«منبر 17 فبراير»: قضية الشهداء والجرحى أكبر من أن يحلها «استحداث وزارة»

ضغوط الشارع الليبي تدفع لتغيير محدود في حكومة تسيير الأعمال مع بقاء جبريل والترهوني

رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل (يمين) ورئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل في مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)
TT

أعلن مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا، أمس، عن تعديل وزاري محدود، أبقى فيه على وزيري الخارجية والنفط في منصبيهما، واستحدث وزارة جديدة لتولي شؤون كبرى القضايا الإنسانية التي تؤرق الليبيين منذ بداية ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي، وهي قضية جرحى مواجهات الثوار والشعب ضد كتائب العقيد الليبي معمر القذافي طيلة أكثر من 7 أشهر.

جاءت التغييرات الوزارية الأخيرة بعد أكثر من شهر من صراع سياسي تخلله تسريب قائمة وزارية من 34 حقيبة. كما تم التأكيد، أكثر من مرة، على عدم إعلان حكومة تختص بوضع الدستور وتهيئ البلاد لانتخابات البرلمان والرئيس، إلا بعد التحرير الكامل لليبيا من كتائب القذافي. كما خرجت في بنغازي ومدن أخرى مظاهرات ضد عدد من الشخصيات الوزارية لقصورها في أداء عملها، خاصة مع تردي أحوال الجرحى الذين يقدر عددهم بعشرات الألوف في كل أرجاء ليبيا، ووجود تقصير في الرعاية الطبية موروث أصلا منذ عهد القذافي.

وقال مصدر في المجلس الانتقالي: إن الوزارة الجديدة اسمها «وزارة رعاية (أسر) الشهداء والجرحى»، وأوكل المنصب إلى عبد الرحمن الكيسا، لكن القيادي في ثورة 17 فبراير، عاشور أبو دية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه الوزارة الجديدة ستكون عبئا على من يتولاها؛ لأن مشكلة مصابي الثورة أكبر من أن تقوم بها وزارة بمفردها». وأصبح عدد الحقائب الوزارية في حكومة تسيير الأعمال 15 حقيبة، وتم إلغاء منصب نائب رئيس الوزراء ومنصب وزير الثقافة والمجتمع، واستحداث وزارة الشهداء والجرحى، بعد الانتقادات الشديدة التي تعرض لها وزير الصحة ناجي بركات بسبب هذا الملف. وقال مصدر في المجلس الانتقالي: إن بركات مستمر في موقعه في التشكيلة الجديدة. كما تم تعديل في وزارة الأوقاف.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عُقد في بنغازي أمس، تابع عبد الجليل قائلا إن المجلس الانتقالي الذي يرأسه أجرى بعض التعديلات الوزارية في المكتب التنفيذي (حكومة تسيير الأعمال)، مضيفا أن محمود جبريل سيحتفظ برئاسة المكتب وبملف الخارجية، ويحتفظ علي الترهوني بملف المالية والنفط مؤقتا، إلى حين عودة اختصاصات النفط إلى المؤسسة الوطنية للنفط عند تفعيلها «في غضون أسبوع».

ولوحظ في قائمة التشكيلة الوزارية المعدلة خلوها من اسم علي العيساوي، الذي كان في التشكيلة السابقة مسؤولا مع جبريل عن الشؤون الخارجية. وقال مصدر مقرب من المجلس الانتقالي من قبيلة العبيدي، التي ينتمي لها رئيس أركان جيش الثوار، الراحل عبد الفتاح يونس: إن استبعاد العيساوي جاء بعد ضغوط من أطراف فاعلة على الأرض في ليبيا «بسبب مسؤوليته عن إصدار قرار متعجل بالتحقيق مع يونس في أمور تخص جبهة القتال مع قوات القذافي، مما أدى إلى مقتل الأخير على أيدي جماعات متشددة».

