معركة التيارات تتنحى.. الوطن هو المنتصر

بعد صدور قرارات تجاوزت سقف مطالب المرأة السعودية

خادم الحرمين الشريفين لدى حضوره أمس أمام مجلس الشورى السعودي (تصوير: خالد الخميس)
TT

أتى القرار الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، مقرا مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا اعتبارا من الدورة القادمة، إضافة إلى الموافقة على ترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية اعتبارا من الدورة القادمة، والمشاركة بترشيح المرشحين، ليوقف سنوات من الشد والجذب بين أطياف وتيارات المجتمع السعودي، سواء أكان داخل أروقة مجلس الشورى ذاته أو المجالس البلدية، التي انقسمت مؤيدة في بعضها ومعارضة في بعضها الآخر، وبضعة باقية احتفظت بصمتها حول كل ما تعلق بالمرأة، حتى إن ألقت معركة التيارات بخيلها ورجلها في ساحة المرأة السعودية، وباتت تقاس موازين الربح والخسارة بـ«تاء التأنيث»، فإما نصرا بعودتها «مفتوحة»، وإما كفاحا في أن تبقى «مربوطة»، غير أن الجميع يتفق على أن هذه القرارات يمكن لها أن تتنحى جانبا، لأن المنتصر في النهاية هو الوطن لا غيره.

الكلمة الملكية الحازمة التي أكد فيها العاهل السعودي أنه لا مكان «للمتخاذلين والمترددين»، كما وصفهم، في سبيل تحقيق التحديث المتوازن والمتفق مع القيم الإسلامية، وما أقره من قرارات تجاوزت حتى سقف مطالب المرأة السعودية ذاتها في أحقيتها في ترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية، أنهى عقودا من الشعارات والمناورات بخطه رؤية سياسية رسمية تجاه أدوار المرأة في المجتمع السعودي قبل أن تساهم سهام التيارات في إحراق الأخضر واليابس بـ«حربهم الباردة».

فقبل أن يوافق مجلس الشورى في 6 يونيو (حزيران) 2011 على توصية لجنة الإسكان والخدمات العامة، التي نصت على اتخاذ التدابير اللازمة لإشراك المرأة كناخبة في انتخابات المجالس البلدية، وفقا للضوابط الشرعية، واجهت التوصية التي تقدم بها عضوا مجلس الشورى: عبد الرحمن العناد، وزهير الحارثي، حول إشراك المرأة السعودية في انتخابات مجالس البلدية، رفضا شديدا من قبل التيارات «الشعبوية» المحافظة وبعض التيارات الإسلامية.

فكان من بعض الأعضاء المحافظين لمجلس الشورى، أن تقدموا للاحتساب صوب متقدم المشروع «العناد»، بقولهم له: «عليك وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين». فرد العناد: «لي أجرها إن شاء الله وأجر من عمل بها».

ووصف زهير الحارثي عضو مجلس الشورى وثاني اثنين ممن تقدموا بتوصيتين للشورى، تعلقت الأولى بتعيين المرأة في المجالس البلدية والثانية بترشيحها، لترتئي اللجنة المعنية رفض الطلب الأول والاقتصار على التوصية الثانية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قرار الملك بـ«التاريخي والاستثنائي، لما سيحدثه من تحول فكري واجتماعي في السعودية»، مضيفا أن العاهل السعودي سعى، من خلال قراراته الأخيرة، إلى فتح الباب أمام المرأة للمساهمة في بناء المجتمع وتغيير الصورة النمطية تجاهها.

وتبعا للحارثي، فمعادلة الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذا الشأن هي «التمسك بالثوابت ومواكبة لغة العصر».

إلا أن المراقبين للحالة السعودية لا يرون من خلال القرارات الملكية سوى أنها ثمار يقتطفها كل المواطنين، كما جاء في خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز، السابق في منطقة القصيم، مؤكدا فيه رفضه الشديد لتقسيم المجتمع، فليس لتيار حظوة على أخيه، وكما قال العاهل السعودي أثناء استقبال أهالي القصيم له في عام 2006: «إنني أرى أنه لا يتناسب مع مواد الشريعة السمحة ولا مع متطلبات الوحدة الوطنية أن يقوم البعض، بجهل أو سوء نية، بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان.. فهذا علماني.. وهذا ليبرالي.. وهذا منافق.. وهذا إسلامي متطرف.. وغيرها من التسميات.. والحقيقة هي أن الجميع مخلصون - إن شاء الله - لا نشك في عقيدة أحد أو وطنيته حتى يثبت بالدليل أن هناك ما يدعو للشك لا سمح الله».

من جانبه أكد الدكتور محمد آل زلفة، العضو السابق لمجلس الشورى، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يعد هناك موقع لتيار يبحث عن فرض رؤاه وتفسير الدين كما يشاء، بتأويل الأدلة الشرعية على فهم خاطئ، أو ما سماه «النفاق باسم الدين»، منوها بأن القرارات الملكية الأخيرة إنما هي انتصار للوطن ولمسيرة التنمية، وليست انتصارا لتيار على آخر، حيث بقيت الإرادة الملكية، بحسب آل زلفة، رافضة تقسيم المجتمع ما بين ديني وآخر ضد الدين.