المعارضون السوريون يهجرون الـ«فيس بوك» ويتجهون إلى «سكايب» لتضليل المخابرات

هربا من اختراقات النظام لصفحاتهم وعناوينهم الإلكترونية

TT

وداعا لـ«فيس بوك» وأهلا بـ«سكايب»؛ فبعد التركيز الشديد للمخابرات السورية على ما يكتب على «فيس بوك»، وملاحقة الناشطين من خلال المعلومات الموجودة على صفحاتهم، وانتزاع كلمات السر منهم أثناء التحقيق معهم، بات «سكايب» الوسيلة الأفضل للتواصل بين المعارضين والناشطين السوريين، وبينهم وبين الإعلام في كل أنحاء العالم.

ويرفض المعارض السوري حسن طالب (وهو ليس اسمه الحقيقي) الذي لجأ إلى لبنان منذ نحو شهر أي تواصل معه عبر الإيميل أو حتى أن يفتح صفحته على الـ«فيس بوك»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يعرف جيدا بأنه مطلوب في سوريا، ولا بد أنه في خطر على الأراضي اللبنانية أيضا، على الرغم من أنه محاط بمجموعة من الأصدقاء. ويشرح لنا المعارض الناشط في مجال الإعلام الاجتماعي (حاله حال مئات السوريين المعارضين الذين باتت مهمتهم الأساسية تسلم الأخبار والوثائق اليومية وتوزيعها على وسائل الإعلام) أن المخابرات السورية باتت تخترق صفحات الناشطين على «فيس بوك»، مثل بريدهم الإلكتروني، لكن ليس لديها القدرة على اختراق «سكايب»، لذلك فإن كل الأفلام والملفات والصور، والحوارات والاتصالات تتم عبره. ويكمل بالقول: «ما ترونه على (فيس بوك) هو الوجه المعلن والمرحلة الأخيرة التي ينتهي إليها عملنا. لكن الجانب السري الذي يسبق (فيس بوك) يتم كله عبر (سكايب). فالصفحات التي باتت معروفة على (فيس بوك) مثل (شام) و(الهيئة العليا للثورة)، على سبيل المثال، ويأخذ عنها الإعلام، عملها يمر أولا عبر (سكايب)».

ويجلس حسن طالب الهارب من حمص، من التاسعة مساء وحتى طلوع الفجر أمام جهاز كومبيوتر، ومعه عدد من الناشطين لكل منهم جهازه الخاص، في غرفة واحدة، ويقومون بإرسال الوثائق التي تصلهم من مراسليهم في سوريا إلى الصحافيين الذين باتت تربطهم بهم صداقات شبه يومية. وثمة ناشطون ممن يملكون متسعا من الوقت، يبقون أمام أجهزتهم على مدار ما يزيد على 12 ساعة في اليوم.

«حماس الشباب قوي وطاقتهم لا حدود لها، وأملهم كبير في أن يسقطوا النظام» يقول (م.ع) المقبل من بانياس. ويشرح لنا أن الناشطين بدأوا بعد ما يقارب الشهر، من انطلاق الثورة، بتأسيس غرف على «سكايب»، واليوم هناك غرفه للهيئة العامة للتنسيقيات، وأخرى للجان، وهكذا. وهناك غرفة أخبار لكل مدينة، ينضم إليها مراسلو المدينة وأيضا أولئك الذين يتولون توزيع الأخبار». ويضيف (م.ع) أن الناشطين الذين يلعبون دور المراسلين باتوا محترفين بعد أشهر من الممارسة، وفي بعض المدن والمناطق التي تشهد أحداثا دامية يكاد يوجد ناشط (مراسل) في كل حي. هؤلاء يأتون بالأخبار أولا بأول ينقلونها إلى غرفة المدينة التي ينتمون إليها، ليتولى آخرون، مشاركون في نفس الغرفة، يقيمون في داخل سوريا وخارجها، توزيعها».

ولا يأبه الناشطون بأن يصل شريط الفيديو نفسه إلى قناة تلفزيونية ما، عدة مرات، لأن التنسيق بينهم ليس بالضرورة كاملا. وفي هذه الحالة على الوسائل الإعلامية أن تقوم بعملها.

