الملك استجاب لرغبة المرأة بعضوية المجالس البلدية.. وفاجأها بـ«مقعد الشورى»

د. العناد لـ «الشرق الأوسط»: العادات والتقاليد قد تحد من رغبتها في الترشح

سعوديات تجمعن أمام مركز انتخابي في جدة وكن يطالبن بمشاركة فاعلة للمرأة في انتخابات المجالس البلدية («الشرق الأوسط»)
TT

استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمطالب المرأة السعودية بالترشح للمجالس البلدية، بعد أن أعلن أمس في خطابه الملكي السنوي أمام مجلس الشورى السعودي عن منح نساء بلاده حقوقا سياسية، من ضمنها حق عضويتها في المجالس البلدية، وذلك عقب نشوء جدل واسع حول إمكانية مشاركتها كـ«ناخبة» فقط، إلا أن القرار الملكي جاء ليقطع الشك باليقين ويجعلها عضوا أسوة بالرجل.

وأوضح الدكتور عبد الرحمن العناد، عضو مجلس الشورى وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وصاحب المبادرة الأولى في المجلس لمشروع قرار المطالبة بإشراك المرأة في انتخابات المجالس البلدية، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز فاجأ الجميع بهذه القرارات، فضلا عن كونه أثبت سباقه للزمن في الإصلاح السياسي بالسعودية كما يحدث في الجوانب الأخرى.

وأشار الدكتور العناد إلى أن «هذه الخطوة تنم عن قراءة ممتازة للواقع العربي وضرورة تحديث المجالس البلدية وإشراك المرأة فيها كصانعة قرار بها، في ظل استحالة تغييب نصف المجتمع عن مثل هذه المؤسسات».

وكانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أشادت أمس بقرار خادم الحرمين الشريفين القاضي بتمكين المرأة من حقها في عضوية مجلس الشورى بدءا من الدورة المقبلة، بالإضافة إلى حقها في الترشح والتصويت في المجالس البلدية بدءا من الدورة المقبلة، وفق الضوابط الشرعية.

ورأت الجمعية، في بيان لها أمس، أن هذا القرار «يعد استمرارا لتوجهات خادم الحرمين الشريفين لتعزيز مشاركة المرأة السعودية في الحياة الاجتماعية، وفق الضوابط التي تقرها الشريعة الإسلامية». وأضافت أن هذا القرار «يؤكد استمرار نهج خادم الحرمين الشريفين الإصلاحي، ويدعم مشاركة المرأة في المجتمع، في إطار ضوابط الشرع الحنيف».

بينما قال الدكتور عبد الرحمن العناد لـ«الشرق الأوسط»: «إن خادم الحرمين الشريفين منحنا أكثر مما نطالب به، خصوصا أن جل ما كنا نتوق إليه في انتخابات المجالس البلدية هو إشراك المرأة كناخبة فقط، وها هو اليوم يعلن مشاركتها كعضو مرشحة وناخبة أيضا ابتداء من الدورة المقبلة للانتخابات».

وبيّن أن الملك عبد الله بن عبد العزيز صنع تاريخا جديدا بهذه القرارات، التي تعد خطوة سبقتها خطوات محدودة في السابق بتعيين النساء كمستشارات في مجلس الشورى، لافتا إلى أن القرارات الملكية محل تقدير من الكل، لأنها جاءت استجابة لتطلعات الشارع والمرأة السعودية التي أثبتت جدارتها في مختلف القطاعات على الساحتين المحلية والدولية.

وأضاف أن «المرأة السعودية تمكنت من شغل مناصب مرموقة في الدولة، الأمر الذي يؤكد أنها لن يصعب عليها المشاركة في المجالس البلدية، وإنما سيكون لمشاركتها انعكاس إيجابي على القرارات التي يتم اتخاذها في تلك المجالس».

وأوضح أن قضية إشراك المرأة السعودية كناخبة في انتخابات المجالس البلدية كانت قد بدأت تأخذ مؤخرا بُعدا جديدا بعد أن قام مجلس الشورى برفع التوصية كقرار إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشكل مفتوح دون تحديد أي دورة من دورات الانتخابات، وذلك تمهيدا لإقرارها بشكل رسمي.

