رئيس وزراء تونس: سأسلم مفاتيح الدولة للحكومة المقبلة بعد الانتخابات

قائد السبسي: أفضل أن أبقى في منزلي أذا لم أكن مفيدا

الباجي قائد السبسي (أ.ف.ب)
TT

أكد رئيس وزراء تونس الباجي قائد السبسي التزامه بتسليم السلطة بشكل سلمي إلى الحكومة الانتقالية المقبلة بعد انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكنه في الوقت نفسه قال «سأعمل حيث أكون مفيدا» في حال سمحت الظروف بذلك بعد الانتخابات. وجاءت تصريحات السبسي خلال ندوة في مقر البنك الدولي في واشنطن أمس في مستهل زيارته إلى العاصمة الأميركية واشنطن، حيث شدد على أهمية إنجاح التجربة التونسية في الانتقال إلى الديمقراطية لتكون نموذجا للعالم العربي. وقال السبسي: «بحلول 23 أكتوبر نريد أن نسلم مفاتيح المنزل إلى فريق جديد يختاره الشعب وآمل أن يختار الشعب التونسي في أجواء هادئة من سيقوده». وكان السبسي واضحا في إقراره بأهمية التجربة التونسية خلال الفترة المقبلة، قائلا «نقوم بكل ما بوسعنا لإقامة حكومة جديدة، كل الثورات لا تنتهي بنفس الطريقة، البعض ينتهي بالقتل والفوضى والآخر بالديمقراطية والانتقال السليم وهذا ما نعمل من أجله».

ويقوم السبسي بزيارة إلى الولايات المتحدة استعدادا للمرحلة المقبلة لتونس، وقبل أن تخوض بلاده الانتخابات التاريخية لاختيار حكومة انتقالية جديدة نهاية الشهر الحالي. ويستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما السبسي يوم الجمعة كما من المرتقب أن يلتقي السبسي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يوم غد بعد أن أنهى مشاورات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي لقاء مع عدد من الصحافيين بعد الندوة أمس، أجاب السبسي عن سؤال «الشرق الأوسط» حول ما يتوقعه من دعم أميركي لبلاده، ضاحكا: «إنني أزور الولايات المتحدة لأنه تم استدعائي من الرئيس وهل يرفض استدعاء من الرئيس أوباما؟». وكان السبسي التقى أوباما الشهر الماضي خلال اجتماع الدول الثماني الصناعية في دوفيل، وكان اللقاء جيدا وتقدم أوباما بالدعوة حينها. وأوضح السبسي أن «العلاقات مع الولايات المتحدة علاقات قديمة، فمن أول الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأميركية هي تونس، وأول اتفاقية أبرمت بين تونس والولايات المتحدة كانت عام 1799، كانت اتفاقية الصداقة والتجارة ومنذ ذلك التاريخ علاقتنا طيبة ومسترسلة وتعاوننا مثمر». وأضاف: «وجدنا الولايات المتحدة إلى جانبنا عندما دخلنا في خلافات مع الدولة التي كانت تستعمرنا وهي فرنسا وهي أيضا أصبحت دولة صديقة والولايات المتحدة استضافت القادة التونسيين خلال فترة الكفاح». وامتنع السبسي عن توضيح أي مطالب لديه من الأميركيين، مكتفيا بالقول: «هذه الزيارة تندرج في سلسلة الاتصالات والزيارات المتبادلة بين تونس والولايات المتحدة». وفيما يخص الاستعداد للانتخابات، قال السبسي: «الانتخابات استحقاق شعبي أساسي، والحكومة هذه تكونت على أساس خريطة طريق، وأهم ما فيها إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، وهذه الانتخابات اتخذت كل الإجراءات لإنجاح هذا المسار». وأضاف: «في أول مرة في تاريخنا، ليست الحكومة هي التي تنظم الانتخابات بل هنالك لجنة مستقلة هي التي تنظم هذه الانتخابات وتؤيدها وتشرف عليها وتعلن نتائجها وهذا ضمان للشفافية ومصداقية العملية الانتخابية ولأول مرة الحكومة وأعضاء الحكومة اتخذوا على أنفسهم ألا يترشحوا للانتخابات كي يعطوا مصداقية أكبر للعملية الانتخابية باعتبار أن العملية الانتخابية هي أول تجربة جديدة بالنسبة لدولة مثل تونس ونعتقد أنها أيضا ستكون تجربة مثالية إن شاء الله للدول التي هي من حجمنا والذين ما زالوا لم يجروا انتخابات حرة وتعددية». وتابع: «أملنا أن الأمور تسير على أحسن ما يرام من دون أي انتكاسة إن شاء الله».

