وثائق نظام القذافي: عناصر ليبية من الكتائب رفضت إطلاق النار على الثوار

مذكرة العميد العيساوي: القوات مهلهلة وغير قادرة على إنجاز أي عمل قتالي في الجبل الغربي

TT

أظهرت وثائق ليبية لنظام العقيد الهارب معمر القذافي، معلومات عن المحاولات اليائسة التي قامت بها قواته طيلة نحو سبعة أشهر لقمع ثورة 17 فبراير، دون جدوى، بما فيها العمل على قتل عناصر تابعة لقوات القذافي وإيهام ذويهم بأنهم ضحايا لتوابع ثورة 17 فبراير، بهدف إثارة القبائل ضد الثورة. كما بينت عشرات الوثائق التي سربتها مجموعة على الإنترنت تطلق على نفسها «ويكيليكس ليبيا» التابعة لثورة 17 فبراير، ضعف التدريب وغياب المعلومات، وتراجع الروح المعنوية وعدم رغبة عناصر من جنود الكتائب في توجيه نيران أسلحتهم إلى الثوار متعللين بعدم تدربهم على استخدام الأسلحة، إلى جانب محاولات مستميتة من جانب قادة القذافي لقمع الثورة بأي وسيلة بما فيها فكرة تدمير مدن بأكملها على رأس ساكنيها دون تمييز، بما فيها المحاولة التي تصدى لها حلف الناتو حين اعتزمت قوات القذافي دك بنغازي بالصواريخ.

وهناك وثيقة عبارة عن مذكرة موجهة من القائد الميداني العميد ركن محمد العيساوي آمر مجموعة العمليات رقم 3 في منطقة الجبل الغربي في أبريل (نيسان) الماضي إلى القيادة المركزية التي يرأسها القذافي في طرابلس يقر فيها بوجود كراهية عامة في أوساط سكان الجبل الغربي لنظام الحكم، إضافة إلى ولائها للثوار المسلحين أو وقوفها على الحياد. وكان ذلك بعد القرار الدولي بحظر الطيران على ليبيا، وكذا بعد أن بدأت طائرات قوات حلف الناتو تنفيذ مهمتها بحماية المدنيين وضرب أي أهداف تابعة للقذافي قد تمثل خطرا على المدنيين الليبيين.

وفوجئ القائد الميداني حين توجه إلى منطقة الرحيبات بالجبل الغربي لإخضاعها، على الرغم من الغياب شبه التام لأي معلومات عن الواقع الذي أصبح عليه سكان تلك المناطق، بوجود ثوار مسلحين فيها بأعداد تفوق قدرة القوة العسكرية التي كانت متجهة إليها لإخضاعها. وقال إنه لم يتم تأمين الإمكانيات التي تساعده على مهمته في كبح جماح المسلحين هناك.

وعن طبيعة أفراد الفرقة العسكرية التي كانت معه، قال إنه «لم يتم تأمين إلا القليل»، و«حتى الذي تم تأمينه من يومين فقط كان عبارة عن أفراد غير متجانسين وغير مدربين، وأسلحة غير قادرة على الرماية لكثرة الأعطال الموجودة بها، مع عدم تدريب الأفراد العاملين عليها، وروحهم المعنوية التي تعرفونها أصلا ولا داعي لإيضاحها».

وقال إنه كان يحاول «إنجاز كل الأعمال والمهام القتالية بالسرعة والإمكانيات البسيطة التي هي أصلا لا تستطيع إنجاز أي فوز أو انتصار في الميدان»، وأنه بمجرد مغادرته لمنطقة الرحيبات تعرض للرماية هو والفصيل المرافق له من الأمام والخلف ومن كل الاتجاهات.

وتشير المذكرة إلى وصول قوة بإمرة العميد الركن خالد دراء، التابع لمنطقة الزاوية الدفاعية الحدودية، قوامها 300 ضابط وضابط صف، مع 40 آلية وأسلحة أخرى، إلا أن هذه القوة لم تشترك مع القوات الأخرى في التحرك، بل صدرت لها أوامر خاصة بالصعود إلى الجبل والهجوم وحدها على الرغم من أن القوة لم يكن بها أي عناصر لها خبرة في التعامل مع الحرب البرية، حيث كانت أغلب عناصرها من القوة البحرية والدفاع الجوي.

وفي ذلك الوقت كانت الأوامر قد صدرت للقادة الميدانيين بالتحرك لمجابهة المتمردين في مناطق أخرى في الجبل الغربي منها الغزايا ووازن.

