ماليزيا هي الأخرى تخشى رياح التغيير وتتبنى الإصلاحات

رئيس وزرائها يعد للإعلان عن انتخابات والتخلي عن قانون الاحتجاز دون محاكمة

شرطة مكافحة الشغب تتصدى لمظاهرات تدعو لإصلاحات انتخابية في العاصمة كوالالمبور في يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

يعد تعهد رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق بالانتقال من الماضي الاستبدادي لماليزيا اعترافا بتنامي الضغط العام من أجل ديمقراطية حقيقية يعتقد الكثيرون أنها لا بد ستأتي. ويهيمن «تنظيم اتحاد المالايو الوطني» على ماليزيا منذ 5 عقود، وقد تمكن من توفير نمو قوي واستقرار سياسي للبلاد غير أنه أبقى قبضته مشددة على الأعراق والأديان المتقلبة، إلا أن الحكومة الماليزية تتعرض مؤخرا لضغوط غير مسبوقة بسبب نفاد الصبر من هيمنة تنظيم المالايو ومن الفساد.

والأسبوع الماضي صرح عبد الرزاق الذي يتوقع أن يعلن عن انتخابات في غضون شهور، أنه سيتخلى عن قانون مخيف يسمح بالاحتجاز دون محاكمة وعن إجراءات أخرى تنظر إليها باعتبارها وسائل قمع يمارسها تنظيم المالايو، من أجل ديمقراطية «حديثة وناضجة».

ويقول كريم رسلان أحد المعلقين الماليزيين على قضايا اجتماعية وسياسية إنه لا بديل عن مزيد من الانفتاح، غير أن السبيل إلى ذلك سيكون شاقا وسيواجه مقاومة الحرس القديم العنيد. ويقول رسلان: «لم نعد ديمقراطية الزعيم القوي ولكننا ما زلنا نتحسس طريقنا ولا نعرف لأي مدى وبأي وتيرة سنتمكن من الانفتاح».

وتبدو علامات التغيير في كل مكان، فالمعارضة التي كانت يوما لا يحسب لها حساب، اكتسبت قوة وتمكنت من إحراز تقدم على أصعدة لم تعهدها من قبل خلال الانتخابات الوطنية في 2008، وباتت تطمح الآن للوصول للسلطة. وتعم الإنترنت مواقع الأخبار التي يقصدها الكثيرون والتي تنتقد الحكومة انتقادا شديدا، وذلك في ظل سيطرة المالايو على وسائل الإعلام المطبوعة فضلا عن الإذاعة والتلفزيون، وقد تمكنت حملات على «فيس بوك» و«تويتر» من إحراز بعض النجاح في عرقلة تحركات حكومية.

وجاء تحرك نجيب الجريء بشكل غير معتاد بهدف إنقاذ آمال إعادة انتخاب حزب المالايو، التي تضررت بسبب تباطؤ وتيرة التغيير السياسي والسخط الشديد إزاء سحق مسيرة شهدتها العاصمة كوالالمبور في يوليو (تموز) الماضي للدعوة لإصلاحات انتخابية.

غير أن رئيس الوزراء لم يدل بالكثير من التفاصيل، وسيقاوم المحافظون من المالايو بضراوة إجراء إصلاحات كبيرة، فهم يحظون بنفوذ كبير في الحكم إذ تدار الحكومة من قبل ائتلاف يتزعمه تنظيم اتحاد المالايو منذ الاستقلال عام 1957، حسبما رأت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول الموضوع أمس. وتقول بريدجيت ويلش المحللة بجامعة الإدارة بسنغافورة «يمكن أن تغير كافة القوانين التي تريدها ولكن إن لم تغير المؤسسات التي تنفذها، من قبيل الشرطة والهيكل الحكومي، فأي تغيير سيطرأ؟». فالنظام القضائي والشرطة في ماليزيا يعتبران تابعين لتنظيم المالايو وفقد التنظيم سيطرته على القضاء والشرطة يهدد بتولي هيئات محايدة التحقيق فيما يزعم من انتهاكات يرتكبها التنظيم.

كما ترفض الأجهزة الأمنية القوية تخفيف قبضتها التي تعتبرها ضرورية لضمان الوئام بين أغلبية من المالايو المسلمين، التي رجح تعداد للسكان عام 2000 أن نسبتهم 60.4 في المائة، وأقليات صينية وهندية حيث جرت أعمال عنف عرقية في الماضي. وسيقاوم بشدة أي تهديد للامتيازات التي تم تكريسها قانونيا لصالح من يوصفون في ماليزيا بـ«البوميبوترا» أو «أبناء الأرض». وحتى المالايو أنفسهم باتوا يشتكون من أن النظام يتعرض للانتهاك من جانب نخبة فاسدة تسعى للتربح وزيادة سلطاتها.

وتقول ويلش «أصحاب السلطة يحتاجون تلك الامتيازات حتى يستمر بقاؤهم، ومن في القمة يتمتع بتلك الوظائف السهلة التي تدر الكثير من المال. إنه نظام يأكل فيه الكبير الصغير ويغذيه الفساد المتوطن». وسيحتاج عبد الرزاق لاستمالة المتشددين الأقوياء في حزبه، وهي المهمة الصعبة نظرا لأن سابقه عبد الله بدوي واجه رد فعل قويا من جانب تنظيم المالايو حينما طرح إصلاحات لمكافحة الفساد.

غير أن المعارضة تطالب بالمزيد من المبادرات، ودون تغيير كبير قد يعاقب الناخبون عبد الرزاق وتنظيم الملايو خلال الانتخابات، حسبما يقول إبراهيم سفيان مدير مركز ميردكا الرئيسي للاستطلاعات في ماليزيا. ويضيف سفيان: «لقد فتح القمقم وبات المارد بصدد الخروج منه. إذا أراد غلق القمقم أو التلكؤ فسيكون هناك رد فعل».

وقلة يعتقدون أنه بالإمكان وقف رياح التغيير التي هبت على أنظمة في العالم العربي. ويقول كريم: «عندما يحدث ذلك ستطلق (إصلاحات عبد الرزاق) سلسلة من التغييرات الأخرى، في تفاعل متسلسل سيجعل في نهاية الأمر ماليزيا مجتمعا أكثر انفتاحا وحراكا». ويضيف: «نعم ستكون ماليزيا أصعب في إدارتها، ولكن هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه».