اسكوتلندا تبقي ميزة تعليمها الجامعي المجاني لمواطنيها

في خطوة أثارت جدلا واسعا في إنجلترا قد يصل صداها إلى المحاكم

نزهة لطلاب بجامعة سانت أندروز (نيويورك تايمز)
TT

عندما قررت بريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي فرض زيادة كبيرة في رسوم الدراسة الجامعية، كانت الجامعات الاسكوتلندية فخورة ومستقلة كعادتها، ورفضت الفكرة تماما. وبدلا من ذلك تمسكت بتقاليدها الطويلة بشأن مجانية التعليم الجامعي.

لكن هذا الحال ينطبق على الاسكوتلنديين، فقد قد قرر المسؤولون الحكوميون في اسكوتلندا أن لديهم الحرية مستقبلا في فرض رسوم إضافية على الطلبة القادمين من باقي أنحاء بريطانيا للدراسة في جامعاتهم. وسيبدأ تنفيذ هذه الخطة في سبتمبر (أيلول) المقبل، ويتوقع أن يدفع الطلبة نفس المصروفات الدراسية المقررة في الجامعات الإنجليزية والبالغة نحو 14 ألف دولار سنويا.

وقد أثارت هذه الخطوة احتجاجات سكان بريطانيا، حيث كان التوجه إلى جامعات أدنبره وسانت أندروز خيارا مفضلا لأجيال من الطلبة الإنجليز، بمن فيهم الأمير ويليام وزوجته. وتقول البارونة روث ديتش، محامية وأكاديمية، غاضبة على موقع «لوردز أوف ذا بلوغ» (موقع لأعضاء مجلس اللوردات): «إذا لم يكن غير قانوني فإنه غير أخلاقي».

وشكت مقالة افتتاحية في صحيفة «ديلي تلغراف» من أن المعاملة الاسكوتلندية للطلبة الإنجليز الآخرين كانت «غير عادلة»، ومثيرة للحنق على نحو خاص، نظرا لأن دافعي الضرائب البريطانيين يسهمون في الخزينة الاسكوتلندية. وتساءلت: «في النهاية، لو كانت اسكوتلندا مستقلة وتعتمد على ضرائبها فهل ستتمكن من مواصلة سياسة لم تعد سهلة المنال على الحدود الجنوبية؟».

وتزايدت حدة الحنق لأنه بموجب قانون الاتحاد الأوروبي لا يمكن لاسكوتلندا أن تفرض رسوما على الطلبة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى أكثر مما تتقاضاه من طلبتها، ومن ثم ففي العام المقبل سيتاح للطلاب القادمين من فرنسا والدنمارك واليونان فرصة الحصول على تعليم مجاني في اسكوتلندا، في الوقت الذي سيضطر فيه الطلبة القادمون من إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية إلى دفع ما يصل إلى 56 ألف دولار على مدى السنوات الأربع.

ومن المتوقع أن يتم الطعن في هذه الخطة أمام المحاكم البريطانية والأوروبية على حد سواء، حيث ستتم مراقبة الحالات عن كثب بسبب ما يقولونه عن العلاقة بين أجزاء من المملكة المتحدة والتدابير التي يمكن أن تتخذها الدول الأوروبية في هذه الأوقات العجاف. ومن جانبها ستحاول المحاكم الأوروبية البقاء بعيدا عن القضايا الداخلية للدول، وقد تنظر إلى القضية من هذا المنظور. لكن بعض الخبراء يقولون إنها قد تكون مستعدة للاعتراف بالطلاب من إنجلترا وويلز وآيرلندا الشمالية وطلاب الاتحاد الأوروبي، ومنحهم نفس المزايا التي يتمتع بها الطلبة القادمون من بلغاريا وفنلندا في ما يتعلق بالمصروفات الدراسية. وأكد نيامه نيك شويهني، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي في جامعة أدنبره، أن القضية «مسألة مثيرة للاهتمام حقا».

وقد وعد أحد المحامين البارزين عن حقوق الإنسان في إنجلترا، هو فيل شاينر من مؤسسة «محامو المصلحة العامة»، بالطعن في شرعية السياسة الاسكوتلندية في المحكمة، كما يستعد جيم دافي في آيرلندا الشمالية إلى جانب عدد من «محامي المصلحة العامة» لرفع قضية مماثلة. وقال دوفي: «هذا عمل لا يمكن أن يكون صائبا، فإذا كنت من بوخارست فستحصل على تعليم مجاني، ولكن إذا كنت تعيش على الحدود مباشرة في كارلايل فقد تبلغ المصروفات الدراسية 36.000 جنيه إسترليني. وهو أمر لا يمكن أن يكون صوابا على الإطلاق».

وكان قرار رفع الرسوم الدراسية في بريطانيا من نحو 5600 دولار سنويا في ديسمبر الماضي قد استقبل بموجة من الاحتجاجات العنيفة، وهاجم حينها المتظاهرون مباني حكومية واشتبكوا مع الشرطة في شوارع لندن لعدة أيام، ووصل الأمر بالمتظاهرين إلى أن اقتربوا من الأمير تشارلز وزوجته وهما يتجهان بسيارتهما الرولزرويس.

