السفير الأميركي لدى بغداد يؤكد لـ «الشرق الأوسط» الالتزام بعيد الأمد بالعلاقات الأمنية

جيفري: جوهر المحادثات حول إبقاء مدربين عسكريين في العراق يتعلق بالحصانة

السفير الأميركي لدى بغداد جيمس جيفري (أ.ب)
TT

تزداد التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمنية العراقية – الأميركية في المرحلة المقبلة، مع اقتراب موعد انتهاء اتفاقية وضع القوات الأميركية في العراق نهاية عام 2011. وبموجب الاتفاقية التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة نهاية عام 2008، يجب سحب كل القوات الأميركية من العراق بنهاية العام الحالي، بينما اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تم توقيعها في الوقت نفسه تنص على علاقات استراتيجية وأمنية بعيدة الأمد بين البلدين.

السفير الأميركي لدى بغداد، جيمس جيفري، قام بزيارة إلى العاصمة الأميركية هذا الأسبوع، للتشاور مع القيادات الأميركية حول شكل الاتفاق الممكن توقيعه مع الحكومة العراقية، الذي يسمح بإبقاء قوات أميركية إضافية العام المقبل، وأوضح جيفري في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» التفكير وراء إبقاء أي قوات أميركية في العراق، قائلا إنها ستقدم التدريب على التفكير العسكري الأبعد للعراق، والتنسيق والتعاون بين القوات العسكرية العراقية. وأضاف أن جوهر المحادثات الجارية مع المسؤولين العراقيين حاليا تتعلق بالامتيازات والحصانات الخاصة لأية قوات عسكرية أميركية. وفي ما يلي نص الحوار:

* الجميع يتساءل حول إمكانية بقاء قوات أميركية في العراق بعد نهاية العام، ولكن رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، قال مؤخرا إنه لا يريد تمديد بقائها، فهل هذا ما تم إبلاغكم به؟

- أعتقد أن الكثير من هذه الأمور متعلقة بعبارتين «المحافظة على» و«بقاء»، فنحن لدينا اتفاقية تم توقيعها عام 2008 تطالب بسحب جميع القوات الأميركية الموجودة في العراق بموجب اتفاقية عام 2008 بنهاية العام الحالي، ولدينا أيضا اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تطالب بالتعاون البعيد الأمد في مجالات عدة، بما فيها المجال الأمني. لدينا منذ الآن ترتيبات لمواصلة برامج تدريب الشرطة على نطاق واسع، بالإضافة إلى برامج مع متعاقدين أميركيين لمساعدة العراقيين في التدريب على معدات أميركية عسكرية، تصل قيمتها إلى حوالي 8 مليارات دولار، كي تعطيهم القدرة العسكرية التقليدية، مثل الدبابات، وقطع مدفعية، وناقلات مصفحة، وطائرات عسكرية، وأجهزة رادار، بالإضافة إلى أجهزة متطورة جدا موجودة لدى أي جيش اعتيادي، ففي الوقت الراهن، الجيش العراقي يعمل كقوة مكافحة للتمرد، وهو ناجح في ذلك، ولكن هذا ليس كافيا.

وقرر العراقيون في أغسطس (آب) الماضي بعد اجتماع رؤساء الكتل والأحزاب السياسية العراقية، إعطاء رئيس الوزراء المالكي مهمة الجلوس معنا، والحديث حول برنامج تدريب ما بعد عام 2011، مما يشمل مدربين عسكريين، بالإضافة إلى المدربين الحاليين، ونحن نتفاوض حول ذلك. والتفكير وراء الطلب العراقي يشبه، على سبيل المثال، ما إذا اشترى المرء سيارة سباق، فإنه سيحتاج إلى مختص يدربه على كيفية تشغيل السيارة وصيانتها وما إلى ذلك، وهذا نوع التدريب الذي يأتي ضمن عقود المبيعات العسكرية الأجنبية الأميركية، ويأتي مختصون من الشركات مثل «بوينغ» للقيام بمثل هذا التدريب. ولكن إذا أراد المرء أن يتسابق في أفضل السباقات، فإنه سيحتاج إلى أفضل المختصين لإعطاء المشورة والذين قاموا بالعمل نفسه، وتقليديا في العمليات العسكرية مثل التعاون بين القوات المختلفة فيما نسميه العمليات المشتركة، ذلك يتطلب التدريب الخاص. وبالإضافة إلى ذلك، هناك العمليات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب وغيرها، التي تحتاج إلى قدرات عالية المستوى، وهذا ما يتطلع إليه العراقيون، وهم يدرسون الآن وجود عدد صغير من عناصر عسكرية أميركية للقيام بمهمة التدريب.

