إحسان أوغلي يناشد واشنطن فهم مطالب الفلسطينيين للحصول على دولتهم

أمين عام «منظمة التعاون الإسلامي» لـ «الشرق الأوسط» : الطريق إلى الديمقراطية ليس مفروشا بالورود.. بل مليء بالمعاناة والصراعات

TT

أعرب أكمل الدين إحسان أوغلي أمين عام «منظمة التعاون الإسلامي» عن شعوره بالفخر والشرف لارتباطه بلحظة تقدم الفلسطينيين بطلب العضوية في الأمم المتحدة، ودعا كل مسلم وكل إنسان صادق إلى أن يدعم القضية الفلسطينية. وقال: «نحن في (منظمة التعاون الإسلامي) نبذل كل جهودنا لذلك، وندعو الأعضاء لمنح دعمهم الكلي». كما بين أوغلي أن قيام الدولة الفلسطينية سيساعد المفاوضات لأنه «ستكون هناك دولة مسؤولة، والمفاوضات ستكون بين دولتين لديهما السيادة على بلديهما». وأكد أوغلي في حواره مع «الشرق الأوسط» أن العالم الإسلامي يرجو من الولايات المتحدة أن «تفهم أكثر المطالب القانونية للشعب الفلسطيني». وعن اغتيال الرئيس السابق رباني قال إنه «كان محزنا جدا، وأنا بشكل خاص صُدمت لأنني كنت أعرفه جيدا. كان رجلا صادقا ورائعا وقائدا جيدا وعالما بارعا، وكان يتمتع بحب واحترام الجميع داخل بلاده وخارجها». وأكد أن قتل الإرهابيين ليس حلا لأنه «لن ينهي المشكلة، بل سيساعدهم على خلق إرهابيين جدد». وقد تحدث إحسان أوغلي في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» عن أولويات عمل «منظمة التعاون الإسلامي» ومشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، التي اهتمت بشكل خاص بالقضية الفلسطينية. وفور تقديم الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلبه لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون لانضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة وإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة يوم الجمعة الماضي، التقى عباس بإحسان أوغلي واجتمع بوزراء خارجية المنظمة.

وفي ما يلي نص الحوار:

* شهدنا يوما تاريخيا مع تقديم الرئيس عباس طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة، بماذا شعرت وأنت تشهد هذا الحدث التاريخي؟ وماذا ستفعل «منظمة التعاون الإسلامي» لدعم هذا الطلب؟

- كانت لحظة تاريخية، وأنا حقا شعرت بالفخر والشرف بأنني يمكن أن أكون مرتبطا بهذه اللحظة وأن أحضرها وأن أكون من بين الذين شاركوا، بتواضع وبشكل محدود، في إنجاح ذلك. وأرى أنه واجب على كل مسلم وكل إنسان صادق أن يدعم القضية الفلسطينية. وقد تأخر تحقيق دولة فلسطين لأكثر من 60 عاما، وفي 1947 أعطت الأمم المتحدة الحق لولادة بلدين، لكنّ الإسرائيليين انتهزوا الفرصة لإقامة دولتهم والعالم ساعدهم على ذلك، ولم يساعد الفلسطينيين على إنشاء دولتهم. ولكن وبعد 6 عقود من المعاناة حان الوقت للعمل على إقامة الدولة وأن تكون فلسطين عضوا دائما للأمم المتحدة والمجتمع المدني، وعلينا أن نساعد في هذا. ونحن في «منظمة التعاون الإسلامي» نبذل كل جهودنا لذلك، وندعو الأعضاء لمنح دعمهم الكلي. ولدينا عضوان في «منظمة التعاون الإسلامي» في مجلس الأمن (لبنان والبوسنة والهرسك)، ونحن نعمل جاهدين معهما لنحصل على تأييدهما. كما نؤيد هذه القضية من خلال قنوات أخرى، وهي جزء من دبلوماسيتنا الهادئة التي نواصل العمل بها.

* هل حصلتم على أي وعود منهما؟

- نعم، حصلنا على وعود، ونحن نعمل على إقناع باقي الدول.

* هناك سعي لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هل يمكن أن يعرقل ذلك جهود الفلسطينيين للاعتراف بدولتهم؟

- شخصيا لا أرى أن قيام الدولة يعيق المفاوضات، بل قيام الدولة الفلسطينية سيساعد المفاوضات لأنه ستكون هناك دولة مسؤولة، والمفاوضات ستكون بين دولتين لديهما السيادة على بلديهما.