وجاء ذلك بعد أن أسقط مجلس الشورى السعودي في شهر يونيو (حزيران) الماضي اعتراضا تقدم به بعض الأعضاء بشأن نقض قرار المجلس المتعلق بالموافقة على توصية تطالب بإشراك المرأة كناخبة في انتخابات المجالس البلدية التي تشهدها السعودية خلال هذه الأيام، مؤكدا المضي في رفع مشروع التوصية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

من جانب آخر، اعتبرت مجموعة من سيدات الأعمال السعوديات هذه القرارات بمثابة «عيد» ثانٍ لهن من الواجب الاحتفال به، خصوصا أنها جاءت متزامنة مع احتفاليات اليوم الوطني السعودي، مؤكدة في الوقت نفسه قدرة المرأة السعودية على إثبات وجودها في المجالس البلدية والمناصب القيادية بشكل عام.

وأوضحت الدكتورة عائشة نتّو، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن المرأة السعودية جاهزة لعضوية المجالس البلدية، لأنها تعلب دورا في أمور أكبر من ذلك، لافتة إلى أنها لن تواجه صعوبة في رسم الخطط الوضعية للشعب.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم نستغرب هذه القرارات مطلقا، فقد كنا ننتظرها في ظل إيماننا بوالدنا الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كانت وما زالت المرأة بؤرة اهتمامه، فضلا عن يقيننا بأن دخولنا في المجالس البلدية كأعضاء كان مجرد مسألة وقت لا أكثر».

وأشارت إلى أن «المرأة السعودية بعد أن أصحبت قادرة على التحكم في حياة الناس منذ نحو 50 عاما مضت، فمن باب أولى أن تكون جاهزة بشكل كامل لحمل المشرط إلى جانب الرجل».

واستطردت نتو: «إن هذه القرارات تعد بمثابة عيدية خادم الحرمين الشريفين للنساء السعوديات، اللاتي من حقهن الاحتفال بها، وإن كان لكافة أبناء الوطن عيد واحد، فإن للمرأة هذا العام عيدين».

في حين ذكرت الدكتورة لمى السليمان، نائبة رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن المجتمع السعودي مليء بالكفاءات النسائية المستعدة لذلك، إضافة إلى أن مطالبات مشاركة المرأة في المجالس البلدية لم تأت إلا وهي ذات مسؤولية تهتم بها، والمتمثلة في تطوير وإصلاح المجتمع.

وقالت في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن المجالس البلدية تخص كل امرأة سعودية، بمن فيهن ربّات البيوت، حيث إن هناك مجموعة كبيرة من السيدات كن قد سعين في وقت سابق بجهودهن للوصول إلى المجالس البلدية، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في التفكير جديا خلال الفترة المقبلة في وضع الخطط والمخططات اللازمة لذلك»، موضحة أن اليوم الوطني لهذا العام احتفل بالمرأة السعودية بشكل حقيقي.

الجدير بالذكر أن مجلس الشورى كان قد أقر في شهر يونيو الماضي توصية باتخاذ «كافة التدابير اللازمة» لإشراك المرأة «وفقا لضوابط الشريعة» كناخبة فقط في انتخابات المجالس البلدية مستقبلا دون إعطائها الحق للدخول كـ«مرشحة»، عقب فوات فرصة المشاركة في الموسم الانتخابي الحالي، في قرار يأتي بعد 18 يوما من إغلاق باب تسجيل الناخبين في الموسم الانتخابي الحالي.

وجاء هذا التوجه من الشورى، بعد فوات فرصة مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية لهذه الدورة، نظرا لإغلاق التسجيل في قوائم «قيد الناخبين» في 19 مايو (أيار) الماضي.

ومنذ تاريخ 23 أبريل (نيسان) الماضي، قادت مجموعة من النساء السعوديات محاولة تسجيل أنفسهن في قيد الناخبين للموسم الانتخابي الحالي، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.