* ولكن كان هناك الحديث سابقا عن قيام القوات الأميركية بمساعدة العراق على حماية حدوده، فهل انتهت هذه الحاجة؟

- لا، فحماية الحدود أمر تقني، نحن نقوم بذلك الآن، ولقد تم إحراز تقدم هائل في حماية الحدود ومساعدة الشرطة على حماية الحدود. وهذا أمر مضمون بالقدرات التقليدية العسكرية، ففي الوقت الراهن قوات الجيش العراقي منشغلة بالأمن الداخلي، مثل حراسة نقاط التفتيش، والعمل مع الشعب في فرق صغيرة في كل أرجاء العراق. ولكن تقليديا هذه مهمات للشرطة، بينما يركز الجيش على معالجة التهديدات التقليدية التي تأتي من خارج الحدود، وعبارة حماية الحدود هي كناية للقدرات العسكرية التقليدية.

* إذن لا تتوقعون برنامجا خاصا لحماية الحدود العراقية.

- لا.

* كانت هناك أيضا تساؤلات حول القوة الجوية العراقية، ولقد باشر العراق في شراء طائرات «إف – 16»، فهل هذا العقد يمنح العراق تلقائيا مدربين؟

- يشمل هذا العقد، تقليديا، كيفية صيانة الطائرة واستخدامها بشكل عام، ولدى العراق اتفاقية لتدريب القوات الجوية، ولقد بدأ ذلك منذ زمن، فسيستخدمون هؤلاء الطيارين للتدريب المتقدم، ولكن مرة أخرى، هذا التدريب يشمل فقط كيفية الطيران، فإدارة نظام دفاع جوي في البلاد تتطلب إدماج أجهزة الرادار والطائرات، ووضع آليات لمعرفة القوات الصديقة والمعادية، وقدرات القيادة وكيفية استخدام أنظمة الدفاع الجوي، وهذه عملية معقدة. فالتدريب التكتيكي المتطور يتطلب مدربين عسكريين، وهذا هو نوع التدريب الذي نتحدث عنه، فوجود مدربين من القوات الجوية في العراق يساعد العراقيين على حماية أجوائهم ومراقبتها، ولا تشمل العقود الحالية لشراء الطائرات والمعدات مثل هذا التدريب.

* ولكن هل من الممكن أن تشمل اتفاقية الإطار الاستراتيجي مثل هذا التدريب؟

- يمكن أن يتم ذلك، وهذا هو فحوى المحادثات الحالية، ومن المرجح أن أي اتفاق نبرمه سيكون ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، ولكن النقطة المهمة هنا هي أن أي اتفاق بيننا يشمل عناصر عسكرية أميركية تقوم بهذه المهمات، مثل التدريب، ونحن بحاجة إلى ضمان الامتيازات والحصانة الخاصة بها، وهذا أمر ينطبق على وجود قواتنا حول العالم بغض النظر عن طبيعة عملهم. هذه هي القضية الأساسية، وسيتطلب طرح الاتفاقية على البرلمان العراقي، لأنه بموجب القانون العراقي فإن قضية الامتيازات والحصانة، وخاصة الوضع القضائي للعناصر المعنية، يجب أن يحددها البرلمان.

* إذن في النهاية، هذه هي القضية الجوهرية التي يتم بحثها؟

- لب الموضوع هو أن وجود عناصر عسكرية يعني الحاجة إلى مصادقة البرلمان على أي اتفاقية، ولكن في حال تم الاتفاق على اتفاقية لمواصلة الدعم الأمني، مثلما تنص عليه اتفاقية الإطار الاستراتيجي، ولكن لا تشمل عناصر عسكرية أميركية، فإن ذلك لن يحتاج إلى مصادقة البرلمان، إلا في حال أرادت الحكومة العراقية ذلك، أو أن هناك أمورا قانونية أخرى، ولكن من الناحية التقنية، فإن البند العاشر من اتفاقية الإطار الاستراتيجي تنص على تطبيق اتفاقيات للتعاون الأمني.