ويقول (م.ع) إنه حين كان في بانياس يوم اجتاحتها قوات الأمن، تمكن هو وأصدقاؤه من نقل ما معدله خبر جديد كل ساعة، «وأجرينا اتصالاتنا بالخارج من بانياس نفسها. لكن المشكلة الأساسية التي كانت تعترضنا هي بطء الإنترنت أو انقطاعه كليا. وفي هذه الحالة، كنا نرسل ما لدينا على (فلوبي) مع أحد الشباب إلى أقرب مدينة لم تقطع خدمة الإنترنت عنها».

وهنا يتدخل ناشط ثالث ليقول: «كل هذا لا يمنعنا من نقل الخبر بسرعة، إنما يؤخر إرسال الفيديو يوما كاملا أحيانا، وللأسف غالبا ما ترفض التلفزيونات إذاعة الخبر قبل وصول الفيديو إليها».

يتحدث الشبان السوريون بعد تردد عن وسائلهم الخاصة للتغلب على انقطاع خدمة الإنترنت، فهناك «الإنترنت الفضائي، الذي بات بعض الناشطين قادرين على التعامل معه، وهناك هواتف (الثريا). صحيح أن هذا النوع من الاتصالات مرتبط بالأقمار الاصطناعية، لكن الحصول على الجهاز المطلوب ورموز التشفير ينهي المشكلة».

نسأل عن صحة ما يقال عن دعم خارجي لوجيستي في مجال الاتصالات يتلقاها الناشطون: «غير صحيح». يجيب أحدهم.. «نعم هناك من يستخدم تلفونات (الثريا)، أو أرقاما دولية، كفرنسية أو إنجليزية أو من أي بلد خارجي، لكننا في هذا نعتمد على أنفسنا وعلى تبرعات الناشطين أنفسهم، وعلى مساعدة المعارضة في الخارج التي تساندنا من هذه الناحية».

ويضيف الناشط: «عندما يكون لي قريب في بلد ما أطلب منه أن يرسل لي خطا هاتفيا ثم أكلفه بتعبئته كلما احتجت لذلك. وهو يفعل ذلك خدمة للثورة». أما دخول الأجهزة من هواتف وكاميرات، أو أي معدات اتصالات أخرى، فلا يمكن أن يتم إلا بالتهريب عبر الحدود». ويستطرد الناشط: «لو كنا بالفعل نتلقى أجهزة اتصالات من الخارج لكنا (خربنا الدنيا). الثورة السورية يتيمة لم تلق دعما حقيقيا بعد. لكننا في المقابل نشعر بالدعم الشعبي والإعلامي لنا».

يصر الناشطون على عدم ذكر أسمائهم، فهم مطلوبون وهاربون، إضافة إلى أن «حيازة كاميرا، هي واحدة من أكبر التهم عند النظام السوري، وكذلك نقل الأخبار إلى الإعلام». وهم يشرحون أن غالبية أفلام الفيديو التي باتت مادة رئيسية لنشرات الأخبار التلفزيونية تلتقط بواسطة هواتف جوالة. لكن عندما نصر على معرفة كيف تلتقط مشاهد قريبة جدا لجنود يضربون ناشطين أو يقدمون على قتلهم دون أن يلقى القبض على المصور، يجيب أحدهم بأن الإجابة عن هذا السؤال تضر بأمن الثوار، «لكن بات بمقدور البعض الحصول على كاميرات صغيرة جدا جدا ولها أشكال مختلفة، يمكن وضعها في أي مكان، لا يمكن لرجال الأمن أن يفطنوا لوجودها». وعندما نستغرب من أن لا يتنبه الأمن السوري إلى مثل هذا الأمر، يجيبون: «إن عقلية النظام تعود إلى سبعينات القرن الماضي، بينما شباب الثورة لهم عقلية مغايرة وتقنيات مختلفة يفتقر إليها النظام». عبر «سكايب»، استعاد الناشطون إحساسهم بالحرية الإلكترونية. حسن طالب على اتصال يومي بتلفزيونات عربية وصحف أميركية وإنجليزية ومنظمات إنسانية، من دون أن يتكلف ثمن المكالمات الخارجية الباهظة، كما أنه في مأمن من المخابرات اللبنانية والسورية معا. وعبر «سكايب» ينشط حوار يومي بين المعارضين المنتمين إلى تيارات مختلفة، وأحيانا متباعدة فكريا.