الصليب الأحمر من سرت لـ «الشرق الأوسط»: الوضع مأساوي والحالة الأمنية تعرقل مساعدة الضحايا

انقطاع المياه والكهرباء والإمدادات الطبية عن المستشفى الرئيسي.. والآلاف يواصلون النزوح للصحراء

طاقم مسعفين ينقل مقاتلا جريحا إلى وحدة إسعاف مؤقتة أقيمت في مسجد قرب سرت (رويترز)
TT

قالت مندوبة للصليب الأحمر من داخل مدينة سرت الليبية المحاصرة لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع داخل المدينة مأساوي، والحالة الأمنية تعرقل مساعدة الضحايا، بسبب الاقتتال بين كتائب القذافي وثوار المجلس الانتقالي. وتحدثت عن مآسٍ إنسانية في المدينة الواقعة على بعد نحو 450 كلم شرق طرابلس، بسبب انقطاع المياه والكهرباء والإمدادات الطبية عن المستشفى الرئيسي في سرت، المعروف باسم «ابن سينا»، مشيرة إلى أنها شاهدت أثناء عودتها من سرت إلى بنغازي الآلاف من سكان سرت ينزحون من داخلها إلى الصحراء ومدن في الشرق والغرب، وأن من بين هؤلاء من اضطر إلى الهرب سيرا على الأقدام بسبب نقص وقود السيارات.

وبعد أن رجعت أمس إلى بنغازي عائدة من سرت، التي يبلغ عدد سكانها أقل من مائة ألف نسمة، أوضحت المتحدثة الرسمية للجنة الدولية للصليب الأحمر، ديبة فخر، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف أن اللجنة تمكنت من الوصول إلى داخل سرت من جهة الشرق، وتمكنت أيضا من الوصول إلى «مستشفى ابن سينا (الرئيسي بالمدينة)»، و.. «قيمنا الوضع داخل المستشفى.. نعم، يوجد نقص في المعدات الطبية وفي الأدوية.. يوجد نقص في الطاقم الطبي.. المستشفى كان يعمل في ظل ظروف صعبة جدا مؤخرا. خزان المياه الرئيسي للمستشفى تعرض للضرب، فلم يعد هناك مياه بالمستشفى، ولا يوجد تيار كهربائي ولا وقود لتشغيل المولد الكهربائي للمستشفى. وكانت لديهم حاجة ماسة جدا إلى الأكسجين».

وتطوق قوات المجلس الانتقالي سرت، ولم تحرز تقدما يُذكر. وتشهد سرت اشتباكات ضارية منذ ما يقرب من شهر بين الثوار الليبيين وكتائب القذافي، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية بالمدينة، ونزوح الآلاف من سكانها هربا من المعارك.

وعن المدة التي تمكن فريق الصليب الأحمر من الوجود فيها في سرت، قالت فخر: «الفريق أمضى بضع ساعات داخل المدينة، لكن الوضع الأمني لم يسمح بأن يستمر الفريق في مباشرة عمله لفترة طويلة.. كانت هناك ضرورة للخروج من سرت بسبب تردي الوضع الأمني.. والآن تعتبر العودة إلى سرت من الأولويات التي نعمل عليها، ونأمل أن نتمكن من العودة بشكل سريع لتقديم المساعدات».

وذكرت مصادر أخرى أن المستشفى أصبح يغص بالجثث بعد وفاة الكثير من الجرحى. ونقلت وكالة «رويترز»، عمن قالت إنهم عاملون في القطاع الطبي فروا من سرت، أن المرضى يموتون على طاولة العمليات بسبب عدم وجود أكسجين أو وقود لتشغيل مولدات الكهرباء بالمستشفى، وأن ردهات المستشفى «ازدحمت بالمرضى، وأن المقاتلين الموالين للقذافي وأبناء قبيلته هم الذين يتلقون العلاج وحسب»، حيث أصبح يوجد قسمان بالمستشفى، واحد للمدنيين وآخر لكتائب القذافي، وأن المستشفى «لم يعد يعالج إلا أفراد الكتائب ويتركون المواطنين العاديين». وشاهد أحد مراسليها «أحياء مهجورة ومنازل خاوية وسيارات محترقة في الشوارع».