ويقول خبراء في التعليم إن الزيادة في المصروفات الدراسية في بريطانيا دفعت نظامها الجامعي إلى النموذج الأميركي، حيث ينظر إلى التعليم كفائدة فردية يتطلب على من يسعى إليها أن يدفع مقابلا. لكن اسكوتلندا تحاول الالتزام بمبدأ مختلف، أكثر توافقا مع بقية أوروبا، وهو أن التعليم يخدم الصالح العام، مثل الطرق السريعة والجسور، ويستحق الاستثمار العام، بيد أن التعليم المجاني سيكون من الصعب الحفاظ عليه خلال السنوات المقبلة، كما يقول الخبراء، نتيجة أن المزيد من الطلاب الأوروبيين يسعون للحصول على شهادات جامعية.

وتشير إيلين هازلزكو، وهي خبيرة في التعليم العالي في أوروبا في معهد دبلن للتكنولوجيا، إلى أن التعليم الجامعي في أوروبا ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره أحد أوجه العقد الاجتماعي، «لكن عندما تبدأ تقترب من نسبة 50% من المشاركة، فكيف يمكن تمويل ذلك من الخزينة العامة؟».

ويقول مسؤولون اسكوتلنديون إن قرار رفع الرسوم الدراسية على غير الاسكوتلنديين جاء نتيجة الضرورة، حيث يخشى المسؤولون تدفقا كبيرا من الطلبة الإنجليز الذين قد يشغلون المقاعد الخاصة بالطلبة الاسكوتلنديين. وستساعد زيادة الرسوم الدراسية في تعويض نفقات تعليم غير الاسكوتلنديين في الوقت الراهن بعد أن خفضت الحكومة البريطانية من تمويل للتعليم العالي. وينفي المسؤولون الاسكوتلنديون خوفهم من أي تهديدات قضائية، قائلين إنهم يعتقدون أنهم على أرض قانونية صلبة. وقال مايكل روسل، وزير التعليم في اسكوتلندا: «هذا لن يحدث»، بل إن روسل قال إنه يبحث عن سبل لرفع رسوم الدراسة بالنسبة للطلاب الأوروبيين الذين يدرسون في اسكوتلندا، والبالغ عددهم 11 ألفا، على الرغم من أنه لم يحقق نجاحا يذكر حتى الآن في هذه المسألة، عبر النقاشات التي أجراها مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي.

وكان جدل قد أثير حول لوائح الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتعليم من قبل، عندما وجدت بلجيكا أن مدارسها الطبية يطغى عليها الطلاب الفرنسيون الباحثون عن تعليم أرخص. وعاودت الرد مرة أخرى في المحكمة بحجة أنها لم تعد قادرة على تدريب الأطباء البلجيكيين التدريب الكافي، وقد فازت بحق الحد من عدد الطلاب الأجانب.

وأيا كانت النتيجة في نهاية المطاف هنا، يقول المسؤولون في الجامعات الاسكوتلندية إن المنظومة الجديدة للرسوم الدراسية قد حولت القبول هذا الموسم إلى لعبة تخمين غير مريحة. وقال ستيفن ماغي، نائب رئيس جامعة سانت أندروز، حيث يتحدر نحو ثلث الطلاب من إنجلترا، إنه وجد أن الوضع «غريب تماما». وتساءل ما إذا كان الطلاب ذوو الأصول الإنجليزية سيقررون البقاء في بلادهم، حيث يحصلون على درجتهم الجامعية بعد ثلاث سنوات، وهو العرف السائد في إنجلترا، أم سيدرسون بتكلفة أقل على مدى أربع سنوات في اسكوتلندا. وتساءل ما إذا كان الأثرياء فقط سيتجهون شمالا، الأمر الذي سيحدث تحولا في ميزان الحياة الطلابية هنا. ويقول ماغي: «يكاد يكون من المستحيل تطبيق هذا النموذج».

وقد خرجت جامعة سانت أندروز بنظام معقد للدعم المالي للتخفيف من التكلفة بالنسبة للطلاب الإنجليز الذين لا يستطيعون دفع الرسوم الدراسية الجديدة. وقالت إن الطلاب الإنجليز الذين يدرسون في الجامعات الاسكوتلندية هذا العام لن يضطروا إلى دفع رسوم أعلى ما داموا لا يزالون مسجلين في الوقت الذي يدرس فيه الطلاب غير الأوروبيين دفع مصاريف أعلى تقترب من 20.000 دولار في السنة.

لكن حتى الطلاب الاسكوتلنديون استقلوا حافلات إلى إنجلترا في ديسمبر الماضي احتجاجا على زيادة الرسوم الدراسية هناك، غير راضين عن حل من شقين لاسكوتلندا. وقال مات ماكفرسون، 23 عاما، رئيس الهيئة الطلابية في جامعة أدنبره: «قد تكون مفهومة، لكنها غير عادلة».

* خدمة «نيويورك تايمز»