موالون للأسد يهاجمون فورد في دمشق والحكومة السورية تتهم واشنطن بالتحريض على العنف

الخارجية الأميركية تعتبر استخدام المعارضة للعنف «دفاعا عن النفس»

مؤيدون للأسد يتظاهرون أمام مكاتب الاتحاد الأوروبي في دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

تعرض السفير الأميركي لدى سوريا أمس إلى مهاجمة من قبل موالين للرئيس السوري بشار الأسد، في حادثة جديدة تظهر مدى انزعاج الموالين للحكومة السورية من تحركات السفير الأميركي. وتزامنت هذه الحادثة، التي لم تؤد إلى أية أضرار على السفير أو مرافقيه، مع اتهام وزارة الخارجية السورية الولايات المتحدة بالتحريض على العنف داخل البلاد بسبب تصريحات أشارت إلى أن استخدام المعارضة لوسائل مسلحة يعتبر «دفاعا عن النفس». وتتصاعد وتيرة التوتر بين دمشق وواشنطن في وقت تصعد فيه الولايات المتحدة من جهودها لعزل النظام السوري مع تواصل الاحتجاجات الشعبية في سوريا.

تعرض فورد للمضايقة إذ أحاط به نحو مائة متظاهر يؤيدون الحكومة، عند وصوله إلى مكتب المعارض حسن عبد العظيم وسط دمشق، وبينما رمي بالطماطم والبيض سارع فورد إلى دخول مكتب عبد العظيم حيث بقي محاصرا لأكثر من ساعتين. وروى عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق التي تضم عدة أحزاب معارضة في سوريا لوكالة الصحافة الفرنسية وقائع ما حدث، قائلا إن «قرابة مائة متظاهر» حاولوا مهاجمة مكتبه في دمشق لحظة وصول السفير فورد إليه. وأضاف: «لدى وصول السفير إلى المكتب قرابة الساعة الحادية عشرة صباحا سمعنا ضجة وهتافات معادية داخل المبنى وأمام المكتب»، موضحا: «أغلقت الباب بسرعة لكنهم حاولوا اقتحامه». وتابع أن فورد بقي داخل مكتبه لأكثر من ساعتين «حتى وصلت قوات الأمن وخرج تحت حمايتها».

وأكد نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر وقوع هذه الحادثة، قائلا أمس إن «مجموعة من المتظاهرين حاولوا مهاجمة السفير فورد وعدد من الزملاء في السفارة اليوم بينما كانوا يقومون بالعمل الطبيعي لأية سفارة، في هذه الحالة كانوا يتوجهون لاجتماع مع شخصية سورية سياسية معروفة»، في إشارة إلى عبد العظيم. وأفاد تونر بأن «السفير فورد وأعضاء السفارة عادوا آمنين إلى السفارة الأميركية»، من دون إيذاء فورد. ولكنه أوضح أن «الرعاع كانوا عنيفين وحاولوا ولكن فشلوا في مهاجمة أعضاء السفارة عندما كانوا داخل سيارات السفارة، مما أدى إلى تضرر السيارات». وأضاف: «ضباط الأمن السوريون في النهاية ساعدوا في فتح طريق من موقع اجتماع السفير ليعود مع مساعديه إلى السفارة».

وأوضح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» أن «حماية دبلوماسيينا في أي موقع أمر في غاية الأهمية وأمر نتعامل معه بجدية عالية»، ولكنه أكد أن «السفير فورد سيبقى هناك وهو يقوم بدور مهم جدا وهو عيننا وأذننا في سوريا لنعلم ما يحدث وليوصل الرسائل الأميركية للشعب السوري». وتقوم وزارة الخارجية بمراجعة الإجراءات الأمنية لفورد وباقي أعضاء السفارة في سوريا للتأكد من سلامتهم.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) من جهتها، نقلا عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين، أن السفارة الأميركية أعلمت وزارة الخارجية والمغتربين صباح أمس أن «السفير الأميركي روبرت فورد أثناء قيامه بزيارة إلى مكتب المحامي حسن عبد العظيم تعرض لمظاهرة من عدد من السوريين الذين احتجوا على السفير وتحركاته». وأضافت «سانا» نقلا عن المصدر: «إن وزارة الخارجية والمغتربين وفور علمها بذلك بادرت إلى الاتصال بالجهات المعنية التي قامت باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية السفير وفريقه وتأمين عودتهم إلى مقر عملهم انطلاقا من التزامات سوريا الدولية». وذكرت الوكالة أن «المئات من المواطنين السوريين تجمعوا أمام مكتب المحامي حسن عبد العظيم في شارع النصر بدمشق احتجاجا على زيارة السفير الأميركي له، وردد المشاركون هتافات تندد بالتدخل الأجنبي والغربي بشؤون سوريا الداخلية وعبروا عن رفضهم للسياسة الأميركية».

