مقتل العولقي يطرح جدلا قانونيا وأخلاقيا

«كير» ترحب لكنها تشير إلى حقوقه الدستورية

الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يتحدث عن مقتل الإمام المتطرف أنور العولقي (أ.ب)
TT

تعددت ردود فعل قتل أنور العولقي، الأميركي اليمني، أول من أمس بواسطة طائرة «درون» (من دون طيار) تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والفرقة الخاصة التابعة للقوات المسلحة، بين مؤيد وقلق على الحقوق الدستورية لمواطن أميركي قتلته الحكومة الأميركية من دون تقديمه إلى محاكمة.

وأمس، قال مسؤولون أميركيون إن وزارة العدل كتبت مذكرة سرية بقانونية قتل العولقي وهو مواطن أميركي. وقال واحد من هؤلاء المسؤولين: «القانون الذي يعطي المواطنين حقوقهم هو، في هذه الحالة، قانون الحرب».

وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن إدارة الرئيس باراك أوباما استعملت في الماضي عبارات عامة عن استعمال القوة، وإن استعمال القوة لقتل مواطنين أميركيين «ليس استثناء». وإن واحدا من هؤلاء المسؤولين قال: «يمكن أن يكون قانونيا تماما أن تستهدف الحكومة الأميركية قياديين في منظمات إرهابية وهم يعتبرون أعداء للولايات المتحدة. وإن ذلك يمكن بصرف النظر عن جنسياتهم، ما داموا يخططون لقتل مواطنين أميركيين».

وأشار المسؤول إلى أن الكونغرس كان أعطى رئيس الجمهورية، منذ أيام الرئيس السابق جورج بوش الابن، حق استعمال القوة في الحرب ضد منظمة القاعدة وطالبان والمنظمات الإرهابية الأخرى. وأضاف المسؤول: «القانون الدولي يعطينا حق الدفاع عن النفس.

وبينما رحب مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في واشنطن، أكبر منظمات اللوبي الإسلامي في الولايات المتحدة، بقتل العولقي، أشار إلى «قضايا دستورية» لها صلة بالقتل. وقال بيان أصدره المجلس: «كما ذكرنا مرارا وتكرارا في الماضي، تتنصل الجالية المسلمة الأميركية بقوة من أعمال أنور العولقي بالتحريض على العنف، والتي فعلها بعد أن غادر الولايات المتحدة. وبينما ألغى قتل العولقي صوت كراهية، نحن نحث قادة أمتنا الأميركية على معالجة القضايا الدستورية التي أثارها اغتيال مواطنين أميركيين دون مراعاة للأصول القانونية الأميركية».

وأشار بيان «كير» إلى «حساسية الموضوع»، وحث الصحافيين الذين سينقلون البيان على عدم حذف الجزء الخاص بالترحيب بالقتل، والتركيز على الجزء الخاص عن التساؤلات الدستورية. وذلك حتى لا تبدو «كير» والمسلمون في أميركا بأنهم يعارضون قتل العولقي. ولكن خبراء لفتوا إلى أن مقتل العولقي وهو مواطن أميركي من أصل يمني، ومقتل أميركي آخر ينتمي إلى «القاعدة» كان معه، يسلط الضوء على الجوانب القانونية والأخلاقية المرتبطة باستخدام هذا الأسلوب.

ولا شك في أن العولقي كان عدوا لدودا للولايات المتحدة حرض على ضرب المصالح الأميركية وربما كان له ضلع في عملية قتل جماعي واحدة على أقل تقدير ارتكبت على أرض الولايات المتحدة. ولكن مسؤولي إدارة أوباما ينشطون الآن في الرد على أي انتقادات قانونية وأخلاقية باستخراج معلومات استخباراتية مصنفة يقولون إنها تبين أن العولقي لم يكن مجرد محرض يستخدم «يوتيوب» لإيصال رسائله بل كان مخططا ميدانيا لفرع تنظيم القاعدة شديد الخطورة في اليمن.

وتنقل مجلة «تايم» عن خبراء في عمليات الاغتيال محددة الأهداف أن إدارة أوباما لم تحرم العولقي من حقوقه الدستورية لأن إلقاء القبض عليه كان متعذرا، وأن العولقي نفسه اختار ألا يسلم نفسه بعدما قررت الإدارة علنا العام الماضي أنه إرهابي مستهدف.

وبصرف النظر عن هذه الآراء المتضاربة فإن اغتيال مواطن أميركي على يد حكومته يقع في دائرة المنطقة الرمادية لحملة أميركا العالمية ضد من يشتبه بأنهم إرهابيون، وسرعان ما امتدت هذه الحملة أبعد من أفغانستان وباكستان إلى بلدان مثل الصومال وليبيا واليمن.

