باريس تعتبر قيام المجلس الوطني «خطوة حاسمة» تقرب المعارضة من قيام دولة ديمقراطية في سوريا

تحاشت إعلان الاعتراف للتشاور مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.. وسلة عقوبات أوروبية ثامنة ستستهدف القطاع المصرفي

صورة بثتها مواقع المعارضة لمظاهرة حاشدة في إدلب أمس تأييدا للمجلس الوطني السوري
TT

رأت باريس أن قيام المعارضة السورية بتوحيد أجنحتها في إطار المجلس الوطني يشكل «خطوة حاسمة». غير أنها امتنعت عن الذهاب أبعد من ذلك في المرحلة الراهنة على الأرجح بانتظار التطورات الداخلية والميدانية وردود الفعل على بروز المجلس في حلته الجديدة.

وليس سرا أن باريس التي تلتزم خطا متشددا إزاء نظام الرئيس بشار الأسد سواء على الصعيد الفردي أو في إطار الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي، نصحت منذ أشهر المعارضة السورية «إذا أرادت أن يساعدها العالم» أن توحد صفوفها. وفي هذا الإطار استقبلت معارضين سوريين من كافة الأطراف كان من ضمنهم المحامي هيثم المالح المعتبر قريبا من تيار الإخوان المسلمين. وسبق للخارجية الفرنسية، قبل أيام، أن استقبلت الدكتور برهان غليون، أحد أبرز المعارضين المستقلين والذي انضم مؤخرا إلى المجلس الوطني. وغليون، الذي قرأ بيان المجلس في إسطنبول وكذلك بسمة قضماني الناطقة باسم المجلس يقيم كلاهما في فرنسا.

غير أن باريس التي ربطت، وفق بيان صادر عن خارجيتها، بين «وحدة المعارضة وإنشاء بنية ممثلة لها» وبين «إقامة دولة ديمقراطية تحترم كل مواطنيها» لم تذهب إلى حد الاعتراف بأن المجلس، بصيغته الجديدة، هو الممثل الشرعي أو الممثل الوحيد للشعب السوري على غرار ما فعلت في حالة ليبيا. والجدير بالذكر أن فرنسا كانت أول دولة اعترفت بالمجلس الليبي المؤقت «ممثلا شرعيا ووحيدا» للشعب الليبي ما استدعى قطع كافة الاتصالات مع نظام العقيد القذافي وسحب السفير الفرنسي من طرابلس.

والحال أن الأمور لم تصل بعد إلى هذه المرحلة في موضوع سوريا حيث السفير الفرنسي ما زال في دمشق وسفيرة سوريا في باريس. وترى مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن خطوة الاعتراف بالمجلس الوطني «ستأتي لاحقا»، خصوصا أن باريس تحرص على التشاور مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي ومع الولايات المتحدة ومع عدد من البلدان العربية بصدد الخطوات اللاحقة ومنها الاعتراف. وينظر إلى هذه المسألة من باريس على أنها يجب أن تندرج في إطار «التصعيد» المتعاظم للضغوط على النظام السوري بالتوازي مع الضغوط في مجلس الأمن الدولي ومع العقوبات المتلاحقة المفروضة على سوريا.

وكما تحاشت الخارجية الاستعجال في الاعتراف بالمجلس، كذلك فإنها تحاشت الرد مباشرة على مطلبه الأول وهو توفير الحماية الدولية للمتظاهرين السلميين من غير أن يعني ذلك القيام بعمليات عسكرية لا ترغب فيها باريس لا بل تحرص دوريا على تأكيد استبعادها. واكتفت فرنسا بالقول إنها «تقوم بكل ما هو ممكن في إطار القانون (الدولي) وفي كل المحافل من أجل أن تلبى طموحات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية». وشددت مجددا على الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الذي اعتبرت سابقا سكوته بمثابة «فضيحة».

وكانت باريس أول من اعتبر أن النظام السوري الذي لعبت دورا كبيرا في إعادته إلى المسرح الدولي منذ عام 2007، قد «فقد شرعيته» وأول من دعا إلى رحيله رسميا وفي رسالة مشتركة أواسط أغسطس (آب) للرؤساء، الفرنسي نيكولا ساركوزي، والأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة البريطانية كاميرون.

وتعمل باريس من داخل الاتحاد الأوروبي على فرض سلة عقوبات ثامنة على سوريا ستستهدف هذه المرة القطاع المصرفي السوري. وكانت السلة السابعة قد حرمت أي استثمارات إضافية في قطاع النفط والغاز السوريين وطباعة العملة السورية واستهدفت شركتين أساسيتين مرتبطتين بعائلة الأسد وهما شركة «شام القابضة» وشركة «سيرياتيل للخليوي» وتلفزيون «الدنيا» ووزيري العدل والإعلام. ويبلغ مجموع الأشخاص والشركات المستهدفة حتى الآن 66 شخصا وشركة بينهم الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا وكبار المسؤولين من العسكريين والمدنيين وشخصيات نافذة مرتبطة بالنظام. وأعلنت الخارجية الفرنسة أنها مصممة على أن «كل الأشخاص والشركات بما فيها الاقتصادية التي تقدم دعما ماليا لعمليات القمع يمكن أن يتعرضوا لعقوبات». وبالمقابل، فإن «كل الأشخاص والشركات التي تضع حدا لدعمها للنظام يمكن أن تسحب من اللائحة الأوروبية» للعقوبات.

وبحسب باريس، فإن التدابير والإجراءات الأوروبية غرضها «مواجهة الذين يقودون عمليات القمع في سوريا وتجفيف مواردهم (المالية) التي يضعونها لممارسة العنف ضد الشعب السوري». ويرى مسؤولون رسميون فرنسيون أن العقوبات بدأت بالتأثير على الاقتصاد السوري وعلى صلابة النظام. لكنهم لا يتوقعون أن تكون وحدها كافية لتهديد بقائه بل يرون أن فاعليتها تكمن في دفع الملتفين على النظام من البرجوازية التجارية والصناعية والخدمية على الابتعاد عنه باعتباره لم يعد يحمي مصالحها بل إنه يهددها.

وعلى صعيد آخر، دخلت الفرنسية الأولى كارلا بروني ساركوزي على الأزمة في سوريا من خلال رسالة تضامن ودعم بعثت بها إلى الدكتور عبد الله، زوج عالمة النفس السورية رفاه ناشد التي قبضت عليها قوات الأمن في مطار دمشق وهي متجهة إلى فرنسا. ونشرت الرسالة على موقع مجلة «La Règle du Jeu» «أي قواعد اللعبة» الإلكتروني التي يديرها المفكر الفرنسي برنار هنري ليفي الذي كان له دور مهم في دفع الرئيس ساركوزي للانخراط في الموضوع الليبي والدفع باتجاه التدخل العسكري.