ويروي الفريق ركن العيساوي، الذي كانت قواته متمركزة في منطقة الرويس التابعة لمنطقة الحوامدية الكارهة لحكم القذافي أساسا، أنه تحرك، رغم قلة الإمكانات، ورغم قصف طائرات الناتو لقواته تمكن من «تكبيد المتمردين خسائر في الأرواح» في منطقة تكوت، التي تعد من المواقع المهمة في منطقة نالوت، وذلك بعد معركة استمرت ساعتين استخدمت فيها قوات العيساوي الصواريخ والمدفعية.

ولم يكن من السهل على الرجل وفقا لمذكرته، التراجع سالما، حيث تعرض في منطقة المجابرة لهجوم من الثوار، واشتبك معهم وجها لوجه مدة سبع ساعات. وكان مع العيساوي قوة من الجنود «جيدة من حيث العدد والإمكانيات»، لكنه لاحظ أن عناصر القوة لم تكن لديها رغبة في القتال، ولم يقم الأفراد بالرماية»، مشيرا إلى أنه «أثناء المعركة عرفنا قوة المتمردين بأنها ليست بالقليلة بل هي أكثر منا بكثير، عددا وعدة، كذلك أسلحتهم وآلياتهم جيدة».

وبدا من المذكرة نفسها أن غرفة العمليات الرئيسية في طرابلس أرسلت قوة لمؤازرة قوات العيساوي، الذي قال عنها إنها حين وصلت «كانت مهلهلة وغير قادرة على إنجاز أي عمل قتالي»، مشيرا إلى أن «الهجوم على الجبل يعتبر من أصعب العمليات القتالية خاصة عندما يكون دون دعم جوي ودفاع جوي فعال ضد الطيران المعادي».

ووفقا للمذكرة نفسها كانت القوة الرئيسية المكلفة بالتحرك إلى منطقة وازن تعاني من «نقص الذخيرة والوقود والتموين»، إضافة إلى الافتقار إلى وسائل اتصال آمنة، حيث كانت الاتصالات بين القادة الميدانيين ورؤسائهم تتم عبر الهواتف المحمولة «التي لا تؤمن السرية وكذلك لعدم وجود تغطية مستمرة في تلك المناطق».

واضطر العيساوي إلى الانسحاب، وأثناء ذلك أمر قواته بالتفرق والانتشار في مجموعات لتفادي الخسائر بسبب قصف طائرات الناتو، و«فعلا، بمجرد انسحابي قام طيران الناتو بضرب المنطقة بين منطقة الحوامد وأولاد محمود»؛ إلا أن طيران الناتو أخطأ أهدافه، وبدلا من قصف قوات العيساوي، قام بضرب «المتمردين وأوقع بهم خسائر في الأفراد بلغت 53 فردا حسب المعلومات المتحصل عليها».

وتوجد ترسانة أسلحة منتشرة في مناطق متفرقة في الصحراء الليبية؛ لكن يبدو أن القذافي كان في حاجة إلى أسلحة حديثة من الخارج في وقت كانت فيه بلاده تخضع لحظر على توريد الأسلحة أو نقلها إلى داخل ليبيا.

وأظهرت وثيقة أخرى تعود ليوم 14 يوليو (تموز) الماضي في وزارة الدفاع الليبية أن أوامر جلب معدات عسكرية من خارج البلاد كان يصعب تنفيذها، وبدا من المذكرة أن القيادات العليا لم تكن تدرك أن الأوضاع متفاقمة إلى ذلك الحد. وأشار مسؤول لم يكتب اسمه صراحة ردا على خطاب أرسله له رئيس هيئة الإمداد والإنتاج، الفريق عبد الرحمن علي، بشأن جلب عربات عسكرية وقواذف من عيار 122 ملم بالقول للفريق عبد الرحمن: «كيف ستصل هذه العربات إلى الجماهيرية. ما هي الطريقة؟».

وتتضمن برقية أخرى صادرة من مكتب القائد الأعلى يوم السابع من أبريل (نيسان) الماضي، أمر تكليف مجموعة يطلق عليها «مجموعة أ» بـ«العمل على وجود عدد كبير من الضحايا في صفوف أفراد الشعب المسلح (يقصد المسلحين الموالين للقذافي) في المناطق التي يجري تحريرها من المتمردين الخونة، وذلك بترك مجموعات منهم دون خطوط إمداد، ودون تغطية مع الحذر الشديد عند إعطاء التعليمات حتى لا تثور الشكوك لدى منتسبي الشعب المسلح».