* كان الموقف الأميركي واضحا في رفضه لهذا التحرك الفلسطيني، هل تخشى من أن يؤجج هذا توتر العلاقات بين الشعوب الإسلامية والولايات المتحدة؟

- العالم الإسلامي يرجو من الولايات المتحدة أن تفهم أكثر المطالب القانونية للشعب الفلسطيني، ونحن نريد حقا أن نرى الولايات المتحدة كوسيط صادق، ولا نرى ولا نفهم تبريرا لرفض قيام الدولة الفلسطينية. وكما قلت، إقامة الدولة الفلسطينية يعني مساعدة المفاوضات وجعلها أكثر جدية لأنه ستكون هناك دولة قادرة على السيطرة على كل أطراف المجتمع.

* ما أهم ما تم إنجازه في اجتماعات الجمعية العامة التي تشتركون فيها، العام الحالي؟

- تناولنا الوضع الفلسطيني، وبالطبع هو الأمر الأبرز، والوضع في الصومال، ونحن نقوم بالكثير في الصومال على الصعيدين الإنساني والسياسي، وكنا أول من أقام بعثة إلى الصومال في مارس (آذار) الماضي، وعلينا أن نساعد في استقرار النظام هناك. وهناك أيضا الوضع في أفغانستان، واغتيال الرئيس السابق رباني كان محزنا جدا، وأنا بشكل خاص صُدمت لأنني كنت أعرفه جيدا. كان رجلا صادقا ورائعا وقائدا جيدا وعالما بارعا، وكان يتمتع بحب واحترام الجميع داخل بلاده وخارجها. وطريقة قتله الجبانة ضد كل القيم الإنسانية، فهذه قيم شيطانية.

* تسبب مقتل الرئيس رباني الذي يعتبر ضربة لأفغانستان في تراجع جهود المصالحة مع حركة طالبان، فما الحل؟

- إنني قلت دائما إن التعامل مع الإرهابيين ليس من خلال قتلهم. يمكن قتل إرهابي أو عشرة أو مائة، ولكن ذلك لن ينهي المشكلة، بل سيساعدهم على خلق إرهابيين جدد. يجب أن تكون السياسة متعددة الأوجه وعلى المدى البعيد، مثل بناء البنى التحتية وتوسيع التعليم وتوسيع الفهم الصحيح للإسلام وخلق المؤسسات الديمقراطية ليشارك الناس بالعملية السياسية بدلا من الاختفاء عن الساحة العلنية والقتال. أفغانستان تشبه الوعاء التاريخي في متحف قديم، وجاء الغزو السوفياتي وكسرها إلى قطع عدة، ثم جاء المجاهدون وتقاتلوا على كسرها إلى قطع أكثر، والآن باتت مكسورة إلى المئات من القطع، وإعادة تلك القطع باتت أمرا صعبا جدا ومعقدا جدا. ولا يوجد حل سريع، وهذه الحيرة التي تواجه العالم.

* ولكن ما الدور الذي تقومون به لمساعدة أفغانستان؟

- لقد أحدثنا بعثة هناك وعينّا سفيرا يعمل مع جميع الأطراف. ونحن نستضيف مجموعة الاتصال، والرئيس رباني الراحل حضر الاجتماع الذي استضفناه بعد عدم تمكنه من المشاركة في اجتماعات مجموعة التواصل التي عقدت في أماكن أخرى.

* لو كانت الدول الإسلامية تقود هذه العملية، بدلا من الولايات المتحدة والناتو، هل يتغير الوضع في أفغانستان؟

- إلى درجة ما، نعم. التواصل والترابط الثقافي مهم جدا في أفغانستان أكثر من أي مكان آخر، ونأمل أن نقوم بكل ما في وسعنا لمساعدة الشعب الأفغاني.

* كيف تقيم العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية، خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وقضايا مكافحة الإرهاب التي غالبا ما يتم ربطها بالمسلمين؟

- لقد تحسنت العلاقات كثيرا، وكانت نقطة التحول مع صدور القرار الذي توصلنا إليه في مارس الماضي في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والمبني على 8 نقاط تقدمت بها حول الحوار بين الأديان والتسامح وحرية العبادة ومنع العنصرية. وكذلك القرار 16 كان مهما جدا في تحديد العلاقات. وفي 15 يوليو (تموز) قمت بترؤس اجتماع في إسطنبول مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حول هذه القضية أيضا. والكثير من الوزراء الأوروبيين والغربيين ووزراء من دول «منظمة التعاون الإسلامي» شاركوا في الاجتماع، وقد تم التقدم في عدة مجالات على هذا الصعيد. ومنذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تعيين أول مبعوث له لـ«منظمة التعاون الإسلامي»، وعملنا معا لعدة سنوات، بتنا في وضع أفضل بكثير.