وعن تقييمها الوضع الإنساني في المدينة بعد دخولها سرت، قالت المتحدثة الرسمية للجنة الدولية للصليب الأحمر ديبة فخر، في ردها على أسئلة «الشرق الأوسط»: «لم نتمكن نحن من أن نقوم بالتقييم بأنفسنا، لأننا لم نمضِ إلا وقتا قصيرا داخل المدينة بسبب تردي الوضع الأمني، ولكنّ المدنيين داخل المدينة أعطونا صورة عن الوضع الإنساني.. بسبب تردي الوضع الأمني».

والتقت فخر الكثير من العائلات النازحة من سرت، سواء إلى المدن الشرقية أو إلى الغرب حيث مصراتة والمدن المحيطة. وحول الصورة التي نقلها لها سكان في المدينة حسب رواياتهم، أوضحت فخر: «سكان المدينة سواء الذين تحدثنا مع ممثليهم داخل سرت، أو العائلات التي تنزح من سرت وتحدثت إليها، حيث هناك آلاف الأشخاص الذين خرجوا، حتى الآن، من المدينة، قالوا لنا إن هناك نقصا في الأغذية بشكل عام، وانقطاعا في التيار الكهربائي، وانقطاعا في المياه، وعدم توافر المياه الصالحة للشرب، وعدم توفر الوقود، ما يمنع أيضا بعض العائلات من الخروج.. وصعوبة الوصول إلى العناية الطبية، والنقص في الأدوية بالنسبة لبعض الأمراض المزمنة أيضا». وأضافت أن بعض العائلات تعيش في الصحراء المحيطة بسرت وفي القرى مثل الهراوة (نحو 20 كلم) شرقا، مشيرة إلى أن بعض العائلات كانت تغادر سرت سيرا على الأقدام.

وعما إذا كانت توجد أي أرقام مبدئية لدى الصليب الأحمر لعدد القتلى والمصابين في سرت، قالت ديبة فخر: «لا توجد لدينا حتى الساعة إحصائيات عن الأرقام، لا في سرت ولا في ليبيا بشكل عام، وخلال وجودنا في المستشفى في مدينة سرت لم نتمكن من القيام بجولة كاملة على المستشفى.. كنا قد تحدثنا مع المسؤولين عن المستشفى لنفهم ما هي الاحتياجات، وزودناهم مباشرة بالمساعدات الطبية التي حملناها معنا من مواد جراحية وأدوية وأكياس للجثث ووقود للمولد الكهربائي».

وفي وقت لاحق من يوم أمس قالت مصادر من الصليب الأحمر إن قافلة طبية كانت قادمة إلى سرت من جهة الغرب، وتتكون من شاحنتين، اضطرت إلى العودة بسبب تجدد القتال في المنطقة بين قوات الثوار والقوات الموالية للعقيد معمر القذافي.

وأعربت ناطقة أخرى باسم لجنة الصليب الأحمر الدولي، هي سمية بلطيقة، عن أملها في أن يتمكن فريق من المنظمة من دخول سرت، ودعت أطراف النزاع إلى تسهيل دخول فريق الصليب الأحمر إلى المدينة لتوفير الاحتياجات الإنسانية والطبية اللازمة للمصابين وسكان المدينة، قائلة في تصريحات من غرب سرت أمس إن الوضع حاليا «مأسوي».

ومن جانبه قال ستيفن أندرسون المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحاول أن ندخل مزيدا من المستلزمات الطبية الهامة كالأكسجين لمستشفيات سرت». وعن الحالة في داخل سرت، التي قالت تقارير إنها سيئة من حيث عدد القتلى والمصابين والضحايا، قال أندرسون إن ما أفاد به مبعوثو اللجنة هو أن هناك نقصا في الإمدادات الطبية والمياه ونقصا في الطعام، وأن المشكلة كبيرة، مشيرا إلى أن التنسيق لإدخال الإمدادات جارٍ مع كل الجهات من أنصار القذافي والثوار في محاولة للدخول إلى سرت.