محمد عاصم إبراهيم لـ «الشرق الأوسط»: البعض يرى أن معاهدة السلام «رقص على السلم» لكنها نجحت في إقرار توازنات المنطقة

سفير مصر الأسبق في تل أبيب: يجب زيادة معدات القوات المصرية في سيناء

محمد عاصم إبراهيم
TT

في ربوة بعيدة عن ضجيج القاهرة وصخبها السياسي المتشابك، الذي بات أشبه بزحام مرورها في ساعات الذروة، التقت «الشرق الأوسط» السفير محمد عاصم إبراهيم، سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل، والذي لا يزال مرجعا لأجيال عديدة من الدبلوماسيين المصريين بحكم خبرته العريضة في معرفة تفاصيل دقيقة عن إسرائيل قد تكون غائبة عن الكثيرين.

وارتبط اسم السفير إبراهيم بملفات الأمن القومي المصري، وبالأخص ملفا إسرائيل ودول حوض النيل، إذ سبق له أيضا العمل كسفير لمصر لدى إثيوبيا، حيث تم تعينه عقب محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا، ثم عمل سفيرا لمصر لدى السودان، قبل أن يتم نقله إلى تل أبيب.

ومع تصاعد الأحداث بين مصر وإسرائيل مؤخرا، بداية من انتهاك إسرائيل للحدود المصرية وقتلها عددا من الجنود المصريين، واشتعال جمرات الغضب في الشارع المصري التي ترجمت في مشهد استثنائي باقتحام مقر السفارة الإسرائيلية الكائن على نيل القاهرة، وتبعها تصريح رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف بأن «كامب ديفيد» ليست مقدسة، دخلت الأزمة منحنى جديدا دفع الخارجية الإسرائيلية لاستدعاء سفير مصر لديها ياسر رضا من أجل الاستفسار.

«الشرق الأوسط» التقت السفير محمد عاصم إبراهيم لاستشفاف الموقف واستبصار مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية، والتي لعبت دورا مهما في توازنات المنطقة بأسرها على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وإلى نص الحوار..

* بصفتك خبيرا في العلاقات المصرية الإسرائيلية، هل اقتربت لحظة النهاية للسلام بين القاهرة وتل أبيب؟

- الإجابة عن ذلك تستدعي شرح بعض الأمور، فالتطورات والأحداث الأخيرة في العلاقات بين البلدين يمكن وصفها بالتطورات الكبرى.. ومنذ إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس (آذار) عام 1979 وحتى 25 يناير (كانون الثاني) الماضي كان من الملاحظ أن هناك موقفين، على الأقل في ما «يعلن»، عن أنواع التعامل مع إسرائيل، موقف الرأي العام وموقف الحكومة المصرية.

* ماذا تعني بمقولة «ما يعلن» عن التعامل مع إسرائيل؟

- ما أعنيه أنه على مدار تلك الفترة كان من الوارد أن تقع أحداث أو تصدر مواقف يرفضها أو تثير غضب أحد الجانبين المصري أو الإسرائيلي، لكن كان يتم احتواؤها داخل الغرف المغلقة انطلاقا من مبدأ المحافظة على معاهدة السلام التي توفر الأمن للبلدين. ولكن بعد 25 يناير، والمواقف الشعبية التي أعلنت وبرزت في أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وعدم استعداد الشعب المصري في مجموعه للتعامل بـ«خفة» مع اختراق إسرائيل لحدودنا وقتلها عناصر من الشرطة المصرية الموجودة على الحدود، من المؤكد أن ذلك يضع الكثير من علامات الاستفهام حول إلى أين تسير هذه العلاقة.