وبعد أكثر من 65 يوما، من أول محاولة لسيدة سعودية بتسجيل نفسها في قيد الناخبين، أقر مجلس الشورى أمس مشروع توصية مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، بوصفها «ناخبة» فقط، إلا أن القرارات الملكية أمس منحتها حق الترشح كعضو في المجالس البلدية وناخبة أيضا ابتداء من الدورة المقبلة للانتخابات البلدية.

من جانبه، وصف الدكتور صدقة فاضل، رئيس اللجنة السياسية في مجلس الشورى وأحد أعضاء المجلس، الخطوة بأنها «ممتازة» ومتوقعة من الملك عبد الله بن عبد العزيز، مؤكدا أن المرأة نصف المجتمع، ومشاركتها ضرورية.

ولفت إلى أن هذه المشاركة وجدت كي تمارس المرأة دورها في خدمة الوطن والمواطنين، ولكي تتاح لها الفرصة في خدمة المصالح العامة والمتعلقة بأوضاع المرأة السعودية في الدولة، معترفا بأن المرأة خير من يعرف احتياجاتها ومطالباتها التي ستأتي من واقع ملموس تعيشه.

وأكد فاضل أن عضوية المرأة في مجلس الشورى ستضيف للمجلس وتجعل قراراته، خاصة تلك المتعلقة بالأسرة والمرأة والمجتمع، «أكثر رشدا وعقلانية»، مشيرا إلى أن هذه العضوية أمر إيجابي، متوقعا أن يشارك بعد سنة و3 أشهر من الآن نحو 20 سيدة سعودية بالدورة السادسة لمجلس الشورى المقبل.

وبحسب القرار الملكي، أشار رئيس اللجنة السياسية في مجلس الشورى إلى المطالبات الكثيرة التي تقدمت بها سيدات المجتمع السعودي لإتاحة الفرصة لهن بالمشاركة مع الرجل في مجلس الشورى.

بينما أكدت الدكتورة لمى السليماني، نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية، على تعايش الملك عبد الله واحتوائه لشعبه، الذي دائما ما يثبت ذلك بقراراته الحكيمة التي تدل على إصغائه لمتطلبات شعبه والعمل على مصالحه.

بينما أكدت ألفت قباني، التي تشغل منصب نائب رئيس اللجنة الصناعية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن ما اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز هو «قرار تاريخي، بالسماح للمرأة السعودية بالمشاركة في انتخابات الشورى والمجالس البلدية»، واعتبرته «أفضل هدية للمرأة السعودية في ذكرى اليوم الوطني للمملكة». وأشارت إلى أن هذه الخطوة «ستساهم في تحقيق المشاركة الحقيقية والفاعلة، وستعطي أكثر من نصف المجتمع السعودي فرصته في صناعة القرار».

وقالت قباني «جاءت كلمات الملك الحكيم كبشرى سارة للمرأة السعودية التي تمثل أكثر من 50 في المائة من عدد سكان المملكة، وتحقيقا للشراكة المتوازنة».

وأضافت «لقد أصبح للمرأة دور فاعل ومؤثر في مختلف الجوانب الحياتية، وجاء الوقت لتحصل على فرصتها في التمثيل بمجلس الشورى والمجالس البلدية، وفق التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية، الذي بات مطلبا مهما في عصرنا، مثلما أكد (يحفظه الله) في كلمته أمس»، مشيرة إلى أن «سياسة الباب المفتوح التي تتبعها المملكة كانت وراء هذه الخطوة المهمة التي ستكون علامة فارقة في مسيرة المرأة السعودية».

ودعت قباني المرأة السعودية إلى أن تكون على قدر المسؤولية أمام هذه الثقة الغالية التي حصلت عليها من الملك عبد الله والقيادة الحكيمة، وأن تساهم في تطبيق هذا القرار بالشكل الأمثل لتعود منافعه على الفرد السعودي، مشيرة إلى أن «حكومتنا الرشيدة شددت في أكثر من مناسبة على أن المرأة عضو مهم في مختلف مؤسسات المجتمع».