وردا على ما ورد في مقابلته مع صحيفة «نيويورك تايمز» التي قالت فيها إنه يفكر بمواصلة عمله السياسي في الحكومة المقبلة، قال: «مستقبلي يملكه الله، لا أعلم، ولكن لن أقبل مسؤولية سوى أن أكون مفيدا». وأوضح: «سني 85 عاما وأمضيت شبابي كله في خدمة بلدي وأتمنى أن أقضي وقتي المتبقي في خدمة بلدي»، مضيفا: «إنني قمت بعملي وأفضل أن أبقى في داري إذا لم أكن مفيدا وقبلت هذه المهمة لأنني شعرت بأنني قادر على أن أفيد الآخرين»، موضحا: «إنني قمت بمهمتي وحاولت أن أساعد بلدي.. والقضية ستثار بعد الانتخابات، فإذا الظروف كانت مواتية سأنضم إلى الحكومة». ولفت ضاحكا: «سيكون عمري 85 عاما الشهر المقبل فسيكون لدي حق التقاعد قبل أن يقول الآخرون إنني أفقد صوابي».

وشدد السبسي خلال خطابه أمام أعضاء البنك الدولي أمس على أهمية معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد وخاصة مشكلة البطالة. وأوضح أن سياسة «التعليم للجميع لا تعني المساواة للجميع» خلال المرحلة السابقة في تونس، مما زاد من عدد الخريجين العاطلين عن العمل. وأوضح أنه يتطلع إلى استئناف برنامج تدريب للخريجين التونسيين في الولايات المتحدة «وذلك سيجعلهم يحصلون على العلوم والتقنيات الجديدة».

وأوضح السبسي أن الحكومة تتخذ خطوات ملموسة لمعالجة المشاكل الاقتصادية على الفور، قائلا إن «نمط الاستثمار في تونس تغير الآن لأن الملاحظة الأساسية هي أن التنمية كانت فيها اختلال في التوازن بين المناطق الداخلية والشواطئ، والاستثمارات كانت 80 في المائة للشواطئ و20 في المائة للمناطق الداخلية». وأضاف: «هذه الحكومة قلبت الموازين وأصبحت 80 في المائة من الاستثمارات للمناطق الداخلية و20 في المائة للشواطئ حتى نعالج اختلال التوازن». وأكد أن هذه الإجراءات «ضمن مرحلة أولى، لكن في برنامجنا الاقتصادي خلال السنوات المقبلة هناك مجهود خاص للتنمية الجديدة على أساس البنية التحتية وهي الضعيفة في تلك المناطق وهي مناطق محرومة»، مضيفا: «سنبذل مجهودا خاصا لتشجيع المشاريع الأساسية في تلك المناطق وبناء مؤسسات اقتصادية جديدة». ولفت إلى «الحاجة إلى استراتيجية اقتصادية مهمة، لدينا 600 ألف عاطل عن العمل من 3.5 مليون في سوق العمل».

وتم طرح سؤال للسبسي حول إمكانية «الفصل بين الدين والدولة» في تونس، ليجيب بأن تونس ليس لديها مشكلة على هذا الصعيد. وقال: «في تونس نحن لا نحتاج إلى ذلك، الشعب شعب مسلم، ذلك لا يعني الالتزام بالتفسير المتشدد للشريعة ولكن الدستور يوضح أن الدولة جمهورية واللغة الرسمية هي العربية ودين الدولة هو الدين الإسلامي، الكثير من تشريعاتنا من التشريع الإسلامي، من دون إثارة الضجة حول الفصل بين الدين والدولة فالأمور تسير بشكل جيد». ولفت إلى أن هناك أحزابا كثيرة في تونس، وصل عددها إلى 110 أحزاب، قائلا «الكثير يتساءل عن إمكانية تولي حزب إسلامي حكم البلاد ولكن هذا حزب من بين أحزاب عدة في البلاد، والحزب الوحيد المنظم والمعارض للنظام ولذلك حصل الدعم ولكن خلال الأشهر الماضية تم تأسيس نحو 110 أحزاب» تمثل تطلعات الشعب التونسي. وأضاف: «نأمل أن تولد الانتخابات أحزابا جدية».

وردا على سؤال حول إمكانية تبني النموذج التركي في الحكم، قال السبسي: «نحن نأخذ في عين الاعتبار أن الشعب هو شعب مسلم ونحن كمسلمين نحترم الآخرين.. النظام التركي نظام خاص وليس لديه علاقة بنظامنا».

وحرص رئيس الوزراء التونسي في كلمته على تقديم صورة واضحة عن أوضاع بلاده، قائلا إن «الأوضاع أفضل الآن» على الرغم من التحديات الحالية وخاصة الاقتصادية. وقال إن التغييرات في تونس «لا تقودها آيديولوجية من أي نوع ولم تكن هناك توجيهات للثورة بل صاح الشباب من أجل الحرية والكرامة».

وكان السبسي، وصف في مقابلة مع نيويورك تايمز أمس نهجه المتمهل في تلبية مطالب المحتجين بالحصول على وظائف وحريات: «عندما يكون ثمة شخص جوعان، عليك أن تعطيه ما يحتاج إليه وحسب. لا تعطه المزيد، وإلا ربما يموت، ولذا نقترح منحى تدريجيا».