* كيف يرى المواطن المصري علاقات مصر مع إسرائيل بعد الثورة خاصة بعد حادثة مقتل مصريين داخل الحدود؟

- «المزاج» المصري تأثر بالروح الثورية، وتأثر بتوتر العلاقات التركية الإسرائيلية، وهذا الأمر يطرح آثاره على المسألة لأن الشارع أو المواطن يقول إذا كان الأتراك فعلوا كذا فما بالك بنا نحن؟ لأن الأتراك مجرد مسلمين، لكن نحن عرب ومسلمون، وهم مجرد دولة في المنطقة ليست لها حدود مشتركة مع إسرائيل. الشعب كان دائما معبرا عن غضبه وانزعاجه من مثل هذه الأحداث، لكن الآن قاموا بإعداد حصر يتضمن 29 حالة وفاة لجنودنا على الحدود مع إسرائيل منذ توقيع معاهده السلام.. وبناء عليه كان الحديث عن كرامتنا المنتهكة.

وأؤكد أنني اعتبر هؤلاء الشهداء في منزلة أولادي، ولكن عندما تتحدث عن الدول والعلاقات الدولية فالأمر يختلف، حيث إن الحروب تفقد الدول عشرات الآلاف من الشهداء. وفي الحادث الأخير، هناك الآن لجنة عسكرية مشتركة وتقارير خاصة بالقوات متعددة الجنسيات، إذن هناك أطر للتحقيق في المسألة. وعلى الجانب الآخر، فإن استهداف أتوبيس إيلات وموت ثمانية أفراد بداخله استفز إسرائيل، وبخاصة أنه ووفقا لتقديراتها فإن الاختراق تم من نقطه حدودية مع مصر. لكننا لسنا على استعداد لقبول أي مساس بجندي مصري، وعندما حدث قصف من الجانب الفلسطيني واستشهد مجند على الحدود غضبنا وعتبنا على الفلسطينيين.. كما أننا لسنا على استعداد للتفريط في سيادتنا بأن تخترق مروحية أراضينا ويستشهد جنودنا.. لا الحكومة ولا الشعب يقبل هذا، لا اليوم ولا أمس، ومن حقنا سحب بعثتنا الدبلوماسية، ولكن ليس لدينا الحق في اقتحام السفارات.

* هل تملك القاهرة أوراق الضغط الكافية لتعديل معاهدة السلام؟

- القاهرة ليست لديها سيطرة كاملة على سيناء بسبب المنطقة الحدودية «ج»، وإذا كانت إسرائيل تريد حماية نفسها من أي اختراقات من ناحية سيناء فعليها أن توافق على زيادة عدد القوات المصرية ومعداتها في سيناء، فلا أحد يضغط على أحد، لا نحن نستطيع أن نضغط على إسرائيل أكثر من اللازم، ولا تستطيع إسرائيل أن تضغط على مصر أكثر من اللازم، ولكن نتحدث معا، ونناقش مسألة أن القوات الموجودة بأعدادها وإمكاناتها لا تستطيع أن تضبط المسألة بنسبة 100 في المائة، إذن فنحن بحاجة إلى تعديل الملاحق الخاصة بمعاهدة السلام. وهذا حدث من قبل عندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وتم الاتفاق حينها على زيادة عدد أفراد الشرطة على الحدود.. ومن الممكن أن يتحقق هذه الأمر ثانية.

* في رأيك، ما هي أسباب الهاجس الأمني «الزائد» لدى الإسرائيليين؟

- لأن منهم المهاجر من دولة أخرى، ومنهم من خاض حروبا، ومنهم من رأى أهوالا في صغره، وهي أمور تشعرهم بعدم الأمان.. إضافة إلى شعورهم بأن العرب لا يقبلونهم ويريدون إلقاءهم في البحر، وأن معاهدة السلام «وقتية»، وستعود الحروب مرة أخرى. كما أن لديهم مشكلة تاريخية لأنهم مكروهون، ولديهم تهديد دائم بأن هناك من يريد أن يمحو إسرائيل، وعزز من هذا ما سبق وذكره أحمدي نجاد. هؤلاء الناس إن لم يجدوا عدوا فسيختلقونه.. ولكن الآن هم ليسوا بحاجه لاختلاق عدو لأن أعداءهم بالفعل موجودون، وهم في نهاية الأمر بشر. ولكن ليس معنى ذلك أن نقيم صداقات معهم، ولكن فقط أن ندرك حقيقة أننا نتعامل مع بشر بكل تعقيداتهم التي ذكرتها.

