مراقبة حقوق الإنسان.. المهنة الخطرة في الشيشان

حقوقيون دوليون يتحدون مخاطر القتل والخطف وترك الساحة لسلطة الأمر الواقع

شيشانية تضع وردا امام صورة لناتاليا استيمينوروفا في الذكرى الثانية لإختطافها في 15 يوليو الماضي (أ.ب.أ)
TT

إنهم لا يخرجون أبدا بمفردهم، وعندما يكونون في شقتهم الصغيرة هنا في العاصمة الشيشانية، تعرض شاشة مسطحة على الحائط تغذية متواصلة لكاميرات أمنية موجودة في الردهة والسلم بالخارج. وعندما دلف الرجال الثلاثة في سيارتهم الصغيرة، كان بإمكانهم تنشيط كاميرا فيديو وجهاز تسجيل صوت في حال حدوث مشكلات، ويقومون بالضغط على زر أحمر صغير في لوحة عدادات السيارة لنقل الصوت مباشرة إلى مكتبهم الرئيسي، الذي يبعد مسافة 900 ميل.

وقال فلاديسلاف صاديقوف (46 عاما)، وهو محام يترأس المجموعة: «إنها قاعدة خاصة بالمكتب.. فنحن نسافر دائما معا، فإذا ما كنت وحيدا، فسيكون من السهل اختطافك وتعذيبك، والتقاط الصور هدفه الحماية، وفي حال تعرضنا للقتل سيتم تسجيل كل شيء».

يشكل الرجال الثلاثة واحدة من دوريات «ذا جوينت موبيل غروب» أو «الفريق المشترك المتحرك»، الذي يشتمل على محققين زائرين متخصصين في قضايا حقوق الإنسان، يهتمون بقضايا الاختطاف والتعذيب في هذه الجمهورية الروسية، التي تعد شديدة الخطورة بالنسبة لمراقبي حقوق الإنسان الموجودين بها.

وقال ديمتري لابتيف (24 عاما)، وهو محام يعمل في غروزني لمدة 45 يوما في التناوب الثالث له: «جميع الحقوقيين المحليين هنا في خطر، فمن الممكن أن تتعرض منازلهم للحرق وأطفالهم للاختطاف».

وعلى الرغم من انتهاء الحرب الانفصالية في الشيشان تقريبا، فإن عمليات الاختطاف والقتل لا تزال مستمرة تستهدف الشخصيات التي تدعم الثوار، أو تناهض حكومة القائد الشيشاني رمضان قادروف، حسبما ذكرت جماعات حقوقية. وقال لابتيف: «عندما تتحدث إلى أشخاص عاديين، تصاب بالصدمة بسبب مدى الخوف» الذي تجده عندهم.

وقالت المجموعة الحقوقية «ميموريال»، إن الصعوبات التي يواجهها مراقبوها في القيام بعملهم، ترجع بصورة جزئية إلى أن الضحايا وأقاربهم أصبحوا أكثر خوفا عن ذي قبل تجاه الإبلاغ عن الانتهاكات. وقال صاديقوف، الذي يوجد هنا في جولته الرابعة: «يقع الاختطاف علانية دون خوف.. إنهم يوضحون أنهم مع تطبيق القانون والقانون يتركهم جانبا». وأضاف: «إنه عمل بسيط، فلا يوجد تحقيق ولا وثائق ولا خطوات قانونية.. كل ما عليك فعله هو أن تحتجز شخصا وتأخذه بعيدا».

وتقوم مجموعة «ذا جوينت موبيل غروب»، التي يقع مكتبها الرئيسي في نيزهني نوفغورود، بتوظيف محامين ومحققين من منظمات حقوقية في جميع أنحاء المدينة، للعمل في فرق تتكون من ثلاثة أفراد في الشيشان لمدة شهر أو أكثر. وقد حازت المجموعة في مايو (أيار) الماضي، جائزة «فرونت لين» السنوية للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون أخطارا، في العاصمة الآيرلندية دبلن، من قبل «مؤسسة ماري روبنسن - كلايميت جاستيس»، وذلك لقيامها بالكشف عن الانتهاكات الحقوقية. وقال صاديقوف: «إننا نعمل مثل المحققين، حيث ننظر إلى الصور ونتحدث مع الشهود.. ونقوم بكل هذا على أكمل وجه، على الرغم من عدم وجود دعم رسمي.. إننا نحصل على الأدلة ثم نطلب من الجهات الرسمية القيام بتحقيقها الخاص». وأضاف أنه في بعض الأوقات يأتي عمل الفريق بثمار، ويتم توجيه التهم لمسؤولين عن تطبيق القانون.