ويقول إنه غالبا ما يترك المتظاهرين يعبرون عن أنفسهم، ولكنه في بعض الأحيان يجد أن هناك حاجة لاتخاذ بعض الإجراءات الصارمة. وقال السبسي إن ذلك كان بمثابة اختيار ما بين الانزلاق إلى الفوضى أو فقدان السيطرة تدريجيا، ودافع عن اعتماده من حين لآخر على شرطة مكافحة الشغب وقنابل الغاز المسيلة للدموع بهدف الحفاظ على النظام. وأكسبه هذا النهج دعما واسعا، ولكنه دفع أيضا عددا قليلا من النشطاء إلى تشبيهه بالديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي. ويقول: «في بعض الأحيان، يكون لدعاة الحرية مطالب تتجاوز المنطق، ولذا توجد صعوبة في حماية الحرية من دعاتها أكثر من الأعداء أنفسهم».

تحدث السبسي خلال مقابلة استغرقت ساعة ونصف الساعة بقاعة استقبال داخل مجمع عمره قرون يعرف باسم القصبة عشية زيارته الأسبوع الحالي للبيت الأبيض في واشنطن وقبل أسابيع من انتخابات مزمع عقدها في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة تحكم تونس أثناء صياغة دستور جديد. ويتوقع أن تكون هذه الانتخابات النزيهة الأولى في الربيع العربي، وستعطيه فرصة تاريخية لتسليم السلطة في انتقال سلمي وديمقراطي، وهذا أمر نادر في تاريخ المنطقة. ويعلق السبسي على ذلك قائلا «هذا واجب وشرف».

بدأ السبسي العمل السياسي في مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي تحت الحكم الاستعماري الفرنسي. وكان حينها محاميا شابا يمثل أعضاء حركة الاستقلال المحيطة بالحبيب بورقيبة، الذي أصبح في عام 1956 أول رئيس لتونس. وكان السبسي مستشارا له، كما شغل منصب وزير الداخلية ووزير الدفاع وسفيرا في باريس. وبعد انقلاب أبيض قام به بن علي عام 1987، ظل السبسي في البرلمان التونسي الذي كان يقر ما يريده بن علي حتى عام 1994. ولكنه كان معروفا منذ عقد السبعينات بأنه صوت داخل النخبة الحاكمة يدعو إلى المزيد من الديمقراطية. ويعد هذا المزيج الذي يجمع بين الخبرة والليبرالية النسبية ما جعله يشغل منصب رئيس الوزراء المؤقت بعد هروب بن علي في 14 يناير (كانون الثاني)، وبعد أن أجبرت مظاهرات في الشوارع رئيس الوزراء حينها (محمد الغنوشي) على تقديم استقالته. ويقول أنصار السبسي إنه يجسد التأثيرات العربية والغربية المتشابكة، التي تعد شيئا مميزا لتونس والأب المؤسس الحديث لها، بورقيبة..

ويعتبر الكثير من المراقبين انه بين دول « الربيع العربي» فأن تونس حافظت على مسارها - لا سيما بالمقارنة مع حالة من الارتباك ظهرت بعد الثورة العربية الثانية في مصر، حيث لا يزال الحكم العسكري المؤقت يصوغ خطة معقدة متعددة المراحل يمكن أن ترجئ تولي المدنيين حكما كاملا للبلاد حتى 2014. وبعد عملية تدريجية لمظاهرات في الشوارع وموازنات رسمية وإدخال أصوات جديدة في الحكومة المؤقتة، تمكن السبسي من كسب مصداقية جعلته في يونيو (حزيران) قادرا على إقناع المواطنين والأحزاب بقبول تأجيل الانتخابات لأسباب فنية من تاريخها المحدد أولا في يوليو (تموز) إلى 23 أكتوبر. ووافق على ذلك حتى الإسلاميون، الذين سيخسرون كثيرا لأن لديهم تميزا من الناحية التنظيمية.

وشملت لجنة مستقلة للإشراف على المرحلة الانتقالية عددا متزايدا من المجموعات السياسية، الذين وافقوا مؤخرا على موعد نهائي مدته عام للجمعية التأسيسية من أجل الحد من سلطاتها. وتقوم لجنة مستقلة أخرى بالتحقيق في جرائم ارتكبها مسؤولون وحلفاء لحكومة بن علي، ومعهم تفويض بالتوصية بعمليات مقاضاة والإعلان عن نتائجها. ولبدء تصحيح الأوضاع داخل الشرطة الوحشية التي خلفتها حكومة بن علي، قام السبسي بتعيين وزير داخلية ثان لدراسة خطوات تجاه الإصلاح.

ولا يزال التونسيون غاضبين بسبب ارتفاع معدلات البطالة، ولا سيما بين خريجي الجامعات، ومعدلات النمو الاقتصادي الضعيفة بسبب الثورة داخل تونس وليبيا المجاورة، وفق ما ذكره السبسي.

ويقول إنه من أجل مرحلة انتقالية ناجعة يتمثل «العنصر المهم في تولي شخص يعتمد عليه يحظى بثقة الشعب قيادة هذه الدول»، مشيرا إلى أنه عندما تولى مهام منصبه كان المتظاهرون قد احتلوا ميدان القصبة لأسابيع ووافقوا على الرحيل طوعا من دون تدخل الشرطة. ويقول: «إذا كان الشعب يثق في زعمائه، فإنهم سينتظرون».