* وفي ضوء معرفتك بالنمط الإسرائيلي في التفكير، هل يمكن أن تدفع «فوبيا الأمن» إسرائيل إلى الدخول في عمل عسكري مع مصر؟

- لا أظن أن إسرائيل لها مصلحة في هجوم عسكري على مصر، وهي أعقل من الإقدام على هذه الخطوة لأنها ليست في صالح أمنها القومي. وإذا ما حدث ذلك، فإن الجيش المصري موجود، وهي تعلم ذلك. ونفس المنطق موجود لدى القيادات المصرية، فالكل على دراية بمتاعب الحروب ومصاعب طريق المفاوضات للوصول إلى السلام.

* ولكن البعض يرى أن السلام والطريقة التي طبق بها انتقصت من سيادة مصر؟

- وهل لأحد سيادة على سيناء غير مصر؟ وهل من علم مرفوع في سيناء إلا العلم المصري؟ ومن الذي يسمح بالدخول والخروج من وإلى سيناء غير السلطات المصرية؟

* ومن الذي انتهك هذه السيادة؟

- فقط إسرائيل.. وهي لم تفعل ذلك من باب «التسلية»، وهناك تحقيق جار في الموضوع، ولا يمكن أن تتخذ سياسة عامة على حالة استثنائية. وأي بلدين متجاورين قد تحدث بينما مشاكل، فالجوار قد يخلق مشاكل، لكننا لسنا في حالة حرب مع إسرائيل. هناك حادث وقع وراح ضحيته مصريون، وهناك إطلاق نار حدث من الجانب الإسرائيلي، إذن فعلينا اتباع النظام لتحديد المسؤولية ومعرفة من يتحمل الثمن، وما هي الإجراءات الجديدة التي يجب أن تتخذ لعدم تكرار هذا الفعل مستقبلا.

* لماذا نلاحظ قدرا كبيرا من الانفتاح على الإسرائيليين في حديث غالبية الدبلوماسيين المصريين الذين عملوا في سفارة مصر لدى إسرائيل؟

- هناك حكمة تقول «أنت تكره ما لا تعرف»، والذين لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا في مصر كثيرون. ولو قلت لهؤلاء إن هناك مفكرا أو عالما إسرائيليا سيتهمونك بالعمالة مباشرة، في حين أن حقائق الحياة تقتضي أن تعرف عدوك جيدا – إذا كنا ننظر لإسرائيل باعتبارها عدوا – من حيث تسليحه وظروف تعليمه وحجم تجارته في العالم وتخطيطه الاستراتيجي لمستقبله، وكل ذلك متاح في إسرائيل، وحينما تكون في إسرائيل، ورغم رفضك لسياساتها واعتراضك على أخطائها، فإنك تتعامل في النهاية مع بشر، لا هم ملائكة ولا هم شياطين.. وفيهم عُقد وطموحات ومخاوف البشر.

* بعد أكثر من ثلاثة عقود من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، في رأيك هل حققت المأمول منها أم لا؟

- عملية السلام بعد الحروب وما عانيناه، قد يرى البعض فيها أننا كمن «رقص على السلم»، لكنني أراها نجحت في إقرار توازنات الشرق الأوسط. والمعاهدة نتجت عن عملية الحرب والسلام، لأنها وحدة واحدة، بدأت بمحاولة سلام فاشلة، ثم حرب كبرى حركت الموقف، ثم معركة تفاوضية، ثم التطعيم بعملية السلام.. وهي وحدة متكاملة أزالت عن كاهل الأمة المصرية غبار هزيمة 1967. هل كان الموقف سيكون أفضل لو ظلت قناة السويس مغلقة ومدنها مدمرة وسيناء مستعمرة وجنود إسرائيل يرفعون علمهم على الضفة الشرقية؟ وهل كانت هذه ستصبح الكرامة؟ لا يمكن أن نقبل ذلك كمصريين، خاصة الجيل الذي عاش يونيو (حزيران) 1967 و«انكسرت نفسه» برؤية الهزيمة. وكلما استعيد التاريخ في الفترة ما بين أزمة 1967 ونصر 1973 أطمئن على قدرة هذا البلد في اجتياز أي محنة.

