء الديمقراطية، في حين أكدت المتحدثة الرسمية باسمه، ناتاليا تيماكوفا، مشروعية ما قاله الرئيس الروسي حول الولاية الثانية. وبغض النظر عما يقال حول هذا الشأن، فإن ما قيل من تصريحات، وما اتخذ من قرارات، خلال انعقاد المؤتمر السنوي للحزب الحاكم، حسم الجدل حول القضية التي شغلت الرأي العام طوال السنوات الماضية، ومنذ أعلن بوتين عدم رغبته في تغيير الدستور من أجل توفير الأساس القانوني لاستمراره في رئاسة البلاد لفترة ولاية ثالثة.

وكان بوتين قد رشح ميدفيديف لخلافته في الانتخابات الرئاسية 2008، وقد سارع ميدفيديف برد الجميل، حيث بادر في مستهل سنوات ولايته بالاستفتاء على تغيير الدستور ورفع مدة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، بما يعني أن بوتين سيكون مدعوا للبقاء في منصب الرئيس لفترة ست سنوات قابلة للمضاعفة، من منظور أحقيته في الترشيح لفترة ولاية رابعة، ما دام لم يخرق المادة التي تقول بعدم أحقية الرئيس في البقاء في منصبه أكثر من مدتين متتاليتين، على أن بوتين، كما عهد ممثلو الأوساط السياسية والاجتماعية عنه، وبما عرف عنه منذ سنوات عمله في الأجهزة الأمنية من حسم وبعد نظر، ليس الشخصية التي يمكن أن تترك الأمور تسير على عواهنها.

ومن هذا المنظور، اتخذ بوتين عددا من الخطوات والقرارات التي استهدفت احتواء مختلف التوجهات، بما يحسم الموقف لصالحه في حال خوض الانتخابات كمتنافسين، على الرغم من كل ما قيل حول أنهما لن يفعلا ذلك. وفي هذا الإطار أعلن بوتين في مايو (أيار) الماضي بدء تشكيل «الجبهة الشعبية لعموم روسيا»، التي قال إنها يمكن أن تضم أعضاء الحزب الحاكم وكل القوى والحركات والأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية والطلابية، وقدامى المحاربين. وفي الوقت الذي بادر فيه الكرملين بالإعلان عن تشكيل الحزب اليميني «القضية العادلة»، الذي قالوا آنذاك إنه بإيعاز من ميدفيديف، رغبة من جانبه في الانطلاق من مواقعه في حال حسم موقفه، واتخاذ قرار الترشح للرئاسة، كشف آخرون عن أن الحزب مدعو بدوره إلى لعب دور المعارضة «المستأنسة»، بعد رفض القضاء «المستقل» لطلب بعض أقطاب النظام الأسبق، ومنهم ميخائيل كاسيانوف، رئيس الحكومة الأسبق، ورفاقه من أمثال بوريس نيمتسوف، وجاري كاسباروف، حول إعلان حزبهم الذي كانوا اختاروا له الاسم نفسه «القضية العادلة». ولذا كان من الطبيعي أن يعود الكرملين إلى رفع وصايته عن هذه المبادرة، والإيعاز إلى آخرين من موفديه إلى ذلك الحزب، من أجل الإطاحة ببروخوروف، رئيس الحزب، وهو ما أثار الكثير من الجدل في الساحة السياسية، ودفع بروخوروف إلى التهديد بالعمل من أجل الإطاحة بكاردينال الكرملين، فلاديسلاف سوركوف، النائب الأول لرئيس الديوان، وهو ما لم يأخذه أحد على محمل الجد.

وهنا يتذكر الكثيرون ما قاله ميدفيديف خلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ، حول احتمالات تعرض المؤسسة الحاكمة الروسية لتعديل كبير، حيث قال: «إن تنفيذ استراتيجيتنا سيتطلب إجراء تغييرات على الحكومة وغيرها من هيئات السلطة، على كل المستويات».

ولعله يكون من المناسب الربط بين ما قاله ميدفيديف في يونيو (حزيران) الماضي، وما طرحه بالأمس حول النقاط الرئيسية لبرنامجه كرئيس للحكومة في حال فوز الحزب الحاكم في الانتخابات المرتقبة، الذي قال إنه لا أحد يشك فيه، ومن هذه النقاط تحديث الاقتصاد، ومنظومتي التعليم والصحة، ومجالات الصناعة، وتحسين مناخ الاستثمارات، وإنشاء البنية الأساسية للابتكارات، إلى جانب رفع مستوى الأجور، والعمل من أجل مكافحة الفساد والجريمة، وتحقيق استقلالية القضاء، ودعم بناء القوات المسلحة.

أما عن ردود الفعل، فيبدو ما يشبه الإجماع على أنه على الرغم من كل الغموض الذي اكتنف الإعلان عن ترشيح بوتين للعودة إلى عرش الكرملين، فإنه لم يكن هناك من يشك كثيرا في أن ذلك كان يمكن أن يفارق مخيلة «ثعلب الكرملين» طوال السنوات الثلاث الماضية، منذ ترك موقعه على قمة السلطة في الدولة الروسية.