«خطبة الجمعة».. ملعب سياسة على أرض الثورة

تحولت إلى «سوق عكاظ».. وعلماء الأزهر يحيون فكرة المسجد الجامع

TT

بعد عقود طويلة من القيود والصمت تحولت خطبة الجمعة في مصر بعد ثورة 25 يناير إلى سوق عكاظ سياسي، وميدان للمبارزة بين الخطباء، وتحول الخطيب بدوره إلى محلل سياسي، وأصبح رأيه «حكما فاصلا» في الكثير من الأوضاع المحلية والعالمية.

ومنحت خطبة الجمعة شهادة ميلاد جديدة للمسجد الذي ظل قابعا تحت سيطرة السلطات المصرية، يحددون خطباءها ونوعية الخطبة في ما يخدم سياسة النظام المصري السابق. ودفعت خطبة الجمعة المساجد إلى طريق السياسة من جديد، وصعّدت الثورة من أسماء خطباء في مساجد مصرية بعينها، وكان لخطبة الجمعة دور كبير في حشد الملايين في مليونيات ميدان التحرير.

ويثمن مراقبون تحويل خطبة الجمعة إلى منبر سياسي، ويرونه مقوما هاما في المرحلة الراهنة لعودة الدور السياسي للمسجد، مدللين على ذلك بالجامع الأزهر الذي كان له السبق في محاربة أي عدوان على مصر، بينما طالب علماء الأزهر بعودة فكرة المسجد الجامع في كل حي لتوحيد خطبة الجمعة وضمان وصول رسالتها السياسية والدعوية للمسلمين، مؤكدين على أن خطبة الجمعة أصبحت أكثر حرية عقب سقوط نظام مبارك.

ولخطورة المسجد دعا حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أمس «إلى توسعة أنشطة المساجد بحيث لا تقتصر على أداء الشعائر فقط، وتفعيل دورها الثقافي، وحسن اختيار أئمتها».

ومن جانبه أكد الدكتور عادل عبد الشكور الأستاذ بمعهد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية على أن السياسة جزء لا يتجزأ من الدين، لأن الدين الإسلامي يختلف عن غيره من الشرائع في أنه منهج للدين والدنيا والحياة، موضحا أن المسجد هو «لُبّ» الحياة الدينية والسياسية.

واشترط عبد الشكور شروطا لتصدر المسجد للحياة السياسية، أولها أن يكون لدى الخطيب حنكة ومهارة علمية في إحداث نوع من الإسقاط بين التشريع والحياة السياسية، وثانيها لا بد أن يتجرد الخطيب الذي يتحدث في السياسة عن الأهواء والالتزامات الحزبية.

وأوضح عبد الشكور أن المسجد كان له دور كبير في الحياة السياسية، ضاربا مثلا بمسجد الجامع الأزهر الذي اعتبره لؤلؤة المساجد في مصر، بقوله: «جامع الأزهر تاريخيا كان مستقرا للثورات والثوار في تاريخ مصر»، واستطرد قائلا: «لكن المسجد كان له تاريخ سياسي سيئ في فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك»، لافتا إلى أن النظام المصري السابق لم يلتفت إلى خطورة المنبر والمسجد في توجيه الرأي العام، وظهر وقتها الفكر الجهادي الذي غيّر وجه الأحداث في مصر.

لكن عبد الشكور قال: «على الرغم من عودة المساجد إلى دورها السياسي»، فإن هناك أزمة الآن في الدعاة الذين يتحدثون في خطب الجمعة، وهما نوعان: الأول «مسيَّس» بالكامل، يستهويه تيار سياسي معيّن ويأخذ الرأي العام إليه، ويمثله دعاة الإخوان أو التيار السلفي أو الجماعة الإسلامية. والنوع الثاني وهم دعاة وزارة الأوقاف الذين يبلغ عددهم 50 ألف داعية، ومن يجيدون الحديث في أمور الدين والسياسة لا يتعدون الـ5 آلاف. وتابع: «من هنا ظهر الفرق بين الفكرين».

وأوضح عبد الشكور أن فكرة ما يسمى بالمسجد الجامع في كل حي هي الحل حتى نعيد للدعوة بريقها، وأن نضع المسجد على طريق الحياة السياسية السليمة بأن تكون خطبة الجمعة في أكبر هذه المساجد ويلقيها أفضل الأئمة.

وأكد الدكتور خالد عبد العال، أستاذ مساعد بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، على أن خطيب المسجد أصبح أكثر حرية داخل المساجد عقب سقوط نظام مبارك، وبدأ في التحدث عن كثير من الأمور الاجتماعية والسياسية، لافتا إلى أنه كانت هناك بعض الآيات في بعض الأحاديث تتعلق بأمور الحكم والسياسة كان دائما الخطيب عندما يأتي إليها لا يتناولها بالتوضيح والتفصيل، بل يمر عليها مرور الكرام خوفا من الأجهزة الأمنية السابقة، لكنه طالب بأن لا يكون للخطيب أي انتماء سياسي أو ديني متعصب، لأن التيارات الدينية المتعصبة تضر الدعوة أكثر مما تفيدها، وأن يكون هدفه الأساسي خدمة الإسلام.

وعن مواصفات الخطيب في خطبة الجمعة أكد الشيخ حسن الجنايني الواعظ بالأزهر الشريف على أن الخطيب لا بد أن يتحدث عن الأمور العامة بمصداقية دون تجريح، مشيرا إلى أن أخلاق الدعاة معالجة أمراض الأمة وتقديم الحلول لها وعدم النقد فقط. وأيد الجنايني فكرة وجود مسجد جامع في كل حي، لأن من شأنه أن يؤدي إلى جمع الأمة.