وأثار هذا سجالا قانونيا داخل إدارة أوباما عن حدود ما تعد من الناحية العملية اغتيالات خارج إطار القانون تستند إلى معلومات استخباراتية لا تكون دائما موثوقة، بحسب مجلة «تايم». وبسبب «حساسية الموضوع»، كررت «كير» أنها، في الماضي، كانت انتقدت العولقي، خاصة عندما دعا المسلمين لمهاجمة الأميركيين والمؤسسات الأميركية. وقالت «كير»: «نحن نرفض دعوة أنور العولقي لشن هجمات على الأمة الأميركية. ونحث أي شخص قد يكون تأثر بآرائه المتطرفة أن يبحث عن علماء إسلاميين، وقادة مجتمعات إسلامية محلية الذين بإمكانهم تقديم وجهة نظر وسطى حول الدور الإيجابي الذي يجب أن يقوم به المسلمون في المجتمع الأميركي بالسعي إلى تعزيز العدالة والرفاهية العامة من خلال المشاركة في المجتمع المدني».

وأمس، قالت جمعية منطقة دالس لجميع المسلمين (أدام)، من ضواحي واشنطن العاصمة، إنها «تؤكد مجددا إدانتها ورفضها لآيديولوجية أنور العولقي الحقيرة، ومحاولاته للتحريض على العنف الإرهابي». وأضافت: «نحن نضم صوتنا إلى صوت رئيس الولايات المتحدة وجميع المواطنين الأميركيين في الاعتراف بأن التطرف العنيف ضار جدا، وأنه يرتكب باسم الدين، وأنه تلقى هزيمة كبيرة بالضربات الجوية في اليمن التي قتلت العولقي، ومساعده في صفحتهم في الإنترنت، سمير خان». وأضافت: «القضاء على هؤلاء الأفراد سيقلل أصوات الكراهية، وسيقلل الدعوات المضللة للعنف باسم ديننا».

وأضاف بيان «أدام»، وهو يعترف بـ«حساسية الموضوع»: «نحن ملتزمون تماما بحماية أمتنا الأميركية، وذلك بمواصلة العمل مع سلطات تنفيذ القانون لمكافحة الإرهاب والتطرف. ونحن، كأميركيين، نؤيد دستور الولايات المتحدة، ونفهم الطلب الذي تقدمت به مختلف المجموعات لمراجعة ما قد تكون ممارسات خارج نطاق القضاء. ونحن نعتقد أن هذه المراجعة يجب أن تتمسك بالقيم الديمقراطية الأميركية والإجراءات القانونية الواجبة، مع التصدي في الوقت نفسه للحاجة الماسة إلى حماية أميركا من الإرهابيين الذين هم أنفسهم لا يعترفون بأي احترام للقانون، أو حقوق الإنسان الأساسية للضحايا الأبرياء لأعمالهم الإرهابية».

وأمس، لاحظ تلفزيون «سي إن إن» أن العولقي «قتل تماما بعد أسبوع واحد» من عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى اليمن. ونقلت القناة على لسان خبراء استخباريين أميركيين أن ذلك ربما «ليس صدفة»، وأن صالح يقدر الآن على أن يقول: إن الغرب ما زال في حاجة إليه، وإن «أي التزام من جانب صالح بملاحقة قيادة القاعدة في اليمن سيكون موضع ترحيب في الواقع، وإن صالح ربما يتصور صفقة كبرى هو بطلها، وهي التعاون في تعقب العولقي وغيره من الإرهابيين في مقابل ضغط أقل عليه ليترك منصبه».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن صحيفة «واشنطن بوست» كانت نشرت أول من أمس مقابلة مع صالح قال فيها إن القوات اليمنية المسلحة تخوض حربا ضد منظمة القاعدة في منطقة أبين بالتنسيق مع الأميركيين. وقال: «الاستخبارات الأميركية جمعت معلومات بأن منظمة القاعدة على اتصال مع الإخوان المسلمين (يقصد حزب التجمع اليمني للإصلاح). ومع الضباط العسكريين الخارجين على القانون. وأيضا، الإخوان المسلمون والضباط المتمردون قالوا لنائب الرئيس: «تعطينا أبين، وسوف نوقف الحرب هناك، حيث شبكة القاعدة».

وأضاف صالح: «جميع المعارضين مع القاعدة».

وأمس، قال كريستوفر بوشيك، خبير في شؤون اليمن في مركز «كارنيغي» للسلام الدولي في واشنطن، إن صالح «مؤسسة سياسية فوق الجميع في اليمن». وأضاف: «في رأيي، ليس صدفة أن هذا (قتل العولقي) حدث بعد عودته». وأضاف بوشيك أن ديناميكية الأحداث داخل اليمن تغيرت مؤخرا. في الماضي، كانت الحكومة تتردد في التحرك ضد العولقي نظرا للمخاوف من ردود فعل عدائية يمنية، وأيضا بسبب نفوذ عائلة العولقي. لكن، كما قال بوشيك، تغير ذلك، وتحسن التعاون اليمني مع الاستخبارات الأميركية، وصار قتل العولقي حجة لصالح لإثبات أن الولايات المتحدة لا تزال تحتاج إليه.