وجاء في القائمة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، أسماء الوزراء ووزاراتهم، وهي كالتالي: محمود جبريل رئيسا للمكتب التنفيذي وزيرا للخارجية، وعلي الترهوني وزيرا للنفط والمالية (مؤقتا لمدة أسبوع واحد)، وجلال الدغيلي وزيرا للدفاع، وأحمد الضراط وزيرا للداخلية، ومحمد العلاقي وزيرا للعدل، وناجي بركات وزيرا للصحة، وسليمان علي الساحلي وزيرا للتربية والتعليم، والدكتور أحمد الجهاني وزيرا لإعادة الإعمار، وبالقاسم النمر وزيرا للبيئة، وهنية القماطي وزيرا للشؤون الاجتماعية، ومحمود شمام وزيرا للإعلام، وحمزة بوفارس وزيرا للأوقاف، بدلا من سالم الشيخي، وعبد الله شامية وزيرا للاقتصاد، وأنور الفيتوري وزيرا للمواصلات والاتصالات، وعبد الرحمن الكيسا وزيرا للشهداء والجرحى.

وقال عبد الجليل، عن الانتقادات والمظاهرات التي خرجت ضد عدد من الوزراء: «أطلب من إخوتي وأبنائي الليبيين التحلي بالصبر، فالخير مقبل بشكل غير متوقع»، متحدثا عن وجود أولويات يجري تنفيذها، منها رعاية أسر الشهداء وتعويض هذه الأسر والجرحى والمقاتلين، إضافة إلى رفع مستوى دخل المواطن الليبي، مع توفير فرص العمل للعاطلين، مشيرا إلى أن المجلس الانتقالي سوف يحقق في كل الانتهاكات التي حدثت خلال هذه المرحلة من قبل بعض الثوار أو المواطنين. وأضاف عبد الجليل أنه وقع هو ومحمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي (بحكومة تسيير الأعمال)، على تعهد بعدم المشاركة في أي حكومة مقبلة تحت أي صيغة أو شكل. من جانبه، قال جبريل إنه قدم استقالته في الفترة السابقة، و«بعد مشاورات مع المجلس الانتقالي تم التوصل إلى أن الاستقالة قد تضر في الوقت الراهن بالمرحلة الانتقالية»، وأنه سيستقيل بعد تحرير ليبيا مباشرة.

وإضافة إلى الخلافات السياسية التي يشارك في تعقيداتها أمراء حرب وقبائل وطامحون في تولي القيادة في البلاد، ظهر تململ في الشارع الليبي بسبب ما يقولون إنه تقصير في الأداء الحكومي. وقال مصدر في المجلس الانتقالي: إن عبد الجليل كان يطمح إلى تشكيل حكومة جديدة بشكل كلي، لكن بندا في الإعلان الدستوري الموقَّع من المجلس الانتقالي المؤقت في 3 أغسطس (آب) الماضي ينص على أن «تشكيل الحكومة الانتقالية لا يتم إلا بعد التحرير الكامل»، وهو أمر لم يتحقق بعدُ، طالما ظلت سرت وبني وليد تحت سيطرة القذافي».

وسبق التعديل الوزاري أمس انعقاد مؤتمر قبائلي لسكان منطقة إقليم برقة التاريخية (شرق ليبيا) يدعو بعض أطرافه إلى الأخذ بنظام الحكم الفيدرالي، لكنه تعرض لضغوط من المجلس الانتقالي ليغير أجندته إلى دعم الحكم الموحد.

على صعيد ذي صلة بالتغييرات في المواقع المسؤولة، تقدم صالح الغزال، رئيس مجلس محلي بنغازي، وهي المدينة التي تفجرت منها ثورة 17 فبراير، باستقالته للمجلس الانتقالي، في اجتماع كبير شهده كبار القيادات في المدينة؛ حيث أبدى غزال الاستياء الشديد من «غياب النقد البناء». وقال الغزال في رسالته: لقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك ألسنا تنطق بالإساءة والتجريح وليس بالنقد البناء المطلوب ضد الكثير من الشرفاء الذين قدموا ويقدمون في صمت جهدا وطنيا متواصلا، ولم يسلم منهم أحد حتى شخصكم الكريم «لهذا كله ولأنني لا أرى نفسي متهما لكي أدافع عن نفسي بسبب ما قمت بأدائه، اتخذت قراري بالتخلي وترك هذا الموقع الذي قد يرى فيه البعض ميزة أو مغنما».

كان رئيس المجلس المحلي وعدد من مساعديه قد تعرضوا لانتقادات شديدة اللهجة من شباب بنغازي ورفضوا اقتراحا من شيوخ المجلس باختيار قيادة جديدة بالتوافق مع المجلس الانتقالي الحاكم.