وقد تأسست «ذا جوينت موبيل غروب» عام 2009 بعد اختطاف وقتل ناتاليا استيميروفا، وهي باحثة محلية في وكالة «ميموريال»، وكانت واحدة من أشهر وأكثر النشطاء مثابرة في الشيشان. وقد ترك اثنان من زملاء استيميروفا في وكالة «ميموريال» العمل، كما انتقلت واحدة منهما كانت قد عملت بالقرب من ناتاليا إلى النرويج.

ويرى صاديقوف أنه منذ مقتل استيميروفا، نأى الحقوقيون بأنفسهم عن مواجهة السلطات بصورة مباشرة بتقارير عن الانتهاكات، كما قامت «ميموريال» بسحب مراقبيها من الشيشان لعدة أسابيع أو عدة أشهر.

وبصورة ما تقوم «ذا جوينت موبيل غروب» بعمل استيميروفا، وقال صاديقوف: «كانوا يرون أنها تسبب لهم المشكلات، وأن من دونها سيكون هناك عدد أقل من المشكلات، لكن من أكون أنا؟ إننا نتبادل الدوريات. إنهم يعلمون أن هناك أناسا خلفنا، وأنهم إذا ما قتلوني فسوف يأتي شخص آخر».

ومن بين القضايا الست التي تتابعها المجموعة، القضية التي كانت تتابعها استيميروفا والخاصة باختفاء متمرد سابق يدعى أبتي زاينالوف، الذي كان يبلغ 23 عاما عند اختفائه، والذي قام بتسليم نفسه وقضى عاما في السجن. وبعد إطلاق سراحه، اختفى عام 2009، ثم ظهر مرة أخرى لفترة قصيرة تحت حراسة مسلحة في أحد المستشفيات، ثم اختفى مرة أخرى.

وخلال الأيام التي سبقت مقتلها، كانت استيميروفا تطالب بمعلومات عنه من المستشفى ومن الشرطة، ثم واصلت «ذا جوينت موبيل غروب» الضغط، لكن إيما ماكايفا، والدة زاينالوف، ذكرت أنها ضجرت من السعي، وأنها مستعدة لأن تلغي القضية القانونية إذا ما قامت السلطات بتسليمها ابنها. وقالت: «الشيء الوحيد المتبقي هو الذهاب إلى قادروف». فهناك اعتقاد في الشيشان بأن قادروف يملك نفوذا قويا على الحكومة وقوات الأمن.

وقال صاديقوف إن هذا الأسلوب قد ينجح، وسيريح هذا السلطات من ضغط المحققين المتواصل، ومن احتمال إلقاء القبض على شخص ما واتهامه، إلا أن صاديقوف ذكر أن هذا يتعارض مع هدف الحقوقيين لتعزيز سيادة القانون، وسيظهر بدلا من ذلك أن المسلحين هم الذين يملكون سلطة الاحتجاز وإطلاق السراح. وقال لابتيف: «إن النظام مثل مستنقع.. ما إن تلقي فيه حجرا تظهر بعض التموجات التي تهدأ بعد ذلك، ثم يغوص الحجر في القاع».

وكان صاديقوف قد قام بدراسة النظام عن قرب، العام الماضي، عندما كان واحدا من فريق يتكون من ثلاثة أشخاص احتجزوا ليلا في قسم للشرطة، أثناء قيامهم بالتحقيق في بلاغ عن انتهاك لحقوق الإنسان. وقد تم إطلاق سراح المجموعة دون إلحاق أي أذى بهم، ثم قاموا برفع دعوى قضائية لاعتقالهم غير القانوني.

وقال خلال حديث أجري معه آخر الليل، إن الشرطة كانت تدافع عن أساليبها بقولها إن البيئة القاسية تتطلب أساليب قاسية. وذكر أن أحد الضباط قال له: «إنك مضطر إلى اللجوء إلى التعذيب، فكيف تواجه الإرهاب إذا لم تقم بالتعذيب؟».

ولكن صاديقوف لاحظ أيضا أن عمل مراقبي حقوق الإنسان بدا كأنه ترك أثرا. وقال إنه في الوقت الذي أطلق فيه سراح الرجال الثلاثة، طلب منه أحد الضباط أن يوقع على بيان يؤكد أنهم لم يسيئوا معاملتهم، وقال الضابط: «وإلا ستقولون إننا قمنا بتعذيبكم».

*خدمة «نيويورك تايمز»