* في تقديرك ما هو وضع معاهدة السلام في الأجندة المصرية الراهنة؟

- الأجندة المصرية مفتوحة بداية من المستقبل السياسي وانتخابات البرلمان وأزمات الأجور ودور الدين في المجتمع وما إلى ذلك.. وبناء عليه تأتي معاهدة السلام والعلاقات مع إسرائيل، مثل العلاقة مع إثيوبيا والعلاقة مع أميركا، ومثل أي شيء ذي أهمية للشعب المصري في خضم هذه الأجندة المفتوحة. ولكن لو تحدثنا عن معاهدة السلام فقط والعلاقات مع إسرائيل، فسيبدو وكأن كل أوضاع مصر طبيعية في كل مناحي الحياة، وليس أمامنا سوى مشكلة واحدة هي معاهدة السلام مع إسرائيل، مع أن الجانب الإسرائيلي في حقيقة الأمر يثير هذه التساؤلات أكثر ألف مرة من الجانب المصري.

* ما رأيك في استغلال «كامب ديفيد» كستار أو سند فساد تمثل في تصدير الغاز بأقل من سعره لإسرائيل؟

- كان في الذهن المصري وقتها ما يسمى بعملية الاعتماد المتبادل.. أي أنه عندما يكون جزء من مصدر الغاز في إسرائيل قادما من مصر، فإن ذلك يجعلها تفكر جيدا قبل أن تسيء السلوك مع مصر، لأن 30 أو 40 في المائة من الطاقة التي تعتمد عليها قادم من مصر. لذا فالاعتماد المتبادل يعطي انطباعا للأميركان والأوروبيين بأننا لسنا على شفا حرب، لكننا نبني السلام بالتدريج، ويعطي رسالة لإسرائيل بأن «محبس الطاقة» في يد مصر، وهو ما تم استخدامه بالفعل - وإن لم يكن بإرادة الحكومة المصرية - عندما ضربت أنابيب الغاز في سيناء وتعطل تصدير الغاز للأردن وإسرائيل أكثر من مرة.

* هل تعتقد أن ما يحدث الآن بين أنقرة وتل أبيب «زوبعة في فنجان» العلاقات العميقة؟

- لا.. ما يحدث أكبر من أن يكون زوبعة في فنجان. ولو كانت تركيا في مفاوضات جادة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي هل كانت سترسل بمركب إلى غزة وتصعد خلافاتها مع إسرائيل؟ الاتحاد الأوروبي شبه أغلق أبوابه في وجه تركيا، لأنه ليس على استعداد لضم 70 مليون مسلم، وتركيا لديها مشاكل.. ثلث أرضها وثلث سكانها مع الأكراد، ومشاكل تاريخية مع الأرمن، ومشاكل في ملفات حقوق الإنسان لا تتفق مع المستوى الأوروبي. والحلم الأوروبي ظل حلم تركيا لسنين طويلة منذ أن خلع أتاتورك «الطربوش» ولبس «البرنيطة»، وحتى عهد أردوغان.. ومع أفول الحلم الأوروبي فكروا جغرافيا في منطقة يكون لهم فيها مكان ومكانة.. ولو كانت المفاوضات الأوروبية التركية في مرحلة متقدمة من أجل الاندماج، فهل كان الموقف بين تركيا وإسرائيل سيتحول إلى ذلك الشكل؟ أترك لكم التقييم.