تركيا تستعد لإعلان عقوبات ضد سوريا خلال أيام تطال الجيش والطاقة والعلاقات المصرفية

حكومة أنقرة أكدت أنها ستؤثر على النظام وليس الشعب

دبابات للجيش السوري تنتشر في انخل بحوران
TT

تستعد تركيا لإعلان مجموعات من العقوبات ضد النظام السوري خلال أيام، بحسب ما ذكرت وكالة «رويترز» أمس. وقال مسؤولون أتراك لـ«رويترز» رفضوا نشر أسمائهم، إن العقوبات ستطال الجيش والعلاقات المصرفية وقطاع الطاقة وغيرها. وتأتي الإجراءات استكمالا لحظر على الأسلحة مفروض بالفعل ويبرز مدى عمق الخلاف بين أنقرة والأسد. وستعلن العقوبات خلال الأيام القليلة المقبلة بعد أن يزور رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مخيمات حدودية تؤوي أكثر من سبعة آلاف سوري فروا من أعمال العنف.

وقال خبير السياسة الخارجية سميح ايديز إن «تركيا تتحول إلى الخط الأميركي والأوروبي تجاه سوريا. انهارت العلاقة مع سوريا وتتجه نحو حالة من الجمود». ودون الكشف عن التفاصيل، قالت الحكومة التركية إن العقوبات سوف تستهدف حكومة الأسد وليس الشعب السوري. وتعتبر تركيا أكبر شريك تجاري لسوريا، وكانت ثمة خطط لفتح تسعة معابر حدودية، وبلغ حجم التجارة الثنائية 2.5 مليار دولار عام 2010، وبلغت استثمارات الشركات التركية في سوريا 260 مليون دولار، حسب البيانات التركية.

وقال ايديز لـ«رويترز»: «ستسير العقوبات التركية على النهج الأوروبي والغربي نفسه، وتستهدف مسؤولين في النظام وحظرا على البنوك والسفر ومثل هذه الأمور». وفي ظل السياسة التركية السابقة الرامية لتفادي أي مشكلات على الإطلاق مع دول الجوار، عززت تركيا علاقات سياسية وتجارية مع سوريا متحدثة عن «مستقبل مشترك» بعد أن كادت تنشب حرب بين البلدين في التسعينات بسبب إيواء سوريا مقاتلين أكرادا. وبدأت العلاقات تتصدع بعدما تجاهل الأسد مرارا دعوات تركيا والمجتمع الدولي لإنهاء قمع الاحتجاجات المناهضة لحكومته، وانحياز تركيا للمشاعر السائدة في الانتفاضات العربية التي هزت المنطقة.

وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على سوريا بشكل متدرج، إلا أن تركيا حتى فترة قريبة كانت تأمل أن تقنع الأسد بالتغيير، مدفوعة إلى حد ما بحماية مصالحها التجارية. وبدا أن النقطة الفاصلة كانت اجتماعا غير مثمر استمر ست ساعات بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والأسد في الشهر الماضي. ومنذ ذلك الحين توقع أردوغان أن يطيح الشعب السوري بالأسد «عاجلا أم آجلا»، بل ووصف صديقه السابق بأنه «كاذب»، وفي حديثه مع الصحافيين في نيويورك الأسبوع الماضي عقب اجتماعه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، صرح أردوغان بأن أنقرة وواشنطن تعملان معا للاتفاق على عقوبات ضد سوريا. كما أسعد قرار تركيا استضافة نظام رادار لحلف شمال الأطلسي واشنطن وحلفاءها، بينما اغضب إيران.

وفي الأسبوع الماضي، قال أردوغان إن بلاده سوف تعترض شحنات الأسلحة إلى سوريا التي تمر عبر تركيا. وتوقعت الصحف التركية أن تغلق البلاد مجالها الجوي أمام سوريا. وفي السابق، أجرت الجارتان مناورات عسكرية مشتركة؛ بل عقدتا اجتماعات وزارية مشتركة في أوج علاقاتهما. وكانت إحدى ثمار هذه الاجتماعات خطط لافتتاح بنوك تركية فروعا في سوريا، ولكن وسائل الإعلام التركية نقلت عن مسؤولين قولهم إن العقوبات ستستهدف على الأرجح النظام المصرفي للدولة مثلما فعلت العقوبات الأميركية وعقوبات الاتحاد الأوروبي. كما علقت خطط تأسيس بنك تركي - سوري إلى جانب خطط تعزيز العلاقات بين البنكين المركزيين في البلدين، حسبما نشرت وسائل الإعلام التركية.

كما يحتمل إلغاء خطط مثل استكمال مشروع غاز طبيعي يربط خط أنابيب عربي بخط أنابيب تركي. وعلى الأرجح ستتخلى شركة البترول الوطنية التركية (تباو) عن خطط للتنقيب المشترك عن النفط والغاز في سوريا وفي دولة ثالثة بالتعاون مع شركة النفط المملوكة للدولة في سوريا. واشترت شركة تكرير النفط التركية «توبراش» 320 ألف طن من الخام الثقيل من الشركة السورية بين مارس (آذار) وسبتمبر (أيلول) حسب مسؤولي الشركة. لكن العقوبات التي تستهدف البنوك السورية تجعل التحويلات في المستقبل صعبة حتى وإن لم تفرض عقوبات على تجارة النفط تحديدا. ورغم أن تركيا لم تقطع العلاقات رسميا، فإن مسؤولين يقولون إنها ربما تتخذ بعض الخطوات لخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في دمشق لتعزل الأسد أكثر.

وقال افق يولتاس، خبير الشرق الأوسط في معهد «سيتا» ومقره أنقرة، إن تركيا ربما توسع العقوبات لتشمل الاستثمارات والشراكة مع رجال أعمال سوريين يدعمون النظام. وساهم إلغاء التأشيرات في تعاون اقتصادي أوثق وازدهار السياحة، وقال محللون إن رجال أعمال سوريين ربما يفتحون حسابات في تركيا للاحتفاظ بالأموال في مكان آمن عبر الحدود. وتابع يولتاس: «يعتقد أن بعض مجموعات الأعمال التي تدعم النظام لها مصالح في تركيا وربما تتخذ إجراءات ضدها». ولتفادي معاناة الشعب السوري، استبعدت تركيا إجراءات مثل وقف بيع الكهرباء لسوريا وخفض كمية المياه التي تسمح بها عبر نهر الفرات. ودفعت الأزمة السورية تركيا وواشنطن للتعاون بشكل أوثق، ولكن انتقاد أردوغان للأسد أغضب إيران.

وتوقع حسين باجي بجامعة الشرق الأوسط التقنية ومقرها أنقرة أن تدفع تركيا ثمن تغيير موقفها تجاه سوريا واستضافة نظام الدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي. وقال: «ما زالت إيران وروسيا والصين تساند سوريا. تخاطر تركيا بمواجهة معارضة من جميع تلك الدول بسبب موقفها من سوريا. عادت العلاقات التركية - السورية إلى نقطة الصفر.. لحقبة عدم الأمان. قد تخسر تركيا».