بوتين.. قيصر روسيا الجديد

يحظى بشعبية كبيرة بفضل انتشاله البلاد من شفا الانهيار

TT

انتشل فلاديمير بوتين روسيا من الرمال المتحركة التي كانت تغوص فيها بعد الحقبة السوفياتية على مدار أكثر من عقد من الحكم المهيمن، لكنه حجم أيضا قوة المجتمع المدني وأثار حفيظة الغرب عبر سياسة خارجية تصادمية. ويبدو الآن أن بوتين سيصل إلى الكرملين للمرة الثالثة بعد أن رشحه الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف للرئاسة في الانتخابات المقررة في 2012، ومن ثم يمكن، نظريا، أن يستمر في حكم البلاد لفترتين متعاقبتين حتى عام 2024.

كان بوتين، عميل استخبارات الـ«كيه جي بي» السوفياتية السابق، قد أبقى على الأساليب السوفياتية مثل الاحتفاظ بقوات أمن نافذة والحكم السلطوي المركزي الذي كان الليبراليون يأملون أن يولي دون رجعة في روسيا المستقلة الجديدة بعد انهيار الحكم السوفياتي، غير أن بوتين يحظى، فعلا، بشعبية كبيرة بين الروس؛ إذ أعاد إليهم درجة من الثقة بالنفس في بلد بدا على شفا الانهيار في بعض منعطفاته الصعبة خلال التسعينات.

وبالنسبة لأنصاره، فإن بوتين بمثابة منقذ روسيا الحديثة، في حين يرى فيه معارضوه النسخة الأحدث في سلسلة الزعماء الاستبداديين بدءا من إيفان الرهيب، مرورا بستالين، لكن المؤكد هو أن بوتين، 58 عاما، شخصية ذات أهمية تاريخية.

وقد اتضحت سياسة بوتين حينما تحدث إلى الروس في أعقاب حصار مدرسة بيسلان عام 2004 الذي نفذه متشددون وسقط خلاله 334 قتيلا على الأقل، أكثر من نصفهم من الأطفال، وترك البلاد في حالة صدمة. فقد وصف بوتين آنذاك الاتحاد السوفياتي بأنه «دولة عظيمة.. لكن للأسف لم تعد تتماشى مع العالم المعاصر»، وأضاف أن روسيا الجديدة أظهرت ضعفا في التعامل مع التحديات التي واجهتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.. والضعيف يتعرض للضرب».

بدأ بوتين مشواره في أروقة جهاز الـ«كيه جي بي» الاستخباراتي النافذ؛ حيث عمل في ألمانيا الشرقية السابقة. وتمكن بوتين، الذي ما زالت تحيط به هالة ضابط المخابرات، من تعزيز سلطته خلال حرب ثانية ضد الانفصاليين الشيشان أشار منتقدوه إلى أنها شهدت انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان، وقد بدأت هذه الحرب بعد سلسلة تفجيرات استهدفت أبنية سكنية لم يتم الوقوف على كل جوانبها.

كان أول رئيس روسي منتخب ديمقراطيا، بوريس يلتسين، هو الذي انتشل بوتين من منصب رئيس جهاز «إف إس بي» الذي خلف «كيه جي بي»، ليعينه رئيسا للوزراء. وحينما استقال يلتسين عام 2000 عين بوتين رئيسا. وفي هذه الليلة خاطب بوتين الروس بثقة غريبة على رجل وجد نفسه فجأة يمسك زمام أضخم بلدان العالم، موضحا أن له قواعد لعبته الصارمة التي لم تتغير منذ ذلك الحين.

آنذاك قال بوتين: «لن يكون هناك فراغ في السلطة ولا في هذا البلد. أود أن أحذر من أن أي محاولات للخروج على القانون ستجهض بحسم»، لكنه أكد أيضا للروس أن «حرية التعبير والضمير والصحافة» ستحظى بالحماية، وهو التعهد الذي يقول البعض إنه انتهكه المرة تلو الأخرى.

وحتى بينما كان رئيسا للوزراء تحت رئاسة يلتسين، عرف عن بوتين حديثه المقرب من الشارع، حين قدم تعهده الشهير: «سألقي بالإرهابيين في المرحاض». ولم يحرك بوتين ساكنا إزاء الغضب الغربي إزاء اعتقال ميخائيل خودوركوفسكي؛ حيث أعلن، حتى قبل النطق بالحكم في المحاكمة الثانية لقطب النفط المعادي للكرملين، أن «اللص مكانه السجن».

جاء انقضاء فترة الولاية الثانية، وهي الحد الأقصى لتولي الرئاسة على التوالي دستوريا، ومضى دون أن يفرض عقبة أمام بوتين؛ حيث عينه رفيقه ديمتري ميدفيديف، على الفور، في منصب رئيس للوزراء، ومن ثم استمر قابضا على السلطة.

لم يتوارَ بوتين يوما عن الأنظار أثناء رئاسته للوزراء، بل عمد إلى إبراز قدراته بشكل لا قِبَل لميدفيديف به ويصعب وجود مثله بين زعماء العالم. وظهر في صور في رحلات الصيد، وهو يركب الخيل في نزهات الصيف، كاشفا عن صدره العاري مستعرضا عضلاته. والتقطت لبوتين الصور مع كل الوحوش البرية التي تجدها في روسيا مثل النمر وفهد الثلوج والدب القطبي، وغاص إلى أعماق بحيرة بايكال في غواصة صغيرة وقاد سيارة سباق فورميولا - 1. وسأل أحد الصحافيين بوتين قلقا بعد أن عاد من رحلة علمية خطرة لتعقب الحيتان بين البحار العاتية: «فلاديمير فلاديميروفيتش، لماذا كل هذه المخاطرة؟! أتعي المخاطر؟». فرد عليه بوتين دون تفكير: «الحياة مخاطرة».

ونادرا ما يظهر بوتين على الملأ برفقة زوجته ليودميلا، التي رُزق منها بابنتين، وسبق أن قال للصحافيين قولا شهيرا: «أبعدوا أنوفكم الغليظة» عن شؤونه. وحينما زعمت صحيفة روسية صغيرة عام 2008 أن بوتين خان زوجته مع بطلة جمباز إيقاعي أولمبية، انتهى الأمر بالصحيفة للتراجع عن المقال وتفنيده وإغلاق نفسها بنفسها.a