وأثار سفيرا الولايات المتحدة وفرنسا امتعاض دمشق عند قيامهما بزيارتين منفصلتين في 8 يوليو (تموز) الماضي إلى حماة التي شهدت في مطلع يوليو مظاهرتين كبيرتين ضد النظام السوري. والتقى فورد آنذاك عددا من المتظاهرين. وكانت سفارته أعلنت عندها أن «السفير فورد يريد أن يرى بنفسه ما يحصل ميدانيا». وبعد أن رفض طلبه مرارا بالسماح له بالتجول مجددا في البلاد، أخذ في 23 أغسطس (آب) الماضي مبادرة التوجه دون إعلام السلطات إلى بلدة جاسم حيث قتل 15 متظاهرا قبل ذلك بأربعة أيام. وبعدها بقليل هوجم فورد وهو وسط دمشق، حيث حاول أحد المؤيدين للنظام السوري إلقاء العلم السوري عليه وصرخ آخرون بنداءات مؤيدة للنظام السوري ومعارضة للولايات المتحدة.

وفي 6 سبتمبر (أيلول) الحالي وجه السفير الأميركي انتقادا شديدا للنظام السوري في بيان نشر على موقع «فيس بوك» الإلكتروني ندد فيه خصوصا بتبريرات هذا الأخير للقمع العنيف للمتظاهرين. وكتب فورد على الصفحة الخاصة بسفارته على الموقع أن «عدد قوات الأمن الذين قتلوا أقل بكثير جدا جدا من عدد الضحايا من المدنيين العزل». وأضاف أن «لا أحد في الأسرة الدولية يوافق على ادعاء الحكومة السورية بأن مقتل عناصر من قوات الأمن يبرر عمليات الاغتيال اليومية والضرب والتوقيف دون محاكمة والتعذيب ومضايقة المتظاهرين غير المسلحين».

وفي تطور متصل، وجهت الحكومة السورية اتهاما لواشنطن بتشجيع «المجموعات المسلحة» على ارتكاب أعمال عنف ضد الجيش السوري. وذلك بعد أن كان الناطق تونر قد قال إن استخدام المعارضين السوريين للعنف يعتبر «دفاعا عن النفس»، في تصريح اعتبرته سوريا تحريضا على العنف. وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان إن «التصريحات الأخيرة الصادرة عن المسؤولين الأميركيين (...) تدل وبشكل واضح على أن الولايات المتحدة متورطة في تشجيع الجماعات المسلحة على ممارسة العنف ضد الجيش العربي السوري». وأشارت الوزارة في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية خصوصا إلى ما قاله نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر بتاريخ 26 الشهر الحالي حول «تأييد استخدام الجماعات الإرهابية المسلحة العنف ضد قوات الجيش العربي السوري». وأضاف المصدر أن «وصف نائب الناطق بلسان الخارجية الأميركية هذه الأعمال الإرهابية بأنها أمر طبيعي هو وصف خال من المسؤولية ومن شأنه تشجيع أعمال الإرهاب والفوضى خدمة لأهداف خارجية تتنافى مع مصالح الشعب السوري». وتابع أن «سوريا تدين بشدة هذه التصريحات الأميركية وتؤكد تصميمها على القيام بواجباتها في حماية أمنها واستقرارها والدفاع عن مواطنيها وسلامتهم والتصدي لكل محاولات التدخل في شؤونها الداخلية».

وردا على سؤال في مؤتمره الصحافي اليومي حول ادعاءات باستخدام بعض عناصر المعارضة السورية القوة المسلحة، اعتبر تونر أنه «ليس مفاجئا، بالنظر إلى درجة العنف في الأشهر الأخيرة، أن نبدأ برؤية عسكريين وأفراد في المعارضة (...) يلجأون إلى العنف ضد الجيش لحماية أنفسهم». وأضاف أن «المعارضة أظهرت (حتى الآن) ضبطا استثنائيا للنفس في مواجهة وحشية النظام».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول رد واشنطن على الاتهام السوري، قال مسؤول أميركي في وزارة الخارجية: «من المثير أن المعارضة السورية حتى الآن سلمية على الرغم من كل الإجراءات الحكومية ضدهم»، موضحا: «نحن لا نريد أن يحدث ذلك أو أن يتصاعد العنف ولكن مارك تونر كان يوضح أنه أمر قد يحدث بسبب إجراءات الحكومة». ورفض المسؤول الأميركي الاتهامات السورية بأن بلاده تحرض على العنف، قائلا: «إذا كانوا يريدون التحدث عن التحريض على العنف فالحكومة السورية مسؤولة عن ذلك مع السماح لقوات الأمن باستهداف المعارضين السلميين ويمكن للرئيس (السوري بشار) الأسد أن يوقف العنف بالسماح للسوريين بأن يكون لهم صوت».