* ولكن ما زالت عدة مشكلات قائمة، وخصوصا مع إثارة بعض جرائم الكراهية في المجتمعات من الطرفين، فكيف تترجم الاتفاقات الرسمية على أرض الواقع؟

- على الرغم من كل ما قلته فهذا لا يعني أن الوضع ممتاز أو أننا لا نواجه مشكلات، على العكس هذا اعتراف بوجود المشكلات وكيف يمكن التعامل معها. وقررنا في إسطنبول القيام بورش عمل وتحديد خريطة عمل لإثارة هذه القضايا التي تتحدثين عنها. ويمكن أن ننظر إلى قصتين حزينتين، مثل قصة القس غير المعروف من الولايات المتحدة الذي هدد بحرق نسخ من القرآن الكريم وجعل العالم كله في حالة إنذار بسبب فكرة خاطئة لرجل واحد، والرجل الآخر في النرويج، الذي قتل نحو 77 ضحية من شعبه بسبب تسامحهم مع المهاجرين وغالبيتهم من المسلمين. فهذه مشكلات علينا أن نعالجها.

* هل لديكم الآليات لمواجهتها حقا؟

- لدينا بعض الآليات، ولكن نحن بحاجة إلى المزيد من العمل. والأمر الأهم هو توفر العزيمة السياسية التي يجب أن تتفق مع تلك الجهود. وفي السابق كنا نفتقد العزيمة السياسية قبل مارس من هذا العام، والآن بات لدينا العزيمة السياسية، وعلينا ترجمتها إلى الواقع.

* الربيع العربي والتطورات في العالم العربي، كيف تقيم الأوضاع، من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وهل ما يحدث مقلق أم يثير التفاؤل؟

- إنني متفائل وسعيد، هذا الجزء من العالم بات يلتحق بإطار التاريخ للمرة الأولى. هذا الجزء من العالم عندما ولد من قرار سايكس - بيكو، وحددت حدود الدول بناء على رغبة فرنسا وبريطانيا، وفجأة أصبحوا دولا ومستعمرات عاشوا تحت أنظمة دكتاتورية، إما عسكرية وإما بعثية وإما فاشية وإما قومية وإما غيرها. تلك الدول لم تتطور في أوضاع حرة وصحية، بل تحت سيطرة مجموعات مختلفة، وفي النهاية سعت الشعوب للخروج من ذلك.

والتاريخ بدأ ينتج ظروفا جديدة لدول كثيرة في القرن الماضي، مثل التحاق جنوب شرقي البلقان بالعالم الحر بعد سقوط جدار برلين، والتغييرات في أميركا اللاتينية ودول آسيا وأفريقيا، كلها تحركت وأصبحت ديمقراطية ولكن بقيت دول (منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) تعيش خارج إطار التاريخ. وفجأة بسبب شاب اسمه بوعزيزي تحدى مسؤولين محليين في بلدة صغيرة خرجت الطاقات والإمكانيات وبات الشعب يواجه الدولة البوليسية، وأفاق الشعب وانهار النظام وفرّ القائد التونسي زين العابدين بن علي. كانت هذه نقطة تحول في تاريخ العرب، وبعدها قال الشعب المصري: إذا قدرت تونس على ذلك، ألا يمكننا أن ننجح؟ انكسر الحاجز السيكولوجي وبدأت التحركات. ولكن بالطبع هناك اختلافات بين كل دولة، خصوصا مع الفوارق الداخلية. السؤال هو: كيف ستتطور الأحداث؟

* ما توقعاتك؟

- برأيي، النموذج التونسي الذي يتطور سيكون الأفضل في الوقت الحالي، لأنهم يسيرون على الخطى الدستورية مع إدارة مدنية.

* ما دور «منظمة التعاون الإسلامي» في هذه التقلبات، خصوصا مع دول مضطربة مثل اليمن وسوريا وليبيا؟

- بالطبع دورنا يختلف من دولة إلى أخرى، ولكن الشأن المشترك هو تأييدنا للديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ونعطي مساعدتنا لذلك. الطريق إلى الديمقراطية ليس مفروشا بالورود، بل مليء بالمعاناة والصراعات. عند النظر إلى بعض دول أميركا اللاتينية وأفريقيا وغيرها، نجد أن وصولهم إلى الديمقراطية أدى إلى سفك الكثير من الدماء والمعاناة. هناك ثمن يجب دفعه. في بلدي (تركيا) مررنا بالكثير من الانقلابات العسكرية، وضحى الكثير من قادتنا مثل رئيس الوزراء عدنان مدراس الذي شُنق مع عدد من القادة الآخرين بسبب دفاعهم عن الديمقراطية. وحتى رئيس وزرائنا رجب طيب أردوغان سُجن بسبب قراءته شعرا. فالأمر ليس سهلا، ولا يمكن الجلوس ومتابعة التلفزيون والقول إن الديمقراطية جميلة.

* هل المشكلة في الأنظمة السياسية؟

- بالطبع، والتحدي الكبير هو تغييرها.