* من الجانب الأميركي، هل الولايات المتحدة موافقة على إبقاء قوات عسكرية في البلاد؟

- نحن ملتزمون بعلاقات استراتيجية مع العراق، بما فيها علاقات في مجالات عدة، منها السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والطاقة والثقافة والأمن. واتفاقية الإطار الاستراتيجي تحدد أن تفاصيل ذلك التعاون يجب الاتفاق عليها لاحقا، وهذا ما نقوم به الآن، وهذا هو موقف الرئيس أوباما، ففي خطابه في معسكر لاجون (فبراير/ شباط 2009) تحدث عن العراق ليس فقط كدولة مستقرة وآمنة ومعتمدة على نفسها، بل أيضا كشريك في جهودنا في ضمان الأمن الإقليمي، وكشريك في مكافحة الإرهاب. وعلى سبيل المثال، ما زالت هناك خلايا إرهابية من تنظيم القاعدة تقوم بجرائم شنيعة في العراق، ولذلك لدينا رغبة كبيرة في مساعدة العراق في هذا المجال.

* هناك من يرى إبقاء قوات أميركية في العراق، بغض النظر عن عدد تلك القوات، كمؤشر للتواصل الأميركي في العراق، ويعتبر البعض أن الانسحاب الكلي يعني عدم الاهتمام الأميركي بالعراق، خاصة في مواجهة أي دور إيراني مزعزع لاستقرار العراق، فكيف تردون على ذلك؟

- أولا، هذا تصور عام حول العالم، لدينا وجود أميركي بشكل مدربين أو غير ذلك في مناطق كثيرة حول العالم، وذلك الانتشار العسكري يأتي ضمن العلاقات الأمنية الأوسع مع تلك الدول، واستراتيجيتنا الأمنية العالمية. والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة يعتبر عنصر استقرار مهم في أعين الكثير من الدول والأشخاص، وقد أثار عدد من العراقيين هذا الأمر.

* ولكن هل ترون أن الولايات المتحدة عبرت عن ذلك الالتزام، خاصة مع إمكانية سحب كل القوات من البلاد؟

- أعتقد أن الأمر المهم هو أن تكون لدينا علاقات أمنية تدعمها كل من الحكومة الأميركية وشعبها والحكومة العراقية وشعبها، وهذا ما نعمل من أجله في هذه المحادثات.. نريد أن نتوصل إلى النقاط المشتركة بين الطرفين، وإذا تطلب ذلك مدربين عسكريين، فحسن، ولكن ذلك سيتطلب موافقة كل من الحكومة الأميركية وشعبها والحكومة العراقية وشعبها، ولكن لا أستبعد طرقا أخرى لمواصلة علاقة أمنية قوية، فهناك الكثير من الدول التي لدينا علاقات قوية فيها من دون قوات عسكرية، فكنت أعمل في الكويت عام 1996 ولم تكن لدينا قوات فيها غالبية الوقت، ولكن كانت لدينا علاقات أمنية قوية معها.

* لننتقل إلى الوضع السياسي الداخلي في العراق، خاصة مع المشادات حول عدم تطبيق كل بنود اتفاقية أربيل، فهل أنتم قلقون من تبعات ذلك؟

- نحن نعتبر الاتفاقات التي تم تبنيها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اتفاقات مهمة لحكومة شراكة وطنية تشرك جميع الأطراف، وهذا ما قالته لنا جميع الأحزاب العراقية عندما بحثنا الأمر معها، وهذا هو الأساس الذي تم تشكيل الحكومة الحالية عليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ومن وجهة نظر استقرار العراق وصحة النظام الديمقراطي في البلاد، نحن نتطلع إلى تطبيق تلك الاتفاقيات، ولكن هناك أيضا خلافات صريحة وحقيقية بين الأطراف حول معنى الاتفاقات ومن يلتزم بها ومن لا يلتزم بها، وإلى غير ذلك. نحن نرى في رد الفعل حيال قضايا عدة، بما فيها الهجوم في محافظة الأنبار، مؤخرا، وتبادل التصريحات بين حكومة أربيل وبغداد، بعض التوتر في العلاقات، ولكن أيضا قدرة القادة السياسيين على الاجتماع والتوصل إلى حلول تدفعهم إلى الأمام، فأرى الكثير من ذلك وهذا أمر مشجع، ولكن مرة أخرى نؤكد على أنه كلما تم بناء الثقة، وكلما تم الالتزام بالاتفاقات، كان ذلك أفضل للعراق.

* طالب بعض السياسيين في العراق بإجراء انتخابات مبكرة في البلاد كحل لتلك الخلافات، فهل تدعمون هذه الفكرة أو تتوقعون تطبيقها؟

- لا أدري، تصورنا هو أن الانتخابات المقبلة عام 2014 ولن أعلق على قضايا سياسية